وجهة نظر

التليدي يكتب: في نقد برنامج “البام”.. الحلقة الثالثة

نقصد بالتناقض مستويين، الأول تناقض بين إجراءات البرنامج نفسها، والثاني تناقض البرنامج مع المواقف السياسية المعلنة لحزب الأصالة والمعاصرة.

1- الملمح الأول: تناقض تدابير البرنامج مع بعضها:

وردت في البرنامج تدابير متناقضة يصعب الجمع بينها في سياسة عمومية واحدة، وسنقتصر في هذا الملمح على عينتين:

– سعر الضريبة على القيمة المضافة: اقترح البرنامج الانتخابي للبام في السياسة العمومية، وتحديدا ضمن إجراءاته في السياسة الجبائية، تدبير “ضريبة على القيمة المضافة بسعرين.”تطبيقا لتوصيات المناظرة الوطنية للجبايات، وهو إجراء اعتمدته الحكومة بشكل متدرج، لكن المفارقة أنه في التدبير الذي يليه، اقترح برنامج البام الانتخابي، اعتماد ضريبة على القيمة المضافة بسعر %30 تخص المشتريات الفخمة المستوردة، وهو ما يعاكس تماما الإجراء السابق، إذ تصير الضريبة على القيمة المضافة بثلاثة أسعار.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن البام عارض بشدة إصلاح الضريبة على القيمة المضافة بإقرار سعرين معتبرا أن هذا الإصلاح يمس القدرة الشرائية للمواطنين، فجاء البرنامج فاعتمد ما سبقت الحكومة لإقراره.

– إجراءات متناقضة بخصوص دعم السكن الاقتصادي: ففي الوقت الذي يقترح فيه البرنامج الانتخابي للبام مراجعة الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة المتعلقة بالسكن الاقتصادي ضمن مقترحاته في السياسة الجبائية، يقترح ضمن تعاقداته الاجتماعية الخاصة بالسكن تسريع وتيرة أجرأة برامج الإسكان الهادفة لتخفيض العجز في السكن الاجتماعي وإعادة إسكان قاطني مدن الصفيح علما أن هذا الإجراء لا يمكن تحقيقه دون استمرار منظومة الدعم، بدليل تجربة فشل سكن الطبقات الوسطى الذي رفض فيه المنعشون العقاريون كل العروض المقدمة إليهم من الحكومة خوفا على هامش الربح الذي كانوا يحصلونه، فكيف يمكن الجمع بين الإجراءين، وهل بالإمكان رفع الإعفاء دون رفع سعر السكن الاجتماعي، وهل بالإمكان تحقيق هدف تخفيض العجز في السكن مع تهاوي القدرة الشرائية الناتج عن الإجراء الضريبي المقترح.

2- الملمح الثاني: تناقض تدابير البرنامج مع مواقف الحزب المعلنة:

وسنقتصر في هذا الملمح على الإجراءات التي تتعلق بإصلاح صندوق المقاصة:

-استكمال إصلاح صندوق المقاصة: إذ اقترح البرنامج الانتخابي للبام توسيع نطاق الإصلاح ليشمل غاز البوتان والسكر، وهو اعتراف بالإصلاح الذي قامت به الحكومة لهذا الصندوق وبالآثار المالية النوعية التي أدرها على الميزانية العامة، في حين كانت قيادة “البام” تهاجم هذا الإصلاح، وتعتبر أن الحكومة جاءت لتفكيك صندوق المقاصة تطبيقا لتوجيهات خارجية، وأنها حرمت الفئات الهشة من دعم الدولة، ثم يأتي البرنامج ليتحدث عن مواصلة الإصلاح ليشمل غاز البوتان والسكر.

– استهداف الدعم: إذ اقترح البرنامج الانتخابي لحزب البام خلق ملف رقمي وطني يخول التعرف على الفئات المعوزة التي تحتاج للدعم، وجعل هذا الإجراء ضمن الإجراءات التي سيتم تنفيذها في الثلاثة أشهر الأولى. وهو إجراء سبقت الحكومة وتبنته وعارضه البام بقوة، معتبرا توزيع الدعم بمثابة رشوة انتخابية تعود فائدتها لصالح العدالة والتنمية وتشجع ثقافة المساعدة والاتكال، لكنه عاد اليوم في برنامجه للتأكيد عليها، ولجعلها ضمن الإجراءات التي سينفذها في الثلاثة أشهر الأولى.

على أن هذا التناقض لم يتوقف عند حدود البرنامج الانتخابي، بل امتد ليشمل أيضا وثيقته النقدية للحصيلة الحكومية، إذ اعتبر البام فيها أن حصيلة الحكومة في المجال الاجتماعي كانت دون حجم الانتظارات، واستثنى من هذه الحصيلة، المشاريع الاجتماعية الكبرى التي أطلقها جلالة الملك قبل مجيء الحكومة كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ونظام المساعدة الطبية “راميد”، والتي حققت- حسب الوثيقة- نتائج مهمة في مجالات محاربة الفقر والهشاشة وتسهيل فئات واسعة من الفقراء للخدمات الصحية، لكن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عاد ليتناقض مع وثائق حزبه، وينسب نظام المساعدة الطبية للحكومة، وليس للملك، ويتهم الحكومة بأنها أصدرت بطاقة لشهادة ضعف دائمة، لا تمكن المواطن من الاستشفاء، وأن هذا النظام لم يحقق أي شيء للمغاربة في الولوج للخدمات الاستشفائية، ليبقى السؤال المطروح على البام بحسب تصريحات أمينه العام، هل نظام المساعدة الطبية مشروع حكومي أم مشروع ملكي؟ وهل حقق نتائج مهمة، أم هو فقط بمثابة شهادة ضعف لا تساعد على الاستشفاء؟ وهل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ينتقد الحكومة أم ينتقد المشاريع الملكية؟