اقتصاد، مجتمع

تراجع “مخيف” لمخزون السدود بالمغرب.. هل يتطلب الأمر إعلان حالة طوارئ مائية؟

تتواصل نسبة ملء السدود بالمغرب في التراجع إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود، في ظل مخاوف من دخول المملكة في أزمة مياه حادة بسبب تأخر التساقطات المطرية، وسط مطالب بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتقنين استعمال المخزون المائي الحالي، وإيجاد بدائل غير تقليدية لضمان مياه الشرب والسقي.

وتظهر الأرقام الرسمية لوزارة التجهيز والماء، أن نسبة ملء السدود بالمغرب، إلى حدود أمس الأربعاء 9 يناير 2024، لا تتجاوز %23.20 من إجمالي حقينة السدود البالغ عددها 63 سدا، مقارنة بـ%31.52 خلال السنة الماضية.

ويبلغ مخزون المياه الحالي في سدود المملكة مجتمعة، 3 ملايير و739 مليون متر مكعب، من أصل 16 مليار و122 مليون متر مكعب هي مجموع حقينة السدود بالمغرب، بعدما كان الرقم 5 ملايير و81 مليون متر مكعب خلال نفس الفترة من السنة الماضية.

وفي سدود جهة طنجة تطوان الحسيمة، على سبيل المثال، والتي تعتبر من أكثر السدود ملأً على المستوى الوطني، سجل المخزون المائي، إلى غاية أمس الأربعاء، عجزا يصل إلى 309 مليون متر مكعب، مقارنة مع اليوم نفسه من العام الماضي.

إقرأ أيضا: وزير الماء يدق ناقوس الخطر ويلمح لقطع مياه الشرب ويدعو المغاربة لوقف التبذير

وبحسب التقرير اليومي للمديرية العامة لهندسة المياه بوزارة التجهيز والماء، فإن المخزون المائي بسدود هذه الجهة، يبلغ حاليا 667.5 مليون متر مكعب، بنسبة %38.77، مقابل 976.7 مليون متر مكعب السنة الماضية، علما أن الحقينة الإجمالية لسدود الجهة تبلغ 1721.7 مليون متر مكعب.

والثلاثاء المنصرم، دق وزير التجهيز والماء، نزار بركة، ناقوس الخطر حول الأزمة المائية التي يعيشها المغرب بفعل توالي سنوات الجفاف وندرة التساقطات المطرية، داعيا المغاربة إلى الحد من تبذير هذه المادة الحيوية، ملمحا إلى أن الحكومة قد تضطر إلى قطع مياه الشرب عن بعض المناطق إذا اقتضت الضرورة ذلك.

وتسببت ندرة التساقطات المطرية واستمرار سنوات الجفاف في انخفاض حاد في إنتاج الطاقة الكهرومائية بنسبة 57.2٪، وفقا لما كشفه التقرير السنوي للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء لعام 2022.

حالة طوارئ مائية

وفي هذا الصدد، اعتبر أحمد الطلحي، الخبير في البيئية والتنمية المستدامة، أن الوضعية المائية الحالية بالمغرب، تتطلب استنفار كل الجهود والإمكانيات لمواجهة هذا التحدي، وإن تطلب الأمر إعلان حالة طوارئ مائية.

وقال الطلحي لجريدة “العمق”، إن هذه الأزمة ترتبط بأهم مادة حيوية للإنسان، معتبرا أن الوضع الذي نعيشه اليوم يمس الحاجيات اليومية للسكان من المياه الصالحة للشرب، كما يمس الاقتصاد الوطني، حيث عدد من القطاعات الاقتصادية تعتمد على الماء، خصوصا القطاع الفلاحي.

وأشار الطلحي إلى أنه ليست فقط حقينة السدود التي تعرف تراجعا وانخفاضا خلال السنوات الأخيرة، بل حتى الفرشات المائية تعرف بدورها انخفاضا ملحوظا في مستوياتها.

إقرأ أيضا: دورية لفتيت تستنفر الولاة والعمال.. اجتماعات مكثفة لمواجهة أزمة المياه

وأوضح الخبير البيئي أنه نادرا ما كان يحدث جفاف طويل في تاريخ المغرب، حيث كانت مواسم الجفاف تحصل بعد مرور مدة طويلة تتراوح ما بين 15 و20 سنة، إلا أن السنوات الأخيرة عرفت تقلص المدة إلى 4 أو 5 سنوات فقط.

ويرى المتحدث أن السبب في ذلك هو التغيرات المناخية، في ظل تموقع المغرب في النطاقات المناخية المعتدلة وشبه الجافة، وهي المنطقة الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، خصوصا ما يتعلق بقلة التساقطات وعدم انتظامها.

وحذر المصدر ذاته، أنه إذا استمرت دول العالم في عدم احترام التزاماتها المناخية، فإن درجة حرارة الأرض ستتجاوز 1.5 درجة مائوية فوق المعدل السائد قبل الثورة الصناعية، في وقت وصل فيه احترار الأرض حاليا زائد 1.2 درجة.

إجراءات مستعجلة

وبخصوص الإجراءات المستعجلة المطلوبة حاليا من الجهات المعنية لمواجهة آثار الجفاف الحالية، شدد الطلحي على ضرورة الاستغلال العقلاني للموارد المائية المتاحة إلى حين عودة انتظام التساقطات المطرية.

ومن أبرز الإجراءات المطلوبة، يقول الطلحي، التحكم في الاستهلاك اليومي للمياه الصالحة للشرب عن طريق حصة معقولة لكل مدينة وقرية، سواء من خلال تخفيض قوة الصبيب في شبكات توزيع الماء أو من خلال قطع التزود لمدة زمنية محددة في اليوم.

ودعا الخبير ذاته، إلى التوقف عن سقي المناطق الخضراء بالمياه الصالحة للشرب، والاكتفاء فقط بسقيها بالمياه العادمة المعالجة إن وجدت.

إقرأ أيضا: الجفاف يخفض إنتاج الطاقة الكهربائية من السدود بـ57%

وطالب بتزويد المناطق القروية المتضررة بكميات معقولة من المياه عبر صهاريج متنقلة، وتخصيص بشكل استعجالي مخصصات مالية لاقتناء الوسائل اللوجستيكية الضرورية ولنفقات التدبير والصيانة.

كما دعا الطلحي إلى التوقف عن سقي المزروعات غير الضرورية، خصوصا المستهلكة للماء بكثرة، والعمل على المحافظة على الإنتاج الحيواني.

وشدد على ضرورة تنظيم حملات موسعة ونوعية عبر كل الوسائل التواصلية، لتوعية السكان بضرورة الاقتصاد في استهلاك الماء ولإخبارهم بمختلف الإجراءات المتخذة.

خطوات استراتيجية

وعلى المستوى الاستراتيجي، اقترح الطلحي الانتقال من تدبير الوفرة إلى تدبير الندرة، موضحا أن تدبير الوفرة كان يركز أساسا على التخزين من خلال بناء سدود جديدة أو توسعة السدود القديمة.

ويرى الطلحي أن تدبير الندرة يتمثل في تحويل المياه بين الأحواض المائية، وإنتاج الموارد غير التقليدية للمياه من خلال معالجة المياه العادمة، وتدوير المياه الصناعية والمياه الرمادية، وتحلية مياه البحر والمياه المالحة.

وشدد على ضرورة معالجة الهدر خصوصا في القطاع الفلاحي، باعتباره يستهلك 87 بالمائة من الموارد المائية، داعيا إلى القضاء على التسربات بسبب تقادم الشبكة الهيدروزراعية والمتسببة في ضياع %40  من المياه الموجهة للقطاع الفلاحي.

إقرأ أيضا: أزمة الماء.. المغرب يبرمج مشاريع جديدة لتحلية مياه البحر وبناء 10 سدود

كما طالب الطلحي باعتماد الري الموضعي بدل الري الفيضي، وإنتاج النباتات المقاومة للجفاف، مع ضرورة الاقتصار على الإنتاج الفلاحي الذي يوفر الأمن الغذائي، وفق تعبيره.

وكان وزير التجهيز والماء، نزار بركة، قد قدم معطيات وأرقام صادمة حول الوضعية المائية في المغرب، ووصفها بأنها “خطيرة جدا” نتيجة تأخر هطول الأمطار واستمرار الجفاف للسنة الخامسة على التوالي، مؤكدا أن “المغرب لم يشهد من قبل هذا الجفاف الذي عشناه في السنوات الأخيرة منذ 2019”.

كما استنفرت دورية لوزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، حول الأزمة المائية الكبيرة التي يشهدها المغرب بفعل توالي سنوات الجفاف ونقص التساقطات المطرية، الولاة والعمال بمختلف جهات وأقاليم المملكة، والذين شرعوا في عقد اجتماعات مكثفة لتفعيل إجراءات مستعجلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • ناصح
    منذ 4 أشهر

    الأمر يستدعي التوبة .والابتعاد عن الزنى والحرام والعري وكثرة الاستغفار

  • Mounir
    منذ 4 أشهر

    هذه نتائج التطبيع مع الصهاينة نعلت الله عليهم

  • صريح ابن الصريح
    منذ 4 أشهر

    يجب العودة لنقل الفوسفاط عبر السكة الحديدية بدلا من أنابيب المياه . ما يعمل به في بلاد انهار الميسيسيبي و الامزون لا يجب أن يتم في بلاد المغرب . هذا النقل تسبب في تجفيف وادي ام الربيع و سدوده . والمجزرة مستمرة في فرشة بني عمير التي نزلت بمئات الامتار

  • صريح
    منذ 4 أشهر

    يجب إيقاف نقل بعض المعادن بواسطة أنابيب الماء . الساكت على الحق شيطان أخرس. اللهم اني قد بلغت .

  • Zerradabdellatif
    منذ 4 أشهر

    لما ذا تكذبون على المغاربة ؟ معظم المخزون المتبقي في السدود يوجد في سد الوحدة الذي لم تسغل مياهه منذ انشائه سنة 1999 الا مؤخرا وبكفية جزىية