سياسة، لنا ذاكرة، مجتمع

آيت يدر.. رحيل شيخ المناضلين وذاكرة المغرب الحديث ومخاذن بنبركة والمختار السوسي

محمد بنسعيد أيت إيدر

عن عمر 99 سنة، رحل فجر الثلاثاء 6 فبراير 2024، شيخ المناضلين، وطليعة مجاهدي جيش التحرير، اليساري الفكر السياسي الواضح، وذاكرة المغرب الحديث؛ رحل محمد بنسعيد آيت يدر. مُخَادِن المختار السوسي، ومحمد الفقيه البصري وعبد الله إبراهيم، والمهدي بن بركة. رحل من آمن وقاد العمل المسلح ضد المستعمر، ومن وثق بجدوى العمل السياسي والفكري، وأسس له، في مجابهة النظام السياسي في أحلك ظروفه.

النشأة

ولد  محمد بنسعيد آيت يدر في يوليو من سنة 1925 بقرية تينمنصور بمنطقة اشتوكة أيت باها، تلقى تعليمه في عدد من مدارس منطقة سوس العتيقة، قبل أن يلتقي بالشيخ المختار السوسي بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية لينتقل بعد ذلك للمدرسة الخاصة لهذا الأخير بالرميلة بمراكش ثم إلى مدرسة بن يوسف.

في سنة 1951 تعرض محمد بنسعيد آيت يدر رفقة زملائه بالمدرسة إلى الاعتقال لبضع أشهر مع التعذيب من قبل السلطات الفرنسية، على خلفية مشاركتهم في احتجاجات ضد السلطات بمراكش وتضامنهم مع طلبة جامعة القراويين. كما تعرض عقب ذلك للإقامة الجبرية بمسقط رأسه حتى سنة 1952. خلال إقامته الجبرية استطاع ربط علاقات عديدة مع زعماء الحركة الوطنية وقيادات حزب الاستقلال كالمهدي بن بركة وامحمد اليازيدي، وبالخصوص عبد الله إبراهيم الذي كان من المساهمين في التكوين السياسي والفكري للراحل.

جيش التحرير

عقب مقتل الزعيم التونسي فرحات حشاد في ديسمبر من سنة 1952 وما تبعها من قمع للمظاهرات والاضرابات، بدأ إيمان الراحل بجدوى العمل السياسي ضد السلطات الفرنسية يتلاشى، في الوقت ذاته بدأت عدد من الخلايا بالأحزاب المغربية ثم عدد من المنظمات في البروز. عاد محمد بنسعيد آيت يدر إلى مسقط رأسه في سنة 1953 لبدأ العمل المسلح وفي سنة 1954 قاد عملية فدائية جعلته من بين المطلوبين للاحتلال، الأمر الذي جعله ينتقل إلى مدينة سيدي إفني التي ضمت في وقت لاحق عدد من المقاومين والتي أصبحت فيما بعد مركزا لتزويد خلايا المدن المركزية بالأسلحة.

خلال عمله بسيدي إفني تمكن محمد بنسعيد آيت يدر من تعزيز علاقاته برجالات المقاومة في الداخل والخارج، مما أهله سنة 1956 من تولي مسؤولية استقبال المقاومين الذي خرجوا من السجون، قبل أن يعود مجدد لقيادة جيش التحرير بالصحراء المغربية، بعد رفضه المطالب الفرنسية بضرورة نزع سلاح جيش التحرير.

العمل السياسي

رفض محمد بنسعيد آيت يدر غير ما مرة الدخول في عمل مسلح ضد النظام المغربي، وعلى أن مواجهة النظام بالعنف لن تأتي بأكلها المنشود، مؤكدا على ضرورة العمل الفكري والسياسي والتنظيمي الواضح. وانضم في وقت لاحق لمنظمة 23 مارس اليسارية الماركسية اللينينة بعد وقت من تأسيسها، عقب انتفاضة 1965، والتي واجهت إلى جانبها منظمة إلى الأمام النظام المغربي بمواقف جذرية، كما ساهم في تأسيس فروع المنظمة بالخارج، وشارك في جرائدها من الخارج حتى سنة 1980 بعد عفو ملكي على المناضلين المغتربين، لتقرر الحركة الثورية التي قدم قادتها للمغرب الانتقال إلى العمل القانوني وتتغير إلى منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سنة 1983، وذلك بعد عودة قيادات الحركة من المنفى.

ظفر محمد بنسعيد آيت يدر بمقعد برلماني عن منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، عن منطقة شتوكة آيت باها وظل يمارس العمل النيابي إلى سنة 2007، كما ظل في ممارسة العمل السياسي برؤى استقلالية توجت بأن كانت المنظمة جزءا من كتلة العمل الوطني، بيد أنه سرعان ما ستتعرض المنظمة لمضايقات في سنة 1996 بعد رفضها المشاركة في التصويت على الدستور، كما رفضت المنظمة المشاركة في حكومة عبد الحمان اليوسفي.

في سنة 2002 تأسس حزب اليسار الاشتراكي باندماج كل من منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والحركة لأجل الديمقراطية، والديمقراطيون المستقلون، ورفض محمد بنسعيد آيت يدر منصب الأمين العام واختار أن يكون رئيسا للحزب، عضو في المجلس الوطني ابتداء من سنة 2005، بعد اندماج جمعية الوفاء للديمقراطية مع الحزب وتغيير اسم الحزب إلى “الاشتراكي الموحد”.

وإن قرر محمد بنسعيد آيت يدر أن يغيب عن العمل السياسي المؤسساتي ابتداء من سنة 2007 فلم يتوارى يوما عن المشهد السياسي والحياة السياسية بل إنه كان في طليعة المتظاهرين الشباب بالربيع العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *