منتدى العمق

“المخزن والتحكم”

“واش ما كاين مخزن فالبلاد” عبارة مترسخة في موروثنا الثقافي ،حاضرة فيه. ثوارثناها عن أجدادنا الذين لطالما صدحوا بها كلما نالهم حيف أو طالهم ظلم.

والحاصل أن هذه المقولة تجسد بالضبط طبيعة العلاقة التي جمعت أجدادنا بهذه البنية المخزنية الضاربة في القدم والتي اتسمت بالغموض والتسلط باعتبارها لبنة أساس في تشكيل الدولة المغربية أنذاك.

فأجدادنا المغلوبون على أمرهم راهنو على المخزن كواضع للأمن ومحافظ عليه في زمن القبلية والتسيب،فلجؤوا إليه مبايعين سلاطينه أملا في إرساء الأمن و الإستقرار بين ظهرانيهم حتى يأمنو شر فوضى “السيبة” التي تقض مضجعهم من حين لحين.

هكذا إذن كانت علاقة أسلافنا بالمخزن، إذ فطنوا إلى أن هذا الجهاز بالأليات التي يشتغل بها والصلاحيات القابعة تحت يده ،هو الوحيد القادر على أن يكفل لهم مايسعون إليه من أمن نسبي في ظل الأوضاع المضطربة حينها، غاضين الطرف عن كل هفوات المخزن و ممارساته القمعية و التسلطية التي تصدر منه. سامحين له ببسط يده ونفوذه على العديد من الإمتيازات و المجالات فارضا بذلك لنفسه هيبته المخزنية التي عمرت لوقت طويل،ومكونا ذاك البعبع الذي طالما أخاف الكثيرين من الخوض في دهاليز السياسة أو الجهر بصوت معارض في وجه السلطة.

لكن مع مرور الوقت وتوالي المتغيرات التي فرضت نفسها بقوة في المشهد السياسي المغربي خصوصا مع طرد المستعمر ودخول حقبة الإستقلال،فطن المخزن إلى أنه سيصبح متجاوزا بالبنية التقليدية التي يشتغل بها في ظل الحاجة إلى مأسسة الدولة وهيكلتها.و لأن الشروع في هذه الخطوة سيعني بالضرورة فقدان الصلاحيات و الإمتيازات القابعة تحت يده وتسليمها لهاته المؤسسات المستحدثة ، عملت هاته الألة المخزنية على الإلتفاف على هذا المعطى باحتكارها للسلطة والتحكم في دواليبها انطلاقا من انسحابها للكواليس و إنشاء شبكات اخطبوطية واسعة الإمتداد من مراكز القوة والضغط التي تنشط في الظل حتى شملت كافة الميادين.فملكت مفاتيح القرار وسلطة الوصول إليه، تاركة للمؤسسات التي نصبت في الواجهة الهوامش في التسيير وحيزا ضيقا من السلطة، فأصبحت هذه المؤسسات مجرد واجهات صورية تستعمل كفوطات جاهزة يمسحون بها أخطاءهم وكدروع تمتص غضب الشارع كلما اقتضت الضرورة.
فتغول هذا الكيان المتخفي في مفاصل الدولة حتى أصاب منها الكثير واستقوى في وجه كل مناوئيه ومعارضيه.
في مغربنا اليوم هكذا كان الحال ولا يزال، لكن هذه المرة مع متغيرات عديدة ،فمع هبوب رياح التغيير في المنطقة وما جاءت به من داخل البلد..أيقن الكل أن لا ديمقراطية منشودة بالموازاة مع هذا الكيان الهجين الذي اصبح عائقا في وجه أي تقدم مطروح.
فكانت الانطلاقة عبر العمل على ارجاع الهيبة لمؤسسات الدولة وتقويتها عبر الدفع باستقلاليتها في وجه أي تدخل كان، فسلطت الأضواء على هاته الكواليس التي ظلت مخفية في وجه المغاربة لوقت طويل،كل هذه التحركات وغيرها أربكت حسابات رموز هذا التحكم وقضت مضجهم وجعلتهم يوقنون بأنهم أمام تهديد حقيقي قد يؤدي بهم إلى زوال،قاطعا عليهم طريق الريع والتسلط الذي ألفوه.
ولا شك أن هذه البنية التسلطية القمعية في لحظة وهن غير مسبوق في هذه الفترة مما حدى بها لإخراج آخر أوراقها عبر التبخيس في المنجزات والضرب في الأشخاص وتشويه سمعتهم والعمل على تغليط الناس ونشر خطابات التيئيس والتنفير من الحركية السياسية الدائرة في البلد.
ومما لا يخفى على الجميع أن رهان “السابع من أكتوبر” عنده من الأهمية ما يخول له الحسم في هذه الشوشرة السياسية فإما الانتصار للديمقراطية الوطنية بإختلاف مرجعياتها وتلاوينها،و إما الركون في صف هذا التحكم ليجثم على إرادة المغاربة لعقود أخرى غير محددة الأجل.

لذلك فإنه من اللازم علينا المساهمة في هذا التغيير كل من موقعه من أجل دحر هذا التحكم البئيس لننصف ذلك التعاقد التاريخي الذي عقده اسلافنا والذي تغدى عليه الطفيليون حتى أخرجوه عن مساره .

فالمغاربة اليوم متمسكون أكثر مما مضى بهذا التعاقد لكن بطريقة يكون فيها الشعب جنبا إلى جنب مع الملكية بعيدا عن أي وساطة قد تخل وتضر بهذا الوثاق الغير القابل للنقاش. من أجل مغرب تكون فيه الغلبة للمؤسسات المهيكلة ديمقراطيا والمنتصرة للإرادة الشعبية الحرة والنزيهة حتى يتحقق ما نادت به الجموع يوما :حرية…كرامة…عدالة اجتماعية.