أدب وفنون

هل تنتهي “حموضة السيتكومات” الرمضانية بعد تغيير وجوه هذا الموسم تحت الضغط؟

على خلاف السنوات الأخيرة، شهدت “السيتكومات” التي ستُعرض خلال الموسم الرمضاني 2024 تغييرات عديدة على مستوى التمثيل، إذ استغنت القنوات عن بعض الوجوه التي صاحبت الجمهور على مائدة الإفطار لسنوات أبرزها محمد الخياري، واعتمدت على أخرى قليلة المشاركة في “السيتكومات”، لكنها في نفس الوقت ليست جديدة وإنما حاضرة بقوة في أعمال تلفزية أخرى.

وأوكلت القناة الثانية بطولة سيتكوم “جيب داركم” الذي أشرفت على إخراجه صفاء بركة للفنان عبد الله فركوس، عزيز حطاب، فضيلة بنموسى، ماريا نديم وآخرين، فيما أسندت القناة الأولى مهمة قيادة بطولة سيتكوم “أش هذا” الذي سيعرض في وقت الإفطار لذات الفنان المراكشي عبد الله فركوس، سعاد خويي، سحر الصديقي وعبد الصمد مفتاح الخير.

وتتعرض السيتكومات الرمضانية التي تعرض على شاشة القنوات الوطنية منذ سنوات طويلة لانتقادات لاذعة من طرف الجمهور الذي بات يصفها بـ”الحموضة”، بسبب “افتقارها للإبداع واعتمادها على نفس الوجوه دائما”، فهل ستتغير نظرة الجمهور لها هذا الموسم بعد خضوع القنوات لضغوطهم وتغيير الوجوه؟.

وصف السيتكومات بـ”الحموضة” حكم مطلق

قال السيناريست محمد الكاما الذي شارك في كتابة سيتكومي “جيب داركم” و”أش هذا” اللذان سيعرضان خلال الموسم الرمضاني الحالي، إن التغيير الذي لوحظ على مستوى بعض الوجوه التي أدت بطولة السيتكومات هذا الموسم رافقه بالتأكيد تغيير على مستوى الكتابة التي ستتميز هذا الموسم بأنها نوعا ما شبابية وعصرية وبعيدة عن الطابع الشعبي الذي عُرفت به هذه الأعمال في السنوات الماضية.

وأضاف الكاما، في تصريح لـ”العمق”، أن التخلي عن بعض الوجوه التي ألفها الجمهور لسنوات طويلة على مائدة الإفطار اختيار فرضه المسؤولين عن  هذه الأعمال لأن الجميع كان في حاجة إلى التغيير بما فيهم كتاب السيناريو الذين يجدون أنفسهم مع المدة يكتبون لنفس الوجوه والأسماء ما يجعلهم يسقطون في النمطية.

ورغم التغييرات التي وقعت، يتابع الكاما، إلا أنه عاين في التعليقات التي صاحبت الإعلانات الترويجية للسيتكومات تكرار نفس التعاليق السلبية التي كانت تقال عن المواسم السابقة، ما يجعلهم كمختصين يجدون صعوبة في فهم ما يريده الجمهور، على حد تعبير المتحدث.

وتابع السيناريست المغربي، أن من الصعب إيجاد معيار محدد لمعرفة ما يريده الجمهور، لأن متلقي مواقع التواصل الاجتماعي ليس هو المتلقي الذي يشاهد التلفزيون، إذ أن أغلبية من يمثلون الأول هي حسابات وهمية لا تعرف حقيقة من يقف خلفها، كما أن أعمارهم لا تتعدى الـ14 أو15 عاما وبينهم نسبة كبيرة تلجأ إلى “الكوبي كولي” من أجل المشاركة والشعور بأنها موجودة.

واعتبر الكاما، أن وصف السيتكومات بـ”الحموضة” حكم مطلق، إذ أصبح البعض ينتقد من أجل الانتقاد فقط خاصة عبر على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أنه على المستوى الشخصي لا يتأثر بالانتقادات لأنه على دراية بخبايا المجتمع المغربي، لكنه في المقابل يرحب بالآراء السلبية أو الإيجابية التي يتلقاها من الجمهور المتابع للأعمال بشكل مباشر في الشارع، حيث تتم مناقشة مكامن الخلل معه، كما يستمع لانتقادات أهل الاختصاص ومن هم على مستوى معين من التربية الفنية ويعمل بأرائهم لتطوير نفسه.

مواقع التواصل الاجتماعي شوهت الذوق العام المغربي

يرى السيناريست محمد الكاما، أن معايير نجاح أي عمل تلفزي مغربي تختلف من واحد إلى آخر ومن سنة إلى آخرى،  إذ لا يمكن الجزم منذ البداية بتحقيق أي عمل لنجاح كبير، وهو الأمر الذي يسري حتى على الإنتاجات الفنية العالمية الكبيرة التي يتحدث صناعها عن عدم توقعهم لتلك النتيجة الإيجابية لأن الأمر مرتبط أيضا بالحظ.

واعتبر الكاما، أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لديها تأثير سلبي خطير على المتلقي المغربي، حيث بدأت في تشويه الذوق العام، وأضحت الكوميديا بالنسبة لروادها هي برامج الواقع التي تقع في “اللايفات” التي تظهر الخلافات بين المشاهير ويجري فيها السب والشتم والتنمر على الآخرين، وليس التمثيليات المضحكة.

وأشار ذات المتحدث، إلى أن هذا النوع من الإضحاك الذي يتم على منصات التواصل الاجتماعي لا يمكن نقله إلى شاشة التلفزيون، لأن المسؤولين على القنوات الوطنية الذين يأخذون بعين الاعتبار خصوصية المجتمع المغربي لن يقبلوا بذلك، كما يصعب على الجمهور الذي يهرب من تفاهة هذه المواقع أن يتقبلها على التلفاز.

وأوضح الكاما، أن هذا التطور الذي خلقته منصات التواصل الاجتماعي صعب الأمور أمام المختصين في السيتكومات، الذين أصبحوا لا يعلمون ما يريده المتلقي.

ولفت السينارست المغربي، إلى أن الناس يقارنون بين السيتكومات والكبسولات ذات الـ3 و4 دقائق ويعتبرون الأخيرة بأنها أكثر إضحاكا، في حين أنه لا يجب أن يقوموا بذلك لأن لكل نوع خصوصيته، مشيرا إلى أن الضحك في الكبسولات يكون مركزا ويمكن أن يتم من خلال نكتة أو موقف مضحك دون الاعتماد على قصة، عكس السيتكومات التي تتكون من 30 حلقة مدة كل واحدة منها 30 دقيقة وتتضمن كل حلقة قصتين مختلفتين عن بعضهما وليست لهما أي علاقة بأي حلقة أخرى.
.
وأشار ذات المتحدث،  إلى أن عرض السيتكومات يتزامن ووقت الإفطار حيث يكون الناس مشغولين بتناول وجبة إفطارهم ما يجعل البعض منهم لا يتابع مشهدا أو مشهدين فيجد بعد ذلك صعوبة في فهم القصة ليجد نفسه أمام شخصيات “كتناگر” مع بعضها ولا يعرف سبب ذلك، لافتا إلى أنه يفسر ذلك بأننا في زمن السرعة والجمهور لم يعد يتحمل بأن يشاهد 30 دقيقة لكي يفهم الموقف ويضحك عليه.

وزاد الكاما، أن بعض الجمهور لا يفهمون معنى السيتكوم الذي يعني “موقف مضحك” إذ ليس من الضروري إعطاء حوار مضحك، وإنما موقف كامل يتشكل خلال 30 دقيقة، كما أنه لا يعني بأنه على الجمهور أن يصل بضحكته إلى درجة القهقهة، فإذا تمكنا من خطف ابتسامة أو إعجاب فقد تمت المهمة بنجاح، على حد تعبير المتحدث.

ارتجال وغياب رؤية.. السيتكومات تحولت في المغرب إلى مسخ

وفي هذا الصدد، قال الناقد المغربي فؤاد زويريق، إن أول من بدأ “بالسيت كوم” في المغرب هو سعيد الناصري بـ”أنا وخويا ومراتو” الذي عُرض في رمضان 1998 بالقناة الأولى، ولن يلام بسبب استيراده لهذا الفن وتقديمه لجمهور بلاده، ربما كانت نواياه طيبة، سلسلته الأولى هذه كانت ناجحة واستقبلت حينها بالتشجيع والتصفيق، لكن ماذا بعد؟ هل نضجت التجربة وتطورت بعد 25 سنة من انطلاقها؟”.

وأضاف زويريق، أن السؤال لا يحتاج إلى تخمين أو تفكير، “طبعا لم تنجح، والدليل على ذلك الاستياء والاستهجان اللذان تُقابل بهما كل سنة من طرف الجمهور، خمسة وعشرون سنة من التفاهة الناعمة، التي تجعلك تتطبع معها وتتقبلها بعد فترة من عرضها ومشاهدتها دون وعي منك، مهما بلغ استهجانك ورفضك لها فيوما ما ستُدمنها وتصبح جزءا من تركيبة فكرك، وهنا تكمن الخطورة،”.

وتابع الناقد المغربي في تدوينة عبر حسابه على “فيسبوك”، “الكل يعترف بحموضة هذه السيتكومات، وبأنها تافهة ولا تحقق أية إضافة تذكر بما فيهم فيصل العرايشي المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، الذي سبق له أن تعهد في اجتماع لجنة التعليم والاتصال بمجلس النواب سنة 2021 بحذفها من البرمجة الرمضانية، لكن لاشيء من ذلك حدث”.

واعتبر الناقد المغربي، أن هذا الفن تحوّل في المغرب إلى مسخ، حيث يعاني من الإرتجالية وغياب رؤية واضحة، وركاكة في الكتابة، وإفلاس في الأفكار، ويمكن اعتباره أيضا ملجأ للكثير من الممثلين والمخرجين الفشلة، وكعكة دسمة للمنتجين، لاشيء فيه يدل على أنه فن سيت كوم حقيقي سوى تلك القهقهات التي يطلقونها في الخلفية بابتذال وسخف واضحيين”.

ونبه فؤاد زويريق إلى أنه يجب الإشارة إلى بعض “الفلتات التي كانت إلى حدّ ما ناضجة وعلينا أن نعترف بذلك، كسيت كوم “أنا وخويا ومراتو” 1998، و”عائلة السي مربوح” 2003، و”لالة فاطمة”2001، لكنها للأسف قليلة جدا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *