حوارات، سياسة

حرية التعبير في المنصات الرقمية ..أي تأطير قانوني يحمي الجمهور من خطاب العنف؟

يتجدد النقاش حول الحاجة إلى تأطير قانوني لحرية الرأي في المنصات الرقمية الجديدة، لاسيما بعد تنامي إنتاج خطاب العنف الذي يهدد سلامة وأمن الأفراد والمجتمع ويسيء إلى منظومة الأخلاق والسلوك الحضاري.

وفي هذا السياق، تعتبر الأكاديمية المتخصصة في الثقافة الرقمية، زهور كرام، أن “أهم نقطة تحول أفرزتها العلاقة مع الوسائط التكنولوجية هي ممارسة التعبير لدى كل الفئات، وبمستويات متعددة، وبحرية عالية مكنت المستخدمين من نشر أفكارهم، و إعلاء صوتهم،  والتعبير عن قناعاتهم دون أخذ التأشيرة من التعاقدات الاجتماعية أو الانضباط للوصايا المألوفة”.

وأوضحت الأكاديمية أن “ما يُعلي من شأن هذا الموقع الجديد هو تحديده ضمن صفات جديدة  تعطي لصاحبها صفة مهنية مثل اليوتوبور والتكتوكور و البلوغر وكلها صفات  ذات علاقة من جهة  بمفهوم التأثير( المؤثر) ومن جهة أخرى بمفهوم المهن الجديدة مادام المؤثر يتقاضى أموالا على موقعه الجديد، و خطابه الجديد ويتوقف المردود المالي أو يخفت عندما يتقلص عدد المتابعين”.

وأضافت أن “من هذا الواقع نقترب من فهم هيمنة خطابات العنف والتنمر والإساءة للنساء في المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي، والاستهتار بأمن وقيم المجتمع والتطاول على تعاقداته، وهي خطابات لا يمكن النظر إليها على أساس أنها جديدة ووليدة السوشل ميديا، ولكنها خطابات تعبر عن حقيقة بعض فئات المجتمع، فقط السوشل ميديا منحتها  الفرصة لكي تظهر على السطح”.

“إنه وضعٌ سياسي وثقافي وسوسيولوجي ونفسي وتعليمي يحتاج إلى تحليل بنيوي لإعادة النظر في مشاريع الإصلاح في التعليم، في استراتيجيات التنمية في السؤال الثقافي وفي الوضعية النفسية”، تسجل الجامعية، مؤكدة ضرورة “تعديل التشريعات حتى تحمي المجتمع وأفراده من خطابات العنف والتشهير والتحريض و اختراق ملكية الذات لخصوصيتها”.

وفي هذا السياق، دعت إلى اعتماد ما أسمتها “الإنسانيات الرقمية” باعتبارها “حقلا معرفيا جديدا يُفكر في الإنسان من خلال موقعه الجديد في العصر التكنولوجي، و علاقته بنفسه ومجتمعه وتاريخه وثقافته”.

  1.أتاح استخدام المنصات الرقمية الجديدة مساحة كبيرة للتعبير ونشر الآراء في مواضيع مختلفة، مقابل ذلك أدى الإقبال على هذه المنصات إلى نشر خطاب العنف ضد النساء أحيانا وضد فئات أخرى، وأحيانا ضد أمن واستقرار المجتمع وتماسكه.

كيف تقرأين هذا التحول في إنتاج الخطاب؟

لاشك أن الثورة الرقمية بمحطاتها الثالثة مع الشبكة والرابعة مع الذكاء الاصطناعي والخامسة مع الروبوت وأنترنت الأشياء قد منحت للإنسان إمكانيات لامحدودة من الخدمات التكنولوجية التي تتحول إلى أدوات إنتاج في ملكية كل من يتوفر على أدواتها وتقنياتها، ويسمح له هذا الامتلاك بالاستخدام المفتوح على كل الاحتمالات.

ولعل أهم نقطة تحول أفرزتها العلاقة مع الوسائط التكنولوجية هي ممارسة التعبير لدى كل الفئات، وبمستويات متعددة، وبحرية عالية مكنت المستخدمين من نشر أفكارهم، و إعلاء صوتهم،  والتعبير عن قناعاتهم دون أخذ التأشيرة من التعاقدات الاجتماعية أو الانضباط للوصايا المألوفة.

ولأن التكنولوجيا تتميز بالسرعة السريعة، وبتمكين المستخدم من الاستخدام دون المرور من التكوين والتدرب على الاستخدام، فقد أصبح ظهور منصة أو وسيط تكنولوجي توسيعا للتعبير، و زيادة في الحرية، و التدرب أكثر على إعلاء الصوت وصياغة الخطابات التي تتطور بسرعة، وتُلقي بأصحابها المُستخدمين في مناطق جديدة من الكشف والاكتشاف، وهو الأمر الذي جعل الافتراضي واقعا جديدا للإقامة والحركة والسفر وممارسة الحياة.

وتشكل كل المحتويات التكنولوجية أكثر مظاهر التعبير عن  طبيعة علاقة المستخدم بالوسائط والمنصات التكنولوجية، وكيف تم فهم الاستخدام التكنولوجي، بل كيف يحدث التحول لدى المستخدمين وكيف يتم الانزياح عن التعاقدات الاجتماعية، والقيم المشتركة، والمرجعيات المألوفة.

ويتحول كل مستخدم بحكم امتلاكه سلطة أداة الإنتاج (وسيط تكنولوجي) إلى مرجع له متابعين ومعجبين، وكلما انخرط في سلطة المرجع، و ازداد عدد المتابعين، انتقل من الموقع الاجتماعي المحدود ضمن محيط و مساحة إلى موقع افتراضي يجعله مرجعا مُعترفا به، بل يتحول بحكم عدد المتابعات والمشاهدات إلى سلطة تدبيرية للفهم والتحليل.

وما يُعلي من شأن هذا الموقع الجديد هو تحديده ضمن صفات جديدة  تعطي لصاحبها صفة مهنية مثل اليوتوبور والتكتوكور و البلوغر وكلها صفات  ذات علاقة من جهة  بمفهوم التأثير( المؤثر) ومن جهة أخرى بمفهوم المهن الجديدة مادام المؤثر يتقاضى أموالا على موقعه الجديد، و خطابه الجديد ويتوقف المردود المالي أو يخفت عندما يتقلص عدد المتابعين.

تُشكل كل هذه المحطات مجموعة من العمليات التي تتم بسرعة وتُحدث انتقالات سريعة في وضعية المستخدم وحياته ووضعه الاقتصادي ثم الاجتماعي إلى جانب انتقاله من صوت افتراضي في علاقة بمتابعين افتراضيين إلى صوت واقعي عندما يتم اعتماد رأيه وحضوره من طرف وسائل الإعلام المألوفة ( التلفزة، الإذاعة، الصحف…)، واستقباله من طرف مؤسسات ثقافية واقتصادية واجتماعية وتربوية باعتباره مؤثرا، ويحظى بأهمية بالغة من طرف الحضور لكونه قادمٌ من الافتراضي. وللافتراضي سحر خاص لأنه يختلف عن الواقعي والخيالي وعن الوهم.

لا يتعلق الأمر إذن بمجرد إنجاز محتوى وتحقيق متابعين، بقدر ما يتعلق الأمر بسلسلة عمليات تتم بشكل سريع، تتحكم فيها الخوارزميات، و تجعل المستخدم يُغادر موقعه الاجتماعي المألوف، دون أن يُدرك-في غالب الأحيان- مظاهر التحول إلا في شقه المادي. وكما ترى فلسفة الرقميات فإن التقنيات الرقمية هي خدماتية ولكنها أيضا إدراكية. ذلك، لأن كل استخدام يُغير إدراك الذات لذاتها وللعالم من حولها.

ينتقل المستخدم وِفق هذه العمليات التي يساهم فيها مجموعة من الشركاء من بينهم المتابعين والمشاهدين والمعلقين والمدعمين والمنتصرين لهذا المحتوى أو ذلك بالرفع من قيم هذا المحتوى أو ذلك باستضافته و تحويله إلى مرجع للرأي في قضايا شائكة مثل: الصحة والتعليم والفن ومدونة الأسرة إلى صورة لكائن جديد له سلطة مرجعية تسمح له بكل شيء وباللاشيء ، وتعطيه الإحساس بأنه نجم أو ضرورة من ضرورات المجتمع والحياة، وأن كلامه وخطابه يُؤخذ به وِفق تعاليم سلطته الافتراضية.

إننا نعيش واقع جديدا في الموقع والخطاب والمرجع والسلطة. وهو وضع يتطلب تحليلا لشخصية المًستخدم نفسيا وسوسيولوجيا وثقافيا.

كل شيء يتحول بالإقامة في الافتراضي والانتقال من موقع إلى آخر، ومعه يتحول المجتمع والتعاقدات الاجتماعية و ثقافة القيم ولهذا، عندما نرى اليوم اصطدامات بين الآباء والأمهات والأبناء فإن هذه الاصطدامات لا تشبه صراع الأجيال الذي ساد في زمن الثورة الصناعية، ولكنها اصطدامات من نوع آخر لها علاقة بالانتقال في موقع المرجع. أحيانا يصبح الأبناء هم المرجع للآباء والأمهات، وهذا التحول يُؤثر في ثقافة العلاقة الأسرية المألوفة. كل شيء يتحول اليوم، لهذا نتحدث أيضا عن مراجعة المفاهيم.

من هذا الواقع نقترب من فهم هيمنة خطابات العنف والتنمر والإساءة للنساء في المنصات ومواقع التواصل الاجتماعي، والاستهتار بأمن وقيم المجتمع والتطاول على تعاقداته، وهي خطابات لا يمكن النظر إليها على أساس أنها جديدة ووليدة السوشل ميديا، ولكنها خطابات تعبر عن حقيقة بعض فئات المجتمع، فقط السوشل ميديا منحتها  الفرصة لكي تظهر على السطح.

وهنا الخطورة في سؤال توازن المجتمع، والتساؤل حول مكتسبات التعليم وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وتدابير التنمية، و كيف تظل مشاعر العنف راكدة ثم تنفجر بسرعة بمجرد ظهور جسور التعبير عنها.

إنه وضعٌ سياسي وثقافي وسوسيولوجي ونفسي وتعليمي يحتاج إلى تحليل بنيوي لإعادة النظر في مشاريع الإصلاح في التعليم، في استراتيجيات التنمية في السؤال الثقافي وفي الوضعية النفسية.

لا ينبغي التعامل مع الموضوع على أساس أنه مجرد حالة تعبير عن عنف عادي سواء اتجاه النساء أو المجتمع، وإنما هو حالة بتحليلها نقترب من تحليل الموقع الوجودي الجديد الذي أصبحنا عليه مع العصر التكنولوجي.

في كل دراساتي حول الثقافة الرقمية أعتبر كل دراسة أو تحليل لأي ظاهرة كيفما كانت تعليمية أو سياسية اقتصادية أو اجتماعية دينية أو ثقافية سوسيولوجية أو نفسية فنية أو إعلامية إذا لم نستحضر العامل الرقمي المُؤثر الأكبر اليوم في حياة الأفراد والمجتمع ستظل دراسة متجاوزة لا تنتمي إلى العصر الذي نعيشه، بل ستعبر عن التخلف الفكري الذي لم يتمكن من تحيين مرجعياته لكي يتبنى أدوات العصر الجديد في التحليل والتأويل.

ولهذا، أدعو باستمرار إلى اعتماد ما يسمى بالإنسانيات الرقمية عِوض العلوم الإنسانية من أجل إنتاج وعي معرفي بما يحدث لنا ومعنا ومن حولنا.

2.في كل وقت يثار النقاش حول تقنين ما يسمى بإنتاج المحتوى على هذه المنصات لاسيما في ظل انتهاك الأخلاقيات وفي ظل التشهير ونشر خطاب التحريض على العنف والسب والاتهامات.

ما رأيك في هذه الدعوة؟ 

لابد في البداية من التأكيد على أن كل ممارسة سلوكية أو تلفظية تتم داخل مجتمع تخضع لقوانين تضبط ممارستها وانحرافاتها من جهة،  ولقيم وتعاقدات اجتماعية توافق عليها المجتمع. وبعيدا عن إمكانيات مراجعة هذه التعاقدات مع كل انتقال مجتمعي سياسيا أو تاريخيا أو اقتصاديا. وهذا يدل على أن كل فعل أو ملفوظ أو سلوك يصدر عن الفرد داخل المجتمع إلا وتحكمه ضوابط قانونية وأخلاقية وثقافية، و عندما ينفلت المجتمع من الضوابط  ينتقل المجتمع إلى حالة ” السيبا”، أو بتعبير آخر، كل فرد يمارس القانون بيده و يعبر عنه بملفوظه ويدافع عنه بخطابه.

ما نلاحظه من محتوى اجتماعي يهيمن على السوشل ميديا وخاصة في منصة التيك توك في التجربة المغربية يدخل في إطار الفوضى العارمة، لا أعمم هنا، فهناك محتويات جيدة، وأخرى تنويرية، تُقدم وعيا سياسيا واجتماعيا وحضاريا وتاريخيا، وآخر يتحول إلى مهنة شريفة خاصة لدى النساء في مجالات الطبخ وتدبير فن ترتيب البيت و الصناعة التقليدية المغربية وهي محتويات وإن بدت لأصحابها مشاريع فردية تدر أموالا حسب عدد المتابعين والمشاهدين، فإن هذا النوع من المحتوى يُؤدي دورا حضاريا مهما فيما يخص التعريف بالخصوصية المغربية من جهة، والعمل على رقمنتها ولو على شكل محتوى.

نحن لا نناقش هذا النوع من المحتوى الذي يستثمر التقنيات التكنولوجية لكي يصنع محتوى خدماتيا للمستخدم نفسه وللمجتمع وللإنسانية، ولكن نناقش المحتوى الذي ينزاح عن المشترك الإنساني، وعن القيم المجتمعية، ويتجاوز المكتسبات الحضارية التاريخية، و قد يُهدد بخطابه كل المكتسبات.

بل قد يتحول إلى جسر لتصريف سياسات أو قيم جديدة لا علاقة للمجتمع بها، وقد ينسف مبادئ حقوق الإنسان والضوابط القانونية مما يجعله محتوى  أو ما شابه، وعندما يهيمن مثل هذا المحتوى فذلك مؤشر على بداية تحول المجتمع، مما يتطلب استراتيجيات جديدة لتدبير هذا التحول دون المس بثقافة حرية التعبير وفي الوقت ذاته دون ترك التعبير أو السلوك في المنصات خارج الضوابط القانونية والقيم الاجتماعية. ولهذا، نلاحظ تعديلات في التشريعات القانونية الرقمية  لدى كثير من الدول من أجل حماية الأفراد والمجتمع و القيم من اختراقات هذا النوع من المحتوى الذي يهيمن بحافز كبير من إغراءات المتابعة والمشاهدة وابتكار أساليب ضخ الأموال عبر المشاهدة، مما يُؤكد التوجه نحو تدمير المجتمعات البشرية، بواسطة ضخ الأموال و الانتصار للتفاهة.

3. سبق لك وأن تحدثت عن مفهوم الإنسانيات الرقمية، باعتبارها العلوم الإنسانية في تطورها إضافة إلى العلوم التكنولوجية باعتبارها ثقافة وليس تقنيات.

  هل التربية الرقمية كافية لصد الخطاب الرقمي العنيف؟ أم لابد من مداخل تنهل من العلوم الإنسانية والأخلاقيات بصفة عامة؟

ننطلق من كوننا نعيش اليوم عصرا جديدا يتميز بسرعة ثوراته، وهيمنة ابتكاراته، وتميز تقنياته بالخدمة السريعة والجيدة مما يجعل أسباب الإغراء لهذه التقنيات مدهشة، يُضاف إلى ذلك، ارتباط الاستخدام بجني الأموال الكثيرة حسب المشاهدات والمتابعات، و تبين أن عدد المتابعات يكبر مع المحتوى غير المألوف أو التي يتميز بالظواهر الاجتماعية عكس المحتوى الثقافي والتربوي والتعليمي الذي يظل بعيدا-إلى حد ما – عن استمالة المتابعين.

لذلك، فإن المحتوى كلما كان مثيرا في أسلوبه أو مادته، وكلما طرح فضول الناس، و تأسس على العنف والتنمر و الفضيحة واعتمد عري اللغة بل استخدم لغة عنيفة وعارية من كل القيم فإنه يحظى بأكبر المتابعات، وهو وضعٌ يثير سؤال طبيعة المتابعين والمشاهدين الذين ينتصرون من خلال متابعتهم لخطابات العنف والفضائح و العري في اللغة والقيم، و دعم التفاهة في الذوق والأفكار والمشاعر والعلاقات الإنسانية.

وهو سؤالٌ جدير بالتحليل  حول هذا  المجتمع   وكيف يمكن التفكير في استراتيجيات التنمية،  وهل تتماشى هذه الاستراتيجيات مع هيمنة هذا النوع من المنتصرين للتفاهة، لأن ازدهار التفاهة معناه محاربة الجودة في كل شيء، والذي يعني بدوره إقصاء الحلم والطموح والتطور والعلم والمعرفة وإبدال الجهد واستعمال العقل واستخدام الفكر النقدي، في مقابل الإعلاء من التافهين وتحويلهم إلى نجوم ومرجعيات ومستشارين وخبراء.

من أجل مواجهة الوضع نحتاج إلى تدبير الوعي الجماعي، لأن   تحويل أفراد المجتمع إلى حاملي مشروع التفاهة كما يتم التخطيط لذلك باستراتيجيات خوارزمية وسياسية واقتصادية وثقافية يشكل خطرا ليس على الحاضر فقط ولكنه خطر على الماضي بنسف مكتسباته الحضارية عندما يتم تبخيسها وخطر على المستقبل عندما يتقدم المجتمع نحو المستقبل بأجيال وقد تم تدجينها وتحويلها إلى مشاريع للتفاهة.

نحن نعيش عصرا مختلفا في نظامه ومنطقه، ويمنح للأفراد وسائل لتدبير حياتهم وأفكارهم دون العودة إلى المؤسسات والمرجعيات المألوفة، وقد يستغني الأفراد عن تلك المرجعيات مادامت التكنولوجية تمكنه من خدماتها وبشكل سريع، ومعنى ذلك أن المجتمع يتحول بسرعة نحو واقع لم يُفرز بعد مظهره، ولكن يعرف انتقالات سريعة تجعله ينزاح عن واقعه المألوف، مما ينعكس على العلاقات الاجتماعية وطبيعة الأسرة وثقافة القيم ومفهوم المرجع وغير ذلك.

ولهذا يتطلب الوضع تدبيرا قانونيا بتعديل التشريعات حتى تحمي المجتمع وأفراده من خطابات العنف والتشهير والتحريض و اختراق ملكية الذات لخصوصيتها وذلك من أجل تأمين انخراط المجتمع في العصر الجديد دون خسارة حضارية وإنسانية، و دون انتصار نظام التفاهة.

لكن الجانب القانوني لن يستطيع وحده حماية المجتمع، وتأمين الأفراد من انحرافات المحتوى التكنولوجي، لأن الأمر يحتاج إلى ثقافة الوعي بمخاطر ما يحدث.

يعني نحن في حاجة أولا إلى رؤية وطنية في التعليم تنطلق من تحليل نظام العصر ومنطق التكنولوجية وسرعة الابتكارات الرقمية و خدمات الذكاء الاصطناعي وتحدي الروبوت للإنسان في كل شيء وأولها في فرص العمل مما ينعكس سلبا على مشاريع التنمية، ثم التفكير في رؤية تعليمية تستجيب لمتطلبات العصر، ثم اعتماد الإنسانيات الرقمية باعتبارها حقلا معرفيا جديدا يُفكر في الإنسان من خلال موقعه الجديد في العصر التكنولوجي، و علاقته بنفسه ومجتمعه وتاريخه وثقافته.

لاشك أن أكبر تحدي يواجه المجتمعات اليوم مع العصر التكنولوجي يتمثل في طبيعة الرؤية التي تسمح باحتواء العصر، وجعل الإنسان يستثمر خدمات التكنولوجيا دون أن يتنازل عن إنسانيته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *