مجتمع

عائدون (ح9).. “سامر” يحكي تفاصيل تحقيق المراكشي وغالي مع الأسرى المغاربة

لا تختلف قصة الضابط المتقاعد في القوات المسلحة الملكية، عبد الله سامر، ابن مدينة وجدة، كثيرا عن تجربة الأسير عدي عليلوش، إذ أن قاسمهما المشترك هو العذاب والمعاناة، فقد قضى سامر هو الآخر ربع قرن في معتقلات البوليساريو وسجون الجزائر، وذاق مختلف أنواع التعذيب والمعاناة، لا لشيء إلا لكونه حمل السلاح للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وعن مغربية الصحراء.

ويحكي الأسير عبد الله سامر ضمن برنامج “عائدون” على جريدة “العمق”، تجربته المريرة مع الأسر لمدة 25 سنة في معتقلات وسجون البوليساريو والجزائر، و ظروفَ اعتقاله وتعذيبه بشتى أنواع الأذى النفسي والجسدي بمخيمات “تندوف”، كما كشف حقائق لأول مرة عن استنطاقه من قبل مسؤولين جزائريين، ومحاولته الهروب في مرات عديدة بعدما كان يمني النفس بحلم العودة الذي لم يتأت له إلا بعد مرور ربع قرن من الزمن.

الحلقة 9: غالي والمراكشي يححقان مع الأسرى المغاربة

أصيب سامر خلال المواجهة الضارية بين مجموعته ومليشيات البوليساريو بجبال “الواركزيز”، وهو ما سهل سقوطه في الأسر، لِيُقْتَادَ رفقة 45 جنديا مغربيا أسروا خلال هذه العملية إلى مركز عسكري تابع للميليشيا الانفصالية، ليبدأ ضباط جزائريون وآخرون من البوليساريو في استنطاقهم.

لازال الأسير المغربي عبد الله سامر يتذكر بأدق التفاصيل وجوه من شاركوا في استنطاقه وتعنيفه، حيث تعرض للضرب والركل واللكم. ومن بين هؤلاء عبد العزيز المراكشي الأمين العام السابق للجبهة، وإبراهيم غالي الأمين العام الحالي. وقد تم عزله عن المجموعة بعدما شكوا في جنسيته المغربية بسبب لون بشرته الذي يميل إلى الأوروبيين، حيث قال أحدهم: “يحرك بوك هذا رومي، أي نصراني”.

بعدما تأكدوا من هويته المغربية، وأنه بالضبط من مدينة وجدة، بدأ الضباط الجزائريون في استجوابه بطرح أسئلة مثل “من تحارب الآن، هل هؤلاء مرتزقة أم صحراويين، وهل تعرف من نحن؟”، فأجابهم سامر بنبرة غضب: “أنتم جزائريون”. هذه الإجابة الجريئة استفزت الضباط، مما دفعهم إلى الاعتداء عليه بالضرب والشتم.

مباشرة بعد انتهاء جلسة الاستنطاق التي قام بها الجزائريون لسامر ورفاقه، تم نقلهم على متن سيارات “لاندروفير” إلى القاعدة الخلفية للبوليساريو في منطقة “البيرات”. وخلال هذه العملية، خاطبه أحد مرافقيهم من المرتزقة بتحذيره قائلا: “سأقودك إلى قائدنا، لكن يجب أن تتحدث معه بأدب واحترام، وليس بالطريقة التي تتحدث بها مع الجزائريين، وإلا فسنطلق النار عليك”. وأضاف سامر معلقا: “كنا نعتقد أننا ميتون في تلك اللحظة”.

“بعد وصولنا، وجدنا عبد العزيز المراكشي جالسا تحت شجرة طلح، كان يرتدي سروالا أخضرا وقميصا ويمد رجليه، وكان برفقته إبراهيم غالي، خاطبهم الأول فكوا وثاقه، وقال لي اجلس”، يضيف سامر، بعدها بدأ المراكشي في استجوابه، “من أنت، أجبته أنا عبد الله سامر، وما هي رتبتك، أنا ضابط صف، من أين في المغرب؟ أنا من الشرق”.

واصل عبد العزيز المراكشي، زعيم البوليساريو السابق، استجوابه لسامر بلهجته الحسانية قائلاً: “الحرب لي تعدلو مع الصحراويين وتقولو عنهم مرتزقة وديتو لهم أرضهم… تكلم متخافش”. رد سامر عليه قائلاً: “أنا جندي مغربي، أخبرونا بأن هناك مرتزقة في الصحراء، وانخرطت رفقة باقي الجنود في الحرب… بعدها سألني وهل وجدتم المرتزقة أم لا، أجبته وجدنا عريبات بيزات وانخرط في موجة ضحك”.

تبدّل تعامل المراكشي الذي كان لطيفا إلى حد ما مع سامر، بعد أن سأله: “ومن وجدت أيضاً؟”، فأجابه سامر بذكر الجزائريين، لكن في هذه اللحظة تغير لون المراكشي وأصبح غاضبا، حيث أمر الحراس بأن يأخذوه بعيدا. بعدها نقلوا الأسرى المغاربة الـ45 إلى مركز خلفي للجبهة على مشارف “تندوف” حيث قضوا ليلتهم هناك.

وفي الصباح التالي، سلموهم مجرفة وفأسًا وأمروهم بحفر خنادق، في حين كانوا يواصلون تعذيبهم باستخدام الأسلحة الكهربائية والعصي والضرب بأعقاب أسلحة الكلاشينكوف. وقد تم عزل سامر بمفرده وكلفوه بنفخ عجلة شاحنة، حيث بقي يحاول ذلك من العاشرة صباحاً حتى المساء.

دخل سامر وباقي الجنود الذين أسروا في جبال “الواركزيز” إلى مدينة “تندوف”، حيث اقتادتهم عناصر البوليساريو إلى مركز “الروبيني” الذي كان يضم ما بين 400 و500 أسير مغربي. كان هذا المركز تحت قيادة الكولونيل إبراهيم، الملقب بـ “كريكاو”، وهو من قبيلة الركيبات ولاد الشيخ، وهو شقيق الشيخ بيد الله، أحد مؤسسي حزب الأصالة والمعاصرة ورئيس مجلس المستشارين السابق.

سامر يشير إلى أن “كريكاو” كان يتدخل لمنع أي تعنيف للأسرى، مما جعلهم يطلقون عليه لقب “أمير الأسرى”، في هذا الإطار، عبر الأسير السابق عبد الله سامر عن رغبته في عودة “كريكاو” وباقي قادة البوليساريو إلى أرض الوطن، مشيراً إلى أنهم مغاربة والصحراء مغربية ويجب أن يكونوا في المغرب وليس في مكان آخر.

وخاطب سامر قادة البوليزاريو بقوله: “لا تدعوا الجزائر تستغلكم، إنها تريد أن تتخلص منكم وتستخدمكم كأدوات للوصول إلى المحيط، وتضع أبناءكم في خطر”، كما ذكرهم بأن “الملك الراحل الحسن الثاني قال بأن الوطن غفور رحيم، والملك محمد السادس يمد يده لكم، وفي بلدكم ستجدون الرعاية الطبية والتعليم والسكن وكل ما تحتاجونه”.

واصلت مرتزقة البوليساريو استجواب الأسرى المغاربة، وفي الوقت نفسه، كانوا يكلفونهم بأعمال شاقة في المخيمات، بما في ذلك حفر الآبار والخنادق، والعمل في مزرعة تسمى “النخيلة”. وفي إحدى الأيام، نُقل سامر رفقة أسير آخر يدعى ميلود من بني ملال على متن سيارة “لاندروفير”، وكانا معصوبي العينين، إلى مركز تحت أرضي.

فيما بعد، تبيّن أن المركز الذي نقل إليه سامر والآخرين كان القسم العسكري للجزائر في المخيمات، ويضم أيضًا مديرية أمن البوليساريو. وفي هذا المركز، كانت تجتمع قيادات الجزائر والبوليساريو بالإضافة إلى بعض المرتزقة الأجانب.

ويذكر سامر في هذا السياق: “اِسْتَقْبَلَنا مدير أمن البوليساريو، عمر الحضرمي، في مكتبه، وهو من العائدين إلى المغرب فيما بعد، بدأ يطرح علي بعض الأسئلة مثل نوع الأسلحة التي نستخدمها… ثم رافقنا إبراهيم غالي إلى صالة كبيرة، حيث كان هناك جنرال يدعى نزار ومعه ضباط جزائريون وليبيون”.

ويواصل: “كان إبراهيم غالي يزحف على رجليه باتجاه الجنرال النزار، حيث أخبره بأنني (سامر) لا أعرف شيئاً في الأسلحة والشؤون العسكرية، وأنني فقط مدرب رياضي. أما ميلود الذي كان معي، فقد سبق له المشاركة في حرب 63”.

ويضيف سامر أن غالي استفسره عن مشاركته في الجيش، فأجابه بأنه انضم للجيش في نهاية عام 1975، وبخصوص معرفته بالحرب في الصحراء، أجاب بأنهم لم يكونوا يعلمون شيئا عنها في البداية حتى انخراطهم فيها على أرض الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *