مجتمع

سلمى.. مزارعة تعشق الأرض وتحترم الطبيعة وجدت شغفها في الفلاحة الإيكولوجية (فيديو)

بقبعة تقليدية مصنوعة من سعف النخيل “ترازا”، تمنحها حوافها البارزة دائرة من الظل، وحذاء خاص بالزراعة يصل حد الركبتين، تنهمك سلمى في ممارسة شغفها بهمة لا يعتريها الكلال، تتجول بين الأشجار والمزروعات كنحلة تجمع الرحيق، وكلما جنت حبة جزر أو بطاطس أو رأت شجرة تزهر أو جمعت بيضا من خم الدجاج، تغمرها فرحة طفولية تعجز ملامحها عن مداراتها. تقول هذه الشابة التي تمارس الفلاحة الإيكولوجية/البيولوجية منذ سنوات إنها تنتشي عندما تلامس أديم الأرض وتلطخ يديها بالطين والتراب.

عاشت سلمى طفولتها في بيت يتوسطه بستان صغير يضم شجيرات للبرتقال والزعرور والسفرجل وغيرها، وتحكي أن والديها كانا حريصين على أن يكون الأكل صحيا وكانا يتفاديان ما أمكن الأغذية المصنعة، “نعد الخبز في المنزل بالنخالة والخميرة البلدية، ونأكل أطباقا مغربية كما دأب على ذلك الأجداد “، تقول هذه المزارعة.

بستان بالحديقة

الارتباط بالأرض والطبيعة والحرص على الأكل الصحي لم يفارق سلمى بعد زواجها، بل إن خطوة لزوجها هي ما دفعها لمجال الزراعة الإيكولوجية، “قرر زوجي قبل حوالي أربع سنوات تحويل حديقة منزلنا إلى بستان نزرع فيه أصنافا من الخضر، انشغال زوجي بعمله خلال فترة كورونا دفعني إلى حمل مشعل هذا البستان، حاولت الجمع بين الزراعة الإيكولوجية والتصوير لمحاولة إيصال هذه الفكرة للمغاربة. بعد ذلك تطورت لدينا الفكرة وقررنا شراء مزرعة”.

الاهتمام الدائم بما هو صحي من مأكولات ومواد تجميل وباقي المنتوجات التي يمكن استعمالها ظل ملازما لسلمى، وهو ما دفعها إلى التفكير في إنتاج خضراوات خالية من المبيدات والأسمدة الكيماوية، فتطور المشروع من حديقة البيت بالرباط إلى ضيعة فلاحية تمتد على أربعة هكتارات بضواحي مدينة تيفلت، “من هنا بدأت تجربتنا في الزراعة البيولوجية، بطيبيعة الحال حاولنا عدم استعمال المبيدات والأسمدة الكيماوية تماما، فلم يكن هدفنا الوفرة في الإنتاج بقدر ما هو توفير منتوجات صحية”.

كانت سلمى قبل 4 سنوات تشتغل مبصارية، إذ كانت تمتلك محل بصريات، “كان حلما بالنسبة لي كافحت من أجل تحقيقه وجعله يشتغل. دام اشتغالي فيه سبع سنوات”، تقول هذه السيدة التي لم يكن من السهل عليها التضحية بهذا المشروع وإغلاقه، لكن كل شيء يهون في سبيل الزراعة الإيكولوجية، “بعد شراء المزرعة لم أستطع التوفيق بين العمل والزراعة فتخليت عن المجال الأول”.

“اخترت مجال الزراعة البيولوجية لأنه ينطوي على الكثير من الأسرار، وأحس فيه براحة نفسية أكثر؛ عندما أراقب نبتة أو شجرة وهي تنمو؛ إحساس لا يضاهى. وأحب الطبيعة والهدوء والمجال المفتوح بدون سقف”، وبخصوص الصعوبات التي واجهتها في الميدان تقول: “لم أجد في البداية من يرشدني إلى الطريق الصحيح في الميدان، هي تجربة أخوضها بنفسي بعثراتها وصعوباتها.. الحمد لله الآن المعلومة متاحة في الكتب والأنترنت ولدى اصحاب الخبرة، وطبعا التعلم من الأخطاء”.

بالنسبة لسلمى، لا يمكن مقارنة الزراعة الإيكولوجية بالزراعة التي تستعمل فيها المبيدات والأسمدة الكيماوية، “أنت تقارن ما هو صحي بما هو غير صحي .. فعلا الزراعة بالمبيدات والأسمدة الكيماوية يكون فيها منتوج أكثر ومجهود أقل وخسائر أقل بما أن النبتة تكون مدعومة بمجموعة من المواد، لكن السؤال هو هل هذا الفرق في التكاليف ووفرة والأرباح يستحق التضحية بالصحة؟”.

احترام الطبيعة

تصف هذه المزارعة الزراعة الإيكولوجية بأنها زراعة “سهلة لا تعتمد على تقنيات صعبة، يشغل فيها الإنسان عقله ليهتدي إلى كيفية الإنتاج بوفرة بمجهود أقل، مع الحفاظ على البيئة والتربة والماء”، مشيرة إلى أن أول ما بدأت به عند اقتناء المزرعة هو غرس بعض الأشجار، وأغلبها أشجار الخروب والزيتون، وحاولت استغلال المساحات القريبة للأشجار لزراعة بعض أصناف الخضراوات.

تحرص هذه المزارعة الشابة على احترام الطبيعة، وذلك بزراعة الخضراوات حسب الفصول التي تلائمها، “بما أننا نتحدث عن الزراعة الإيكولوجية فلا يمكن أن نحصل على الطماطم في يناير مثلا، أو الفول في يونيو. نحترم الفصول، في هذه الفترة تجد لدينا اللفت والجزر والبسباس، وهي الخضراوات التي يلائمها جو هذا الفصل. في الصف ستجد لدينا البادنجان والفلفل وباقي خضراوات هذا الفصل. حتى الأدوات التي نستعمل نقتصد فيها، ليس بالضرورة استعمال المحراث هناك تقنيات بسيطة يمكن لأي شخص استعمالها لتقليب الأرض”.

احترام الطبيعة يعني لهذه المزارعة احترام النظام الإيكولوجي، إذ تضع في حسبانها أهدافا زراعية وبيئية ومناخية واقتصادية، “نتهم بنطام إيكولوجي تدخل فيها عدة عوامل، إذا كنت تريد أن تأكل الخضر فيجب أن تقوّيها، وذلك برعايتها واستعمال سماد طبيعي”، تقول سلمى التي تصر على جعل النظام دائري داخل الضيعة إذ تغدي الدجاج ببقايا وقشور الخضراوات، وتستعمل فضلات الدجاج كسماد، وتستفيد من بيضه، كما قامت بمحاولات لتجميع مياه الأمطار عبر إنشاء حوض، وجلبت أيضا خلايا نحل للمزرعة، “لا أتصور مزرعة بدون نحل”.

“حتى أتفادى استعمال الأدوية والمضادات الحيوية ما أمكن، اخترت سلالات من الدجاج تتحمل الحرارة وتقاوم الأمراض، لدي خليط من سلالات بين الفيومي والأندلسي، بالإضافة إلى الفيومي الحر.. أتفادى إعطاءه المضادات الحيوية رغم مرضه، ولا ألجأ لهذا النوع من الأدوية إلا في حالات قصوى واستثنائية”، تقول سلمى، وتضيف أن “هناك طرق نطبقها قبل الوقوع في المشكل، فمثلا الدجاج أطعمه الزعتر والبصل وخل التفاح والثوم لتقوية مناعته قبل المرض، ونفس الشيء بالنسبة للنباتات إذ نحاول تقوية التربة”.

تعتمد هذه السيدة على مواقع التواصل الاجتماعي لتسويق ما تنتجه في ضيعتها، “جربت أن أقصد بعض الأسواق المختصة في هذا النوع من المنتوجات الفلاحية، ولاقيت صعوبات جمة انطلاقا من شحن المنتوجات ونقلها إلى السوق، وصولا إلى الرجوع بسلع لم يتم بيعها وهو ما يفقدها طراوتها”.

تطمح سلمى إلى أن يتعرف على هذا النوع من الزراعة أكبر عدد من المغاربة، “ما لاحظته أن أغلب الفلاحين لا يؤمنون بزراعة بدون أدوية، عندما أعلنت على الأنترنت أنني سأنتج بطاطسا بدون بدون مبيدات ولا أسمدة كيماوية أثار الموضوع ضجة، وتعجب الكثيرون كيف يمكن ذلك، مع العلم أن أجدادنا كانوا لسنوات طويلة ينتجون البطاطس بشكل طبيعي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *