وجهة نظر

مريمي يكتب: قصف العقول.. والدعاية الكاذبة

يسعى أصحاب القرار السياسي في الأحزاب البئيسة التي باتت تعتمد الدعاية الكاذبة طريقة لإبعاد حقيقة وجوهها المشوهة المغطاة بالأقنعة وزيف واجهتها المصنوع من عمليات التجميل، وسيلة للتأثير في عقول المواطنين وحشدهم لتغيير مواقفهم من خلال الترويج لأخبار صنعها شردمة من الكراكيز العاملة في منابر إخبارية مستحدثة أو ممولة لهذا الغرض . أخبار يحاول أصحابها قذفها – في لحظات يشعرون أن وسائلهم وخطاباتهم المعتمدة في التنافس السياسي صارت غير مقنعة للجمهور الناخب – كحقائق ظهرت للتو أو أسرار اكتشفوها صدفة، تلك الحقائق التي لا تعثر لها علىدليل صريح ولا تتوصل لمصدر معروف كان منوراءها، ويؤكد ذلك أيضا ما يمكن أن تستشفه وتستخلصه من تحليل الجانب الموضوعي فيها.

إنهم يحاولون جعل الرأي العام عرضة للقصف بالأخبار الصادرة عن منابر إعلامية يديرها مرتزقة باعوا ضميرهم وتخلوا عن شهامتهم وأخلاقيات مهنتم ولطخوا سمعة رجال ونساء السلطة الرابعة، وصاروا لا يعبؤون بما يقولون ولا يتعبون مما يكيدون إلى حد التحول إلى مصادر خبر مشؤومة، يطاردون النبل بالخسة، والصدق بالوشاية الكاذبة والمصداقية بالدناءة.

لن يغيب ذلك عن قارئ فطن ذكي، تعرض للقصف بمثل هذه الدعاية الكاذبة سيما إذا غلب عليه الجانب الموضوعي وتحرر من قيود التحيز ، فالجمع بين النقيضين أمر غير ممكن وشيء دون شك مفضوح ، والقضية لا يمكن أن تكون صادقة وزائفة في الآن نفسه.
إن ما يثير الدهشة هو ادعاء هؤلاء “السياسيين” ومعهم شردمتهم من “الصحافيين” غيرتهم على الوطن وحبهم له ، وسعيهم لتحقيق مصلحة المواطنين بطريقتهم التي ابتكروها، وصاغوا لها نماذج على أساس التصنيف الفئوي، والتمايز الجغرافي والانتماء العرقي والميراث الإديولوجي ، وتوليد قواعد من رحم “الغاية تبرر الوسيلة”، وهو ماجرهم للسقوط في التناقضات كل حين، وانكشاف سعيهم مع كل ردة فعل اتجاه مشاريع الإصلاح وخطط التنمية وقضايا الهوية والدين واللغة والديمقراطية…، وحري بهم أن تتناغم مواقفهم من قضايا الوطن ليفهم سلوكهم السياسي ويقتنع بتحليلهم البئيس.

إن من أثار موضوع ” أخونة الدولة ” واختبأ وراء الستار واندس كالجربوع في الغار، بهدف إحداث ضجة إعلامية تستقطب انتباه المواطنين في واضحة النهار، اعتقد أن الموضوع سيشكل قصفا عنقوديا من شأنه إحداث ارتجاجات في عقول الناخبين لدرجة تصل إلى تغيير مواقفهم واستبدال مواقعهم، من دعم لأغلبية مشكلة من كتلة سياسية منسجمة إلى حد ما بزعامة تيار سياسي له من المصداقية والقبول لدى المواطنين ما زاد الجنون لدى خصومه لحد السعار، إلى ارتماء في قعر معارضة تحكمية محركها الأساسي الجرار وأتباعه من العصافير التي تقتات على البذور التي تناثرت على سطح الأرض.

والحقيقة أن أصحاب هذا الحدث البئيس، ومن ورائهم مالكوهم بعضهم من بعض، يجهلون طبيعة المجتمع المغربي الذي يسعى – وبغيرة الأحرار – إلى إشباع المتطلبات المشتركة لمجتمع سمح أصيل متضامن، حيث الالتزامات والواجبات المتبادلة الواضحة والقائمة على قواعد الاحترام وتكافؤ الفرص، والتنافس الشريف بالدعاية الصادقة كعملية إقناع مشروعة، والتأثير في الآراء بالوسائط المتاحة ودون ارتداء للأقنعة الواقية من الإشعاعات الكاذبة التي يؤكد أصحابها بأقنعتهم تلك، قبل غيرهم بأنها ضارة.

لا أحد يرفض أن يكون السياسيون مسؤولين عن أعمالهم وقراراتهم ومواقفهم، وأن يساءلوا ويحكم عليهم أو لصالحهم من طرف الرأي العام الذي فوضهم ليعملوا باسمه، ومن حقهم استعمال وسائل الإقناع والإشهار والتواصل لاستمالة هذا الرأي العام ، لكن استخدام الدعاية الكاذبة والوشاية المغرضة والعمل بهما في فراغ منفصل عن الحقائق السياسية والاجتماعية واعتبارهما وسيلتين أساسيتين لكسب التأييد العام من جمهور الناخبين لزعمهم وزعيمهم، وهم يتمنون أن يصلوا بها في تأثيراتهم الدعائية إلى مستوى الاستسلام العقلي للمخاطبين والاسترخاء الفكري لدرجة التعطيل، وانبهار الناس أمام دعاياتهم وقبولهم لكل مضامينها دون تمييز، وهم يجهلون دون أدنى شك بأن المعنيين بالخطاب الإعلامي ليسوا كما يتمنى هؤلاء، وأن قياس النجاح عند الناس لا يتم بحجم الإنتاج الدعائي وهيمنة الوشاية الكاذبة…، ولعل الجغرافيا الانتخابية التي ترسم بعد الاستحقاقات خير مثال لقصة فشل معتقدات هؤلاء.

وإذا كانت القضية عادلة كما يحلوا لهؤلاء الترويج لها والوسائل مشروعة وفق ما تنص عليه أبجدياتهم، فهل تكون الدعاية مبررة وضرورية كي يسلك الناس الأسلوب الذي يرغبه أصحابها؟؟ فكيف إذا كانت الدعاية كاذبة والقصف شنيع والغرض منهما هو ترهيب وتخويف، وتحكم في النفوس والعقول وقولبة للتفكير وتنميط للفعل الجمعي للمواطنين؟؟؟