وجهة نظر

قصة برلماني لم يتم ترشيحه من جديد

في الواحدة صباحا استيقظ السكان على صراخ مزعج، وإن أحدا ما يطرق أبوابهم طرقا رهيبا، إنه محيرقة ( الرجل السكير)، إنه يصرخ ويصرخ ويطرق الأبواب، ففي اعتقاده، لا يعقل أن ينام الناس باكرا والسي محيرقة (مازال قصار) لأن الأرق قد سلب النوم من أجفانه، ولابد أن يسمر الحي كله ويؤنس محيرقة إلى أن يأخذه النوم. لقد انزعج السكان أيما انزعاج وتبرموا من هذا السلوك العدواني الأرعن من محيرقة الذي يتعبهم كلما (شم البوشون) ويأتي من حين لحين ليطلق صفارات الإنذار معلنا الحرب على النائمين والمرضى والعجائز والمبكرين من أصحاب الموقف.

لقد سئم السكان من هكذا وضع، وفي أحد الأيام عادت حليمة لعادتها القديمة وهذه المرة بتصعيد حاد من محيرقة أفقد الناس توازنهم. ولم يكن هناك من حل إلا أن يهاتفوا السي عزيز النائب البرلماني الرائع الذي يشتغل بالليل والنهار مع الساكنة، وكعادته دائما يتقن فن التواصل والاستجابة السريعة التي لا يحسنها غيره من البرلمانيين. سمع السي عزيز شكوى الساكنة وهاتف رجال الشرطة الذين نظرا لاحترامهم للسي عزيز لبوا النداء فورا، فوضعوا حدا لصراخ محيرقة وإنذاراته المزعجة، وفرح السكان بتفشي الهدوء والأمن في حيهم كما فرحوا بوجود برلماني ذي العين التي لا تنام والساهر على راحتهم في الليل والنهار، وبعدما عاد السي عزيز إلى فراشه دون أن يشعر بغضب أو أن يفكر حتى مجرد تفكير بأن هؤلاء السكان المزعجين قد حرموه من نوم عميق، بل بالعكس لقد عاد إلى فراشه وعلى وجهه ابتسامة خفيفة علامة الفرح والسرور لأنه أدخل السعادة في قلوب الساكنة وقد وفقه الله في أن عمت السكينة والأمن كل جنبات الحي.

وبعدما غفت عيناه، رن الهاتف من جديد: ألو السي عزيز.. أنا محريقة راني فالصطافيط أرواح سلكني الله يخليك” نهظ السي عزيز من فراشه وارتدى ملابسه واتجه نحو (السونطرال)، وتحدث إلى مدير الأمن وقد نجح في شفاعته لمحيرقة لأن مدير الأمن يحترمه ويقدره وهو برلماني متعاون من أجل أن يسود الأمن والأمان وكثيرا ما عمل على جلب مشاريع للمدينة حتى يعم الرخاء، وفرح محيرقة كثيرا وقبل رأس السي عزيز وهو يتمايل ذات اليمين وذات الشمال على طريقة ( السكايرية)، ولكن السي عزيز لم يجعل الأمر يمر هكذا دون أن يأخذ موثقا من السي محيرقة حتى يترك الخمر ويثوب إلى الله ويكف عن إزعاج الناس الذين فيهم الصغير والمسن والمريض والعامل.

ونظرا لأن محيرقة جد مسرور لأنه يعتقد أن السي عزيز (صاحبو) وخوفا من أن تضيع منه هذه الصداقة الثمينة (اللي كا تسلك فلمحاين) وعد محريقة السي عزيز وعدا صادقا على ألا يعود مرة أخرى إلى طريق الخمر وإزعاج الساكنة، وحينها فقط عاد السي عزيز ليخلد إلى النوم خصوصا وأن في الغد ينتظره موعد الترشيح لاختيار من سيكون رأس اللائحة في انتخابات السابع من أكتوبر.

لا شك أن السي عزيز الرجل المحبوب عند جميع الساكنة والمتواصل الفعال مع جميع الأفراد والهيئات، والمتخندق مع الفقراء والمحتاجين في نفس خندقهم فتراه يذوذ عنهم وينافعوا عنهم أمام اباطرة المال والأعمال، وغالبا ما تجده إما متحركا هنا أو هناك أو ذاهبا إلى هنالك لجلب أدوية مريض أو التوسط لشاب من أجل أن يفتح محلا للتجارة، أو منسقا مع الهيئات المختصة من أجل تحويل مزبلة إلى حديقة عمومية تنعش أنوف السكان، أو يجمع التجار الجائلين فيعمل هلى هيكلتهم في إطار جمعية منظمة تتفق على التنظيم ونبذ الفوضى ، أو..أو…أو. إن السي عزيز بحق محبوب الجماهير ولاشك أنه سيكون على رأس اللائحة مرة أخرى. في الساعة السابعة مساء من نفس اليوم ينزل الخبر كالصاعقة على الساكنة مفاده أن السي عزيز لن يكون على رأس اللائحة هذه السنة.

وبدأ الناس يتساءلون: ماذا وقع؟ لماذا؟ كيف؟ لا يعقل!! وبعد التثبت من الخبر ليصير يقينا، ويتحول من مجرد إشاعة إلى حقيقة، وبعدما تأسف الناس لفقدان أب حنون يحن على اليتيم ويرعى المريض ويعين الضعيف، ويجلب الخيرات والمشاريع، ظلوا حائرين يسألون أسئلة كثيرة لكنها تبقى علقة دون أن تجد لها أجوبة، ماعادوا يفهمون شيئا سوى أن هناك خطبا ما وقع وهذا الخطب يعلمون أنه ليس خطأ في الحساب أو خطأ في تقدير المصلحة أو أن شعبية السي عزيز قد نزلت إلى الحضيض، كل هذه التخمينات عندهم باطلة ليبقى المؤشر الوحيد الذي لا يشكون فيه قيد أنملة هو أن تمة مرضا ما وأن هذا المرض هو مرض نفسي واجتماعي أشبه بالسرطان أو السل وهو مرض معدي يعدي كل من ليست له مناعة كافية من الأخلاق والمبادئ والإيمان بالمشروع المؤسساتي الذي هو أكبر من لائحة وأكبر حتى من رئيس اللائحة الجديد نفسه.

لقد يئس السكان وقرروا مقاطعة الانتخابات ليقينهم أن الأحزاب تعمل ضد إرادتهم خصوصا عندما يعلم الحزب أن الساكنة تريد فلانا لا علانا، كما تعلم أن السيد النائب البرلماني المحترم جدير بكل ثقة وأنه لم يفشل في مهمته الأولى فكيف يحرم من أن يستمر في إكمال الأوراش التي بدأها والمشاريع التي لازال يحاور في شأنها والتي حتما كانت ستعود بالنفع العميم على العباد والبلاد.