وجهة نظر

حين يكون التطبيع غطاء صهيونيا لثلاثية: التوسع والهيمنة والتوظيف

تحُل في هذه الأيام الذكرى الثالثةُ للتوقيع الرسمي على اتفاقية التطبيع بين المملكة المغربية و “دولة” إسرائيل. وهي مناسبة للتوقف الجماعي، دولة ومجتمعا، بغاية التقويم والنظر في الخسائر والأرباح، ذلك أن ثلاثَ سنوات هي مدة ٌ كافية لاختبار مدى نجاعة أية اتفاقية مبرمة بين مُتعاقِدَيْن، فكيف إذا كانت مع أمكر “دولة” في العالم ، عُرِفَت بخيانتها للأصدقاء قبل الأعداء ! وهو ما يتطلب إنجازَ تقييم موضوعي يستحضر أساسا المصلحة الوطنية العليا للوطن في تناغم مع انتمائه للأمتين العربية والإسلامية، وما يفرضه هذا الانتماء من التزامات، وواجبات، وفرائض ، خاصة تجاه القضية الأولى لكل المسلمين في العالم أجمع: قضية فلسطين السليبة.

والتقييم المأمول ينبغي أن يَتِمَّ، في نظري، على ضوء ثلاثة معايير: معيار مدى احترام الطرفين للالتزامات المبرمة بينهما، معيار المتغيرات الدولية والإقليمية باستحضار تجارب التطبيع السابقة مع دول أخرى شقيقة، ومعيار النبض الشعبي الوطني في ظل التطورات الحاصلة على الساحة الفلسطينية المتمثلة في عملية طوفان الأقصى المشهودة وما سبقها وما أعقبها من عدوان إسرائيلي متوحش ضد قطاع غزة، والضفة الغربية، والقدس المحتلة. وبما أنه لا الحيِّزُ المخصص لهذا المقال، ولا المعطيات المنشورة، يَسمحان بالدخول في عملية التقييم التفصيلي،  فإنه لابد من التأكيد على أن هذا الواجب هو، بالدرجة الأولى، مهمةُ مُختلَفِ مؤسسات الدولة ( القطاعات الحكومية، البرلمان، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي،..)، ومؤسسات المجتمع المدني ( الهيئات المعنية برصد وتتبع الاختراقات الصهيونية للجسم الوطني، مراكز الأبحاث المستقلة،…)، والصحافة الوطنية ذات المصداقية ( تحقيقات ميدانية، حوارت مع فاعلين..)، والمختبرات البحثية التابعة للجامعات، علاوة على الأحزاب السياسية، و الهيئات النقابية، والحركات الإسلامية والوطنية، فعليها جميعا يقع عبء القيام بالتقويم العلني والشفاف لعملية التطبيع الجارية بين بلدنا وبين إسرائيل.

أولا – في أن التطبيعَ غِطاءٌ صُهيوني لثلاثية: التوسع والهيمنة والتوظيف:

معروف أن الاقتصادَ الصهيوني يعاني من مشاكل كبيرة ذاتِ طبيعة بنيوية، من أبرزها محدوديةُ السوق الاسرائيلي وقصورُه عن استيعاب عدد السكان المتزايد بفعل الهجرات المتتابعة وما ينتج عن ذلك من مشاكل اجتماعية متعددة كالبطالة مثلا، ثم النقصُ الشديدُ في موارد المياه مما أدى بإسرائيل إلى الاستيلاء غصبا على المياه الفلسطينية والأردنية  واللبنانية، وكذلك فقرُه الكبير في المواد الخام الضرورية في عمليتي التصنيع والإنتاج. إضافة إلى كون المؤسسات الصناعية الصهيونية غير قادرة على امتصاص الفائض من الأطر المدربة، واليد العاملة المؤهلة. وحتى على فرض أن لديها القدرة على الإنتاج ، من حيث الموارد البشرية والطبيعية، فهي في حاجة إلى أسواقَ خارجيةٍ لتصريفه أي إلى التوسع في محيطها الاستراتيجي القريب الذي يتشكل من الدول العربية بالدرجة الأولى ( تقريبا مائة مليون من الساكنة في دول المغرب الكبير بشمال افريقيا، مائة مليون نسمة في مصر، الخليج الذي يشهد طفرة في مجال الاستهلاك بفعل مداخيل الثروة النفطية الهائلة).

وانطلاقا مما ذُكر، واستحضارا لطبيعة الكيان الصهيوني، فإن الدوافع الأساسية التي تدفع بإسرائيل إلى الضغط ( سطر على كلمة الضغط) على الدول العربية من أجل التطبيع معها تكمن في ثلاثية: التوسع، والهيمنة، والتوظيف. بالنسبة للتوسع فهو ذو طبيعة اقتصادية كما ألمحنا إلى ذلك أعلاه. أما الهيمنة فهي تتحقق، من جهة، بإدماج العرب والمسلمين في المشروع الصهيوني ثقافيا وسياسيا، و، من جهة ثانية، بإدماج إسرائيل في النسيج الاجتماعي للمنطقة. وهذا الدمجُ لا يَتِم بناء على التعاقد الرضائي وبِنيَّة الشراكة المتكافئة على قاعدة “رابح رابح” إنما تسعى إليه إسرائيل بخلفية التوظيف لمقدرات الأمة العربية للوصول إلى تحقيق الحلم الصهيوني الكبير الذي يتحوَّل فيه العربُ والمسلمون إلى عبيد، والصهاينةُ إلى سادة ذوي الأمر والنهي، أي أن ما فشلت اسرائيلُ في تحقيقه بقوة السلاح، والجيوشِ، والإرهابِ، ستحققه عبر بوابة التطبيع وعن طريق الاستفراد بكل دولة عربية على حدة.

وقد سبق لشيمون بيريز، رئيس وزراء اسرائيل الأسبق، أن صاغ معالمَ هذا المشروعِ وخطوطَه النظريةَ والعمليةَ في كتابه الشهير ( الشرق الأوسط الجديد) صَوَّر فيه التطبيعَ والسلامَ بين العرب وإسرائيل على أنه مفتاحُ التنمية في منطقة الشرق الأوسط، والبابُ الواسعُ الذي ستدخل منه شعوب المنطقة إلى الجنة في الدنيا قبل الآخرة.

لكل ما سبق قلنا بأن التطبيع في المفهوم الإسرائيلي هو غطاء للتوسع، والهيمنة، والتوظيف، و ” أن يُصبح العدوُّ – وهو مقيم على عداوته – صديقا ! وأن يكون اللِّصُ صديقا لصاحب الدار التي سرقها! . وهذا ما تُريده إسرائيل. تريد دمجَ الكيان الصهيوني في المنطقة بإحداث تغيير نفسي وعقلي عند شعوب الأمة بحيث يتقبلون هذا الكيان العدواني الغاصب، ويُسلِّمون بوجوده بينهم دولةً يهوديةً ذاتَ سيادة، والقضاءَ على مشاعرِ العداء المتأصِّلِ لذلك العدو الكافر، الماكر، الغادر، الذي ذكره القرآن بالتمرُّد على الله وعلى رُسُلِه، ووصفه بالقسوة، والغدر، والتَّلوُّن، والكذب، وغيرها من الرذائل” ( كتاب -أمتنا بين قرنين- ص 183 )

ثانيا- ملاحظات عامة على مسلسل التطبيع المغربي الإسرائيلي:

ومن الملاحظات العامة التي نسجلها على عملية التطبيع الجارية ببلادنا مع “دولة” إسرائيل:

-الحماسة والاندفاع الزائدين لتنفيذ بنودها بطريقة مُريبة، ومِنْ طرف واحد. عِلْما أن مصر التي سبقتنا على درب التطبيع بأربعة عقود ما زال تطبيعُها تطبيعا “باردا”، وهو ما تشتكي منه إسرائيل باستمرار، لأنها تريده تطبيعا “ساخنا”، يمتد بأسرع وقت إلى كل القطاعات الحيوية في الدولة والمجتمع وبدون استثناء.

– الشمولية والتمدد بحيث لم يبْقَ تقريبا مجالٌ من المجالات إِلاَّ وصَلَه قطارُ التطبيع (الفلاحة، الأمن، التعليم، السياحة، التجارة، الاقتصاد، الصيد، التاريخ والذاكرة، المجالس المنتخبة، البرلمان…). أليس من العار الذي سجله التاريخ على بعض المجالس “المنتخبة” (التي يفترض أنها منبثقة عن الإرادة الشعبية !) الهرولةُ نحو اسرائيل، وإبرامُ اتفاقيات “تعاون وشراكة” بينها وبين بلديات صهيونية؟ ! أَليْسَ من العار أن تُؤسَّس بالبرلمان لجنةٌ للصداقة المغربية الإسرائيلية؟. أليست هذه هرولةٌ ما بعدها هرولة بتعبير نزار قباني في قصيدته المشهورة “المُهروِلُون”؟ في الأقل كان حريا بالمؤسسات المنتخبة أن تكون آخر قلاع الممانعة. ومن أسف أنه حتى بعد حرب الإبادة الجارية ليل نهار على إخواننا في قطاع غزة لم تبادر هاتيك المجالسُ إلى فسخ تلك الاتفاقيات أُسوةً بما أقدمت عليه بلديةُ برشلونة بإسبانيا التي أعلنت رئيستُها (ادا كولا) عن تجميد كافة العلاقات المؤسسية مع إسرائيل  بما في ذلك إلغاء اتفاقية التوأمة بين المدينة وتل أبيب، على خلفية المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين !

– التطبيع بدأ يطالُ أهمَّ وآخرَ حصنٍ من حصون الأمة وهو المجال التعليمي والثقافي ومحاضن التنشئة الاجتماعية. علما أن المطالب الصهيو-أمريكية في هذا الباب لا حدود لها. ألم يَدْعُ شيمون بيريز( حمامة السلام عند كثير من الحكام العرب) قبل سنوات، المسلمين إلى الانخراط في دينٍ عالمي قِوامُه الأخوةُ والتسامحُ اللذَيْنِ يُحَتِّمان على المسلمين التخلي عن الكعبة المشرفة كقبلةٍ لمسلمي العالم أثناء الصلاة، واختيارَ القدس الشريف قبلةً مشتركة لكل الأديان السماوية، وصيام عاشوراء بديلا عن صوم رمضان؟ ! ألم تَتِم المطالبةُ بإزالة الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود في المناهج التعليمية في كثير من الدول العربية؟

– ظهور مغاربة “صهاينة” لا يدافعون عن العلاقات مع إسرائيل فحسب، بل يبررون السياسات الإسرائيلية العدوانية تجاه شعبنا في فلسطين. هم قلة قليلة، لاشك في ذلك. غير أن مجردَ ظهورهِم العلني، وجرأتهم في تحدي مشاعر المغاربة، هو مؤشر على اختراقٍ الفيروس الإسرائيلي لمناعة الجسم الوطني، وهؤلاء المغاربة “الصهاينة” استغلوا اتفاق التطبيع لِيُعلنوا أمام الملأ حالة العشق والحب التي يُكنُّونها لإسرائيل (لحسن حظنا ولسوء حظهم هو حُبٌّ من جانب واحد)، وهؤلاء يتشكلون من خليط من مسؤولين متنفذين، وفاعلين سياسيين، ومنتخبين ترابيين، وأساتذة جامعيين، وناشطين مدنيين، وإعلاميين، وفنانين، ذلك أنه بمجرد التوقيع على اتفاقية التطبيع انتقلوا من حالة العداء إلى حالة العشق والهيام لبني صهيون، وقد مَثَّلهم جميعا عقِب طوفان الأقصى صاحبُ مقال (كلنا إسرائيليون) في لفتة تضامنية لا إنسانية مع المجرم (إسرائيل) ضد الضحية (الشعب الفلسطيني).

– الطابور الخامس الإعلامي: ظهر طابورٌ خامس في قطاع الإعلام حُدِّدت له مهمةُ ممارسة التضليل من خلال التسويق الإعلامي للتطبيع مع إسرائيل وتصويره على أنه المنقذ من التخلف، ورافعة للتنمية بالبلد، ومفتاح سحري لحل قضية الصحراء المغربية.

– الخلط المتعمَّدُ بين اليهود “المتصهينين” ذوي أصول مغربية الذين غادروا المغرب عن طواعية إلى إسرائيل استجابة لنداء الحركة الصهيونية العالمية، وأصبحوا جزءا من آلة الحرب الجهنمية التي تُقَتِّل الفلسطينيين يوميا، وبين اليهود المغاربة الوطنيين الذين فضَّلوا البقاء في بلدهم، وهم جزء من النسيج الوطني المغربي. هذا الخلطُ مقصودٌ منه اتهامُ كلِّ منتقدٍ للفئة الأولى بأنه مُعادٍ للفئة الثانية، أي مُعاد لليهود واليهودية. وهو أسلوب فج في الخلط، والشَّيطنة، والعزل الاجتماعي.

ثالثا-التطبيع بين ضرورات الحكام وخيارات الشعوب:

قد يقول قائل بأننا نبالغ في تصوير مخاطر التطبيع لأنه يَفترض أن الأنظمة الموقِّعة عليه لا تعرف مصالحها الوطنية والقومية. وجوابنا على هذا الاعتراض غير الصحيح أصلا ينطلق من محددات عدة مِنْ أبرزها:

— قاعدة التفريق بين (ضرورات الحكام) و (خيارات الشعوب). وهذه القاعدة تعني ” أن الحكومات قد تكون لها حسابات تُملِي عليها اتخاذَ قرارات معينة في شأن بعض القضايا. وقد ترى في هذه القرارات مصلحةً وطنية أو تَخلص إليها بعد الموازنة بين المصالح والمفاسد. وفي كل الأحوال يمكن فهمُ موقفها وإعذارُها فيما انتهت إليه. أما الشعوب فهي في وضع مختلف من حيث أنها تقع خارج دائرة الحسابات والموازنات أو الضغوط الدولية. الأمر الذي يُتيح لها هامشا للحركة أفضلَ وأكثر مرونة ومِنْ ثَمَّ خيارات أوسع. هكذا فإن إعذار السلطة في ظل اعتبار الضرورة يمكن أن يُستوعَب إلى جانبه تنوعُ المواقف في المجتمع بحكم اتساع فسحة الخيارات” ( كتاب – المقالات المحظورة – ص 186).

— عدم الخلط بين الالتزام بقوانين الدولة والالتزام بسياساتها: القوانين الصادرة عن المؤسسات المختصة في أي دولة هي قوانين يتحتم على الجميع الإذعان لها، أما السياسات المتخذة من السلطات التنفيذية فهي مُلزمة للإدارة التابعة لها وحدها، ولا يتحتم على مؤسسات المجتمع المدني الإذعانُ لها بالضرورة. بمعنى أن من حق المجتمع المدني أن يختلف مع سياسات الدولة في قضية من القضايا، وأن يُعبر عن موقفه المخالف أو المعارض بكل حرية ووضوح. وهو ما نشاهده في الدول الغربية الداعمة لحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة بحيث أن الشعوب رفضت سياساتِ دُوَلِها وخرجت بالملايين إلى الشوارع للتعبير عن رفضها للموقف الرسمي لحكوماتها، و قد ساهم ذلك الحراك الجماهيري الضخم في تغيير جزئي في مواقف تلك الدول من العدوان، بل كان وراء إقالة وزيرة الداخلية البريطانية من منصبها بسبب نزوعها نحو تقييد حرية الجماهير في التعبير عن رفضها للموقف الرسمي البريطاني من الحرب.

— اختلاف المجتمع المدني مع سياسات الدولة في مسألة ما له ايجابياته العملية على أرض الواقع من حيث أنه وجه آخر من وجوه تعزيز مواقف الدولة في المفاوضات والعلاقات والمدافعات. وهو منهج يطلق عليه في العلاقات العامة ” منهج توزيع الأدوار” أي أن الدولة تقوم بالدور المنوط بها دستوريا في ظل موازين القوى القائمة داخليا وخارجيا، والمجتمع المدني يقوم بدوره الذي يفرضه عليه ضميره المستقل، وعقله الجمعي، ومبادؤه العليا، بعيدا عن أي حسابات براغماتية.

— ما من شك أن حركة التطبيع الجارية اليوم ليست حركة تاريخية ببعد استراتيجي، بمعنى أن ظروفا استثنائية و طارئة هي التي تقف وراءها. لأن الحركات التاريخية عادة ما يكون عليها إجماع أو شبه إجماع بين الحكام والمحكومين، بين الدولة والشعب، و بين المؤسسات الرسمية والمؤسسات المدنية، وهذا غير حاصل في اتفاقية التطبيع الحالية نظرا لطبيعة الطرف المتعاقد معه وهو إسرائيل المعروفة بالغطرسة، والتماطل، والمكر، ونكث العهود والمواثيق.

— الشعوب هي التي تقرر مآل اتفاقيات التطبيع : رغم كل الضخ الإعلامي من مؤيدي التطبيع، فإن الشعوب بفطرتها السليمة، وثقافتها المتجذرة في التاريخ، وأصالتها النابعة من قيمها الحضارية، هي التي لها الكلمة الأخيرة في موضوع التطبيع. ويستحيل أن تَقبل الأمةُ في مجموعها جسما غريبا عنها على كل الصعد: دينيا، حضاريا، ثقافيا، وتاريخيا. لذلك ستبقى إسرائيل جسما غريبا عن الجسم المغربي إلى أن تتحرر فلسطينُ، كلَّ فلسطين.

خامسا- الحصاد المر في تجارب التطبيع السابقة:

ما يؤكد أن حركة التطبيع الجارية هنا وهناك ليست حركة تاريخية كما قلنا، إنما هي استجابة لظروف استثنائية تعيشها الأمة العربية، ما يؤكد ذلك أن التجارب التي سبقت التجربة المغربية كانت فاشلة. ليس ذلك فحسب إنما أدت إلى تدهور أوضاع التنمية في تلك البلدان من سيء إلى أسوء، وأحيانا بشكل دراماتيكي. أول تجربة للتطبيع هي التجربة المصرية التي وُقِّعت في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وعمرها حوالي خمسين سنة. فماذا جنت مصر منها ؟ يقول د. مصطفى محمود، الطبيب و المفكر المصري المعروف، متحدثا عن مآل الزراعة المصرية نتيجة “التعاون” الإسرائيلي المصري فيها: ” جاء الوقت الذي نتخلص فيه من هذا التطوير المفسد لمحاصيلنا وأرضنا المصرية، وقد سبق أن تكلمنا كثيرا عن التدهور النوعي لمحاصيلنا بسبب إدخال الخبرة الإسرائيلية في كل قيراط من أرضنا. والنتيجة هي تلك الفاكهة بلا طَعم التي تملأ الأسواق، الفراولة الضخمة بطعم اللفت، والخيار بطعم البلاستيك، والطماطم بطعم الخيش، والخوخ الأحمر الذي له مفعولُ الحقنةِ الشرجية والذي يصيب آكلَه بضربة إسهال لا يفيق منها، والعنب المتضخم بسبب الهرمونات والذي يفسد التوازن الهرموني في الجسم ويؤدي إلى أوخم العواقب، والهندسة الوراثية الإسرائيلية التي أتلفت كل مأكولاتنا، والنسبة العالية من المبيدات في الخضراوات والفواكه والحبوب، والبذور التالفة التي تأتينا من إسرائيل لتفسد التربة وتؤدي إلى عقمها، والتفاح الإسرائيلي الماسخ بطعم قشر البطيخ والمكتوب عليه واشنطن للضحك على الذقون”  إلى أن يقول مخاطبا وزير الزراعة المصري: ” هل تعلم يا سيادة الوزير ماذا يأتينا عبر الحدود المصرية الإسرائيلية؟ تأتينا المخدرات.. والدولارات المزيفة .. والجواسيس .. واللبان الجنسي ( وهو لبان لا يُنشِّط الجنس ولكن يُدمِّر الجسد ويَنسِف الكبد والكليتين) .. والسائحات محترفات الدعارة …” ( كتاب اليوم – إسرائيل البداية والنهاية ص 12/13). صاحب هذا الكلام ليس نكرة بل هو مفكر معروف وكان يكتب مقالات أسبوعية في أشهر وأكبر الجرائد المصرية والعربية كالأهرام وأخبار اليوم.

ثاني تلك الاتفاقيات هي اتفاقية “السلام” بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل المبرمة عام 1993، أي قبل ثلاثين سنة بالتمام، وهذه لا تحتاج منا إلى أدنى تعليق لأن واقع ما يسمى ب (السلطة الفلسطينية) التي كانت ثمرة لها، ينطق بكل شيء، فهي ليست اليوم أكثر من مجرد شرطي يقوم على حماية أمن اسرائيل وقمع المقاومة، ومع كل التنازلات الخطيرة التي أقدمت عليها المنظمة لفائدة إسرائيل فإن هذه الأخيرة لم تنفذ عشر معشار ما التزمت به فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني من بناء الدولة، و حق العودة للاجئين، وترسيم الحدود، و حل إشكالية المياه، واستعادة القدس، وإزالة الاستيطان ( لمن لا يعلم: تضاعف الاستيطان عدة مرات في الضفة الغربية والقدس منذ عام 1993 إلى اليوم). أما بالنسبة للأردن فرغم التحاقه بقافلة الدول المطبعة منذ ثلاثين سنة إِلاَّ أن قادة الكيان الصهيوني مازالوا يصرحون علنا بأن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين. وآخر نموذج فاشل يمكن الاستشهاد به هو الاتفاق على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين السودان وإسرائيل في عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح البرهان عام 2020 الذي كان يتوهم أن تقرُّبَه من إسرائيل سيفتح أمامه أبواب الحكم مشرعة، ولن تنغلق أبدا، ومما وعدوه/أوهموه به: ” إعفاء السودان من ديونها التي تبلغ 60 مليون دولار، والمساعدة على استعادة السودان حصانته السيادية، وفتح المجال لإدماجه في المجتمع الدولي، والاستفادة من الاستثمارات الإقليمية، والدولية، والتكنولوجية، والمساعدة في بناء المؤسسات الوطنية “. فهل تحقق أمل البرهان في التعلق بحبل النجاة الصهيوني؟ وأين هو السودان اليوم؟ أليس على حافة الانهيار الشامل، والانفراط التام لوحدة أراضيه ولسيادته الوطنية؟ .

الخلاصة هي أن إسرائيل تأخذ دائما ولا تعطي، وتغدر بأصدقائها وحلفائها قبل أعدائها. وهي مرفوضة شعبيا ووجدانيا لدى الشعب المغربي الذي رفع في مظاهراته المليونية شعاران كبيران: أوقفوا العدوان على الغزة، أوقفوا التطبيع مع اسرائيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *