سياسة

أزمة منطقة الساحل.. تراجع للنفوذ الجزائري والفرنسي وتعامل ذكي للمغرب

شكلت الأزمة التي تمر منها دول منطقة الساحل، والتفكك اللاحق للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، صدمة على منطقة غرب إفريقيا بأكملها، بما في ذلك المنطقة المغاربية، وفق ما كتبته صحيفة “جون أفريك”.

وقالت الصحيفة في افتتاحية كتبها فرنسوا سودان، إن المغرب تعامل بذكاء مع هذه الأزمة في الوقت الذي اختارت فيه فرنسا والجزائر تشويه القادة الجدد في كل من باماكو وواغادوغو ونيامي.

ووصفت استراتيجية الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، بالعقابية تجاه هذه الدول، مولدا بذلك ظاهرة سماتها الصحيفة” بـفرانكوفوبيا” في هذه الدول الثلاث، مشيرة إلى أن هذه السياسة تعرض العلاقات المستقبلية بين فرنسا ودول الساحل الثلاث للخطر.

أما بالنسبة للجزائر، تضيف الصحيفة، فإن حسابات قاداتها لم تكن جيدة، إذ لم يدركوا أن أن الانسحاب الفرنسي من هذه الدول كان مصحوبا بصعود قادة يعادون تلك الجماعات المقربة تقليديا من الجزائر، إن لم تكن عملاء لها داخل أراضي الدول الثلاث، وفق تعبير الصحيفة.

وأشارت جون أفريك ضمن افتتاحيتها إلى أخطاء الرئيس الجزائري، موضحة أن الجزائر اعتادت على فرض خياراتها على جيرانها الذين أصيبوا بالشلل بسبب قوتها العسكرية وغير قادرين على الرد على موجات الطرد الجماعي لمواطنيهم، قبل أن تفاجأ بهزيمة أتباعها في كيدال في منتصف نونبر ، قبل أن ترد بطريقة “خرقاء” باستقبال بعض المعارضين سيئي السمعة للمجلس العسكري المالي،  وبالتالي فتح أزمة بين البلدين.

وحدث نفس الخطأ في التقدير في النيجر، حيث تم رفض محاولة التوسط لصالح الرئيس المخلوع محمد بازوم – الذي كان يحظى باحترام كبير في قصر المرادية.

وتابعت جون أفريك بالقول: “إن اتفاقات الجزائر للسلام لعام 2015، وهي حجر الزاوية في سياسة النفوذ الجزائرية في منطقة الساحل وأداة مميزة لإبراز قوتها الناعمة، هي في حالة موت سريري والشيء الأكثر إزعاجا للرئيس عبد المجيد تبون هو بلا شك أن ما يسمح للمجلس العسكري بالوقوف في وجهه ليس سوى وجود رجال ميليشيا فاغنر الروسية. وجود لم ير صديقه بوتين أنه من الضروري التشاور معه.

وقال المصدر ذاته إن هذا الفشل الديبلوماسي الجزائري يحاول الإعلام الجزائري تفسيره بنظرية المؤامرة، فبعد أن فشلت ورقة فرنسا، فإن المتهم الآن في الجزائر هم الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات والمغرب.

وقالت الصحيفة إن الجزائر تعتقد أن الولايات المتحدة وإسرائيل، حريصتان على معاقبة الجزائر على عدائها لاتفاقيات إبراهيم، والإمارات العربية المتحدة تعاقبها من خلال دعمها المالي لكل من مجالس الساحل وخليفة حفتر الليبي والسوداني محمد دقلو المعروف باسم “حميدتي” اللذين لا يحظيان بالتقدير في الجزائر العاصمة، وبأن المغرب يقف وراء كل مشاكلهم الدبلوماسية الإقليمية.

وتساءلت الصحيفة عما إذا كان  المغرب مخطئا في إصراره على فرض نفسه في ما يحدث، قبل أن تجيب بالنفي، لأنه من الواضح أن انسحاب الجزائر من الساحل يتوافق مع هجوم دبلوماسي من قبل المغرب، وهو ليس من قبيل الصدفة، وفق تعبير الصحيفة.

وفي هذا السياق، أشارت “جون أفريك” إلى عرض محمد السادس الذي وصفته بالجريء والمتمثل في المبادرة الملكية من أجل الفضاء الأطلسي، التي أعلن عنها الملك في خطابه بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء.

وأشارت افتتاحية الصحيفة إلى أن رئيس الدبلوماسية المغربية، ناصر بوريطة، لا يخفي رغبة المغرب في فرض نفسه عندما قال: “حيث يرى الكثيرون مشاكل، يرى جلالة الملك فرصا”، وذلك خلال افتتاح أشغال اجتماع وزاري للتنسيق بشأن المبادرة الدولية لجلال الملك محمد السادس لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، بمشاركة مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد، منتصف فبراير الجاري.

وقالت جون أفريك إن العرض المغربي لهذه البلدان غير الساحلية جريء وجذاب، وليس أقل من إعادة توجيه منافذها البحرية من موانئ خليج غينيا إلى المركز المستقبلي للداخلة الأطلسية حتى لا تعتمد على مخاطر ومزاج وجزاءات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والبلدان الغربية.

وقالت إن الملك محمد السادس اغتنم فرصة اتخاذ هذه الخطوة، حتى على حساب الجزائر، وذلك لصالح الوحدة الترابية للمملكة، مشيرة إلى أن قنصليات من مالي والنيجر وتشاد ستفتتح قريبا في الداخلة والعيون، أما بوركينا فاسو فلديها بالفعل قنصليات خاصة بها منذ عام 2020.

وأشارت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي علقت فيه الخطوط الجوية الفرنسية رحلاتها إلى باماكو ونيامي وواغادوغو، فإن الخطوط الجوية الملكية المغربية لم توقف أبدا تقريبا هذه الرحلات من وإلى هذه العواصم الثلاث. مؤكدة على أن المغرب لا يستفيد فقط من التوترات الجزائرية الساحلية، بل يستفيد أيضا من الفراغ الذي تركه الفرنسيون والاتحاد الأوروبي في هذه الدول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *