فيديوهات، مجتمع، مرئيات

“طرف دالخبز” (ح1)-مهنة الحلاقـة: “العم إدريس” رحلة 40 سنة بين مشط ومقص

يقول عبد الرحمان المجدوب في إحدى قصائده: ” الخبز يا الخبز و الخبز هو الافادة.. لو ما كان الخبز ما يكون دين و لا عبادة”، ويكاد لا يخلو بيت من الخبز، وتلقب هذه المادة لدى الكثير من الدول العربية ب”العيش” لإرتباطها بالحياة والعمل الجاد لتوفير لقمة العيش،

ويمثل “طرف الخبز” لدى المغاربة تلك المشقة والعناء والاستيقاظ الباكر من أجل العمل، ويشار للعمل الشاق بـ”الخبزة المُرة”، ويقال لمن حصل على وظيفة أو عمل ما: “خبيزة جابها الله”، وكذلك يقال للدعاء بتيسير الحصول على عمل: “بغيتْ لك خبزة سمينة مَعجنُوها يدّين مشافوها عينين”، ويبقى المثل الشعبي الأبرز: “مشا يصور طرف الخبز”.

يأتي برنامج “طرف خبز” على جريدة “العمق المغربي” خلال شهر رمضان، ليسلط الضوء على القيمة العميقة لهذا الرمز الحياتي، يدور البرنامج حول العلاقة الوثيقة بين العمل الشاق والحصول على القوت اليومي، ويعكس البرنامج الجهود المتواصلة والتفاني في العمل الذي يبذله المغاربة لكسب لقمة العيش. من خلال استكشاف المهن المختلفة وكشف أسرار العمل اليومي، يقدم “طرف خبز” قصصًا ملهمة تحتفي بالعزيمة والإصرار الذي يميز الشعب المغربي.

الحلقة الأولى: “مهنة الحلاقة”: “العم إدريس” يأخدنا في رحلة تتجاوز أربعين سنة في حلق الرؤوس

في قلب حي السي لخضر العريق بمدينة وجدة، يقف صالون الحلاقة التقليدي لإدريس كصرح من صروح الذكريات والتقاليد. لأزيد من أربعين عامًا، عمل إدريس بين جدرانه المتواضعة، محافظًا على إرث الحلاقة الأصيلة في مواجهة تيار الحداثة الجارف وانتتشار صالونات “VIP”.

في حي ينبض بالحياة والحكايات، يقف إدريس كرمز للبساطة والأصالة. بابتسامته الدافئة وترحيبه الصادق، يستقبل زبائنه الذين يعودون إليه جيلاً بعد جيل، ليس مجرد حلاق، بل هو صديق ومستمع جيد، يشارك الناس أفراحهم وأحزانهم، ويحفظ أسرارهم بين شفرات مقصه وأمشاطه.

صالونه، بديكوره البسيط ومعداته التي تحكي قصص السنين، يعكس روح الحي الشعبي. الكراسي القديمة التي تحمل آثار الزمن، المرايا التي شهدت تغيرات العصور، والصور القديمة التي تزين الجدران، كلها تسرد تاريخًا لا يُنسى.

“عمي إدريس”، بمهارته ولمساته الفنية، يعمل بسلاسة تامة، متنقلاً بين الرؤوس والذقون بثقة الخبراء. يحافظ على رونقه التقليدي، متحديًا الصالونات الحديثة بجودة عمله وعلاقته الوثيقة بالمجتمع.

يعتبر إدريس موسوعة حية لقصص الحياة التي تتجاوز حدود صالونه الصغير. يروي بحماس عن الأطفال الذين يزورونه، مثل الطفل الذي لم يتجاوز السنتين والذي يهدئه بالحلويات ليتوقف عن البكاء، ليصبح هذا الطفل بعد عشرون سنة صحفيا، وهو واحد فقط ضمن شخصيات عديدة مرت من ذلك الصالون، يشارك إدريس قصصه مع مختلف شرائح المجتمع، من الصغير إلى الكبير، ويعكس كل قصة جزءًا من نسيج المجتمع الذي يخدمه، ويمثل ادريس ذلك الحلاق المطلع على أخبار المجتمع ويناقش مع زبنائه مستجدات الساحة السياسة وأخبار المجتمع.

وعندما يتحدث عن “طرف خبز”، يصف إدريس هذا المصطلح بأنه يمثل قوته اليومي، ليس فقط في الطعام ولكن في العمل الذي يحبه والخدمة التي يقدمها لمجتمعه. “طرف خبز” بالنسبة لإدريس هو رمز للعطاء والاستمرارية والتزامه بمهنته التي تعد أكثر من مجرد مصدر رزق، بل هي جزء لا يتجزأ من هويته وتراثه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *