وجهة نظر

ماذا أفعل مع تلامذتي في حصتي الأولى؟

ماذا أقول لتلامذتي في الحصّة الأولى وما ذا أفعل ؟يتناسلُهذا السؤال القديم ـ الجديد في بداية كل موسم دراسي جديد، ولاسيما من قبل الأساتذة والأطر الذين تخرجوا حديثا والتحقوا بميدان التعليم ولقد وردني هذا السؤال غير ما مرّةٍ من زملائي،ممن نتقاسم معهم رسالة التدريس، أنثر هنا هذه المقالة تعميما للفائدة..

لا تهوّلوا الأمرَ يا سادتي.. صحيح أنه لكل دخيلٍ دهشة كما قيل، لكن يُستحسن للمرء أن يهوِّنها لتهون،ولا يهوِّلها فتهول .. تصرّفُوا كما أنتم بعفويتكم على طبيعتكم وعلى سجيتكم، لا تركبوا شخصياتٍ غير شخصيّتكم الحقيقية فتزل قدم بعد رسوخها، اتركوا على الجملة أفكارا متوارثة من قبيل (في انْهار اللول اموت المش .. ) أنت مقبل على عملٍ شريف، ورسالة من أنبل الرسائل، فدعك من فلسفةِ الشّارع العرجاء التي عادة ما تكون مُترعة بالخُرافة، ومثقلة باللاّمعقول.

جرت العادة أن تخصّص الحصّة الأولى في بداية كل موسم دراسي لما يسمى في الأدبيات التربوية والفلسفة الديداكتيكية عموما (بالتعاقد الديداكتيكي) وهو نوع من الاتفاق المبرم بين المدرّس وتلامذته،يصاغ هذا التعاقد بشكل تشاركي يُسْهم فيه الجميع .. الملاحظ أن البعض يغالي حدّ التطرف في صياغة العقوبات التأديبية، ويدونها بخطٍّ عريض في ورقة سميكة على مستوى الحائط وتحت توقيعات التلاميذ وكأنه يريدُأن يحول فصله ذاك الى معتقل كوانتنامو أو مقبرة ميتة ..

لا يا سادتي ماهكذا تورد الابل، ولا هكذا تؤكل الكتف كما قيل قديما ..التعاقد اتفاق ضمني على الأستاذ أولاــ باعتباره فاعلا تربويا ــ أن ينضبط للأعراف والتقاليد المصاغة قبل أن يطالب غيره بالانضباط والامتثال لها .. كن أنت القدوة الحيّة في كل شيء وانتظر ما يسرك بعدها ..لا تحزن كثيرا فانك ستهوي من عالمك السوريالي الوردي، ومن تكوينك الجامعي الأكاديمي إلى بؤس الواقع .. شتان ما بين الخطابات والشعارات الفخفاخة الرسمية المعلنة وبين واقعنا التعليمي المهزوز المختل ..

إنه الواقع وما أصلب الواقع!! ومع ذلك اعمل بتشاؤم الواقع كما يقول غرامتشي، حاول أن تعيد الأعراف المصاغة في حصص أخرى فليس كل التلاميذ يحضرون في الحصة الأولى .. لأن اغلبهم أبناء الكدح ينحدرون من الهامش وسيقذف بهم في الدور التي تسمى زورا وبهتانا بدور الطلبة .. والاخيرة عادة ما تتأخر في فتح أبوابها، ولذلك يتأخر أغلب التلاميذ في الالتحاق،ث م خصص الأسبوع الأول مباشرة للدعم والتقويم التشخيصي كما ينص على ذلك المقرر الوزيري كمرجعية مؤسسة كل سنة، كن انت نفسك من الحصة الأولى،كن على شجيتك ، لا تتصنع شخصية أخرى غير شخصيتك الحقيقية..

تصرف بكامل عفويتك ولا تتشنّج فان معك ما يزيد عن 40 عقلا سوسيولوجيا وخبيرا سيكولوجيا يحللون معك، وسيعرفونك في حصّة أو حصيتين،لا تكن مثاليا،ولاتدّعأنك تعرف كل شيء عن كل شيء،وتفتي في كلّ شاردة وقاصية إذا سئلت من قبل متعلميك.. قل لا أعلم إن كنت لا تعرف ولا تتهرب من الجواب فان المتعلم نبيه ذكي .. وأخبرمتعلميك من الحصة الاولى أنّك لست سوىطُوَيلب علم ولا تجِدَ الحرج في ذلك .. تجنب الاخطاء المعرفية ما استطعت السبيل .. فإنه لن يرحمك لا التاريخ ولا مؤطرك التربوي إن كان حاضرا.

إنأفضل “بيداغوجيا” يمكن لك أن تتسلّح بها هي “بيداغوجيا الحب”،أحب تلامذتك وتذكر دائما أنك كنت مثلهم، فكّر تفكيرهم واقرأ كتاب سيكولوجية المراهق لأستاذنا البيداغوجي القدير أحمد اوزي فانه سفر نفيسفي هذا الباب، تعلم وواصل بحثك الأكاديمي مهما بدت العراقيل والتحديات أمامك فإن عدم التعلم يقتل المعلم و التعليم والمتعلم معا، هيئ نفسك للقب جديد ، اخلص النية واصطبر فان الأجرة زهيدة والأجر عظيم لو احتسبت ذلك ليوم المعاد ..اخلق السعادة في فصلك حتى لا يصدق فيك قول الشاعر :

ليس من مات فاستراح بميت*** إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبـــا*** كاسفا باله قليل الرجاء