مجتمع

دراسة تبحث عن تأثير التعرية المائية على آثار الديناصورات بضواحي دمنات

يقع الموقع الجيولوجي والسياحي الخاص بآثار الديناصورات، بقرية “إيوارضن”، ضواحي مدينة دمنات التابعة إداريا لإقليم أزيلال، ويضم نوعين من الآثار، تختلف من ناحية الشكل والحجم، إحداها تخص الديناصورات اللاحمة، وأخرى للعاشبة، إذ لا يمكن معرفتها من الوهلة الأولى دون مساعدة أحد أبناء المنطقة، في ظل غياب مرشد مهني بهذه المنطقة.

ويعتبر هذا الموقع أحد أهم مواقع جيو بارك مكون الذي يغطي مساحة تزيد عن 5700 كيلومتر مربع، والذي يضم إلى جانب آثار الديناصورات العديد من المواقع الجغرافية ذات الأهمية الاستثنائية، فضلا عن فضاءات ذات قيمة بيئية وأثرية وتاريخية وثقافية كبيرة.

ويواجه هذا الموقع خطر الاندثار بسبب عوامل طبيعية وأخرى بشرية، خصوصا أنها غير محمية بالشكل الذي يحافظ عليها ويجعلها في منأى من هذه المخاطر التي يمكنها أن تجعل موقع إيواريضن أثرا بعد عين.

وإن كانت العوامل البشرية واضحة ولا تحتاج إلا أبحاث للكشف عن مدى تأثيرها على آثار الديناصورات، فإن العوامل الطبيعية تحتاج لأبحاث ودراسات تؤكد تأثيرها على هذه الآثار.

وفي هذا السياق، انتقلت مجموعة من الباحثين والدكاترة من جامعة السلطان مولاي سليمان ومختبر دينامية المشاهد والتراث وجمعية الباحثين الجغرافيين في الماء والبيئة ببني ملال إلى موقع إواريضن للقيام بدراسة تكشف عن تأثير التعرية المائية على هذه الآثار.

ويسعى الباحثون من خلال هذه التجارب لتتبع و مراقبة تدفقات الصبيب والسيلان والرواسب بشكل مستمر داخل حوضيين مائيين تجريبيين نموذجيين بقرية إيروطان التابعة لمشيخة ايواريضن، بجماعة سيدي بولخف، إقليم أزيلال، من خلال إنشاء وبناء محطات القياس وشبكة لمراقبة ديناميكيات تدفقات السيلان والرواسب في سافلة الحوضين.

وقال الباحثون إن هذه المحطات ستتيح لهم إمكانية استخلاص كميات التساقطات والصبيب ومعدلات التدفق والعكورة والمواد العالقة بشكل مستمر ابتداء من 2023.

وتعتمد هذه الدراسة على مناهج حديثة لفهم تآكل التربة وانجرافها، والتي تقوم على جمع وتحليل المعطيات المناخية والهيدرولوجية والرسابية التي سيتم إنتاجها على مستوى سافلة الحوضين التجريبيين النموذجيين، لتشخيص وتقييم العلاقات بين مؤشر التساقطات والجريان السطحي والرسابي ومدى استجابة الحوضيين المدروسين لهذه المؤشرات، بالإضافة إلى تحديد العوامل الرئيسة المسؤولة عن إنتاج الرواسب، وذلك لاتخاد تدابير وقائية للحيلولة دون فقدان الأتربة وحماية اثار أحافير الديناصورات من التعرية وضمان بقاء هذا الموروث الجيولوجي الذي لعب دورا هاما في التعريف بالمنطقة دوليا ووطنيا وجهويا، وفق تصريحات حصلت هليها حريدة “العمق”.

وبخصوص منهجية العمل، قال الدكتور حسن واخير إن التقدم التكنولوجي وظهور نظم المعلومات الجغرافية، ساهم في ظهور عدة نماذج(USLE، RUSLE، WEP، EPM، SWAT)، يتم استخدامها لتقييم التعرية المائية وتقدير انجراف التربة، باستعمال المعادلات الرياضية والعلاقات التجريبية والعوامل الفيزيائية التي تسرع من هذه الظاهرة، ومن أهم ما يميز هذه النماذج، كونها بسيطة وعملية، إلا أنها تتطلب التحقق من صحتها في الميدان لاختبار مصداقية النتائج.

وأوضع الطالب الباحث، عماد بويزلان أن الخطوات العملية والميدانية التي تم اعتمادها لقياس تدفق الرواسب وحساب كمية الأتربة المفقودة سنويا، من خلال دراسة  السلوك الهيدرولوجي والرسابي للحوضيين النموذجيين، تتمثل في تهيئة وبناء محطتين لقياس تدفق الرواسب في سافلة الحوضيين الرسوبيين( أيروطان – أسمسيل).

وأضاف أن المجموعة التي تشتغل على هذه الدراسة قامت بتثبيت وعاء الإعتيان( Échantillonneur) لرصد وتتبع نقل الرواسب، وتوفير قاعدة بيانات دقيقة حول كمية ونوع وتركز المواد المنقولة. فالتقييم الكمي للرواسب سيمكننا من تحديد مدى وشدة تاكل التربة داخل مجال الدراسة وبالتالي اتخاد تدابير أكثر فاعلية للحد او التقليل من حدة التعرية وخطورتها.

وأشار  بويزلان في حديث لجريدة “العمق” إلى تثبيت جهاز مستشعر يسجل بيانات مستوى ارتفاع المياه ودرجة الحرارة HOBO U20L كل دقيقة على طول السنة، وذلك بهدف رصد وتتبع ارتفاع علو المياه على مستوى مصب الحوضيين التجريبين (إيروطان واسمسيل)، وفي هذا الإطار يؤكد الإطار التقني المتقاعد بوكالة الحوض المائي لأم الربيع أحمد الخيدر على ضرورة تثبيت جهاز استشعار مستويات علو المياه لضمان  قياس الصبيب وتفادي تراكم الرواسب.

وأشار أيضا إلى إنشاء و تثبيت محطتين لقياس التساقطات المطرية على مستوى كل حوض  نمودجي وتجريبي ، للحصول على قياسات وبيانات دقيقة ومعبرة، وذلك من أجل فهم السلوك الهيدرولوجي  للحوضين النمودجيين التجريبيين.

وأوضح أن قياس التساقطات المطرية يشكل أحد المداخل الرئيسية في هذه الدراسة، باعتبارها المحرك أو المزود الرئيسي للجريان ،سواء السطحي أو الباطني داخل الاحواض النهرية ، بالإضافة لسيادة المناخ الشبه الجاف الذي يتميز بشدة وتركز التساقطات وعدم انتظامها في الزمان والمكان   وانعكاسات ذلك على تفتت و تاكل التربة  وبالتالي تعريتها. مشيرا إلى أن المجموعة ستقوم بتثبيت ممطار (pluviométre)  في  عالية كل حوض بشكل عمودي على ارتفاع 1 متر فوق سطح الأرض.

ينضاف إلى ما سبق إنشاء نموذج الارتفاعات الرقمية (DEM) باستعمال طائرة الدرون ونظام تحديد المواقع(GPS )، حيث سيقوم الباحثون في البداية بتحديد إحداثيات بعض النقط على مستوى كل حوض من الأحواض المدروسة واعتمادها كنقط مرجعية طوال مدة الدراسة.

وقال المتحدث إن الهدف الرئيسي من هذا العمل هو المسح الجوي والتقاط عدد كبير من الصور باستخدام طائرة الدرون لإنتاج نموذج  ارتفاع رقمي عالي الدقة (5cm)، قابل للتحويل، يتيح إمكانية الوصول إلى بيانات مكانية ثلاثية الأبعاد وذات دقة تقدر بالديسيمتر داخل مجال مساحة تتجاوز الكيلومتر مربع، خصوصا البيانات المتعلقة بمصب الحوضيين التجريبيين.

وتستخدم البيانات المقدمة من الطائرة بدون طيار ومحطة الجي بي إس لضبط خصائص المقطع بشكل جيد لقياس التدفق واستخراج منحنى المعايرة التجريبي، وفق تعبيره.

وأكدت المجموعة في تصريحات لجريدة “العمق” أن المزج بين هذه الطرق المختلفة، هو المدخل الأساسي لفهم آليات اشتغال التعرية على مستوى أحواض الدراسة بموقع إواريضن الاثري، وأن إنشاء وتثبيت هذه الوسائل والأدوات في منفذ مستجمعات المياه هو الذي سيمكن من الحصول على مختلف المؤشرات التي ستساعد على فهم استجابتها للتعرية المائية، وبالتالي فهم عمليات الجريان السطحي بشكل خاص والتعرية المائية بشكل عام.

وعن سبب اختيار إيواريضن من طرف هذه المجموعة، يقول الطالب الباحث، الوعزاني عبد الله، إن اختيار موقع إواريضن الأثري التابع لجيوبارك مكون، لم يكن وليد الصدفة، وإنما بعد مجموعة من الزيارات الميدانية التي أشرف عليها استاذ التعليم العالي والمتخصص في الهيدرولوجيا، الدكتور محمد الغاشي، والمتخصص في الجيومورفولوجيا والجيوتراث، الدكتور البوزكراوي، بتنسيق مع الدكتور عبداللطيف حافظ المتخصص في الجيومورفولوجيا، حيث ثم وضع تصور عام  لمنهجية العمل بعد تدارس   كل الخصائص الجيولوجية والمورفولوجية والهيدرولوجية المميزة للمنطقة، وكذلك الاكراهات التي يمكن مصادفتها أثناء الدراسة.

وأوضح الطالب الباحث عبد اللطيف لكني أن “منطقة الأطلس الكبير الأوسط التي يدخل ضمن مجالها موقع  إيواريضن الجيولوجي والسياحي الذي يحتوي على آثار حوافر الديناصورات التابع لجيو بارك مگون تعاني بشكل كبير من التعرية المائية، حيث تعتبر من بين أهم مناطق بروز الترياس، والذي يتشكل أساسا من الأطيان  التي تتميز بالهشاشة وضعف النفاذية  بالإضافة للتدفقات البازلتية المتفسخة، مما يشكل خطرا على استدامة هذا التراث الجيولوجي الذي يشكل أحد مقومات الاقتصاد المحلي بالإضافة للأراضي الزراعية”.

وقال الطالب الباحث، ميمون غوميح، إن أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية في تحقيق التنمية المستدامة من جهة، والمحافظة على هذا الموروث الجيولوجي بمنطقة إيواريضن وتوظيفه في مجال التنمية السياحية من جهة أخرى، هي التي دفعت الباحثين والمهتمين لإيلائه أهمية كبرى.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *