مجتمع

زواج عرفي في المغرب العميق جلبته الهواتف المحمولة

لم يخطئ العالم الكندي ”مارشال ماكلوهن‟ حينما تنبئ أن الوسائل الإلكترونية ستجعل الاتصال سريعا ٬ لدرجة أن الشعوب على اختلاف مواقعها في العالم ستنصهر في بوثقة واحدة.

انطلاقا من هذه النبوءة يفرض الهاتف المحمول نفسه ”بطلا‟ في حياتنا اليومية٬ فلا تجد في عصرنا هذا بيتا يخلوا منه. والمغرب ليس استثناءا٬ الأغرب من ذلك ٬أن غزوه خيم على المغرب العميق بل ودك حصونه المنيعة.

غير أن الغزو حمل بين طياته تشوهات خطيرة للجينات الفكرية بهذه المناطق المنعزلة التي طالما حافظت على نقائها لعقود مسببا بذلك في حالة خصام من الفصام عبر تجديد العادات والتقاليد وإن ضمن استمرارية الثقافة البدوية نوعا ما بشكل جذاب ومثير للأجيال المتعلمة الجديدة التي أصبحت مسلوبة الإرادة٬ فهي تعيش بأجسادها في منظومة ثقافية مقيدة بينما عقولها تنهل من واقع افتراضي جارف عنوانه التحرر.

تقول سليمة العميري تلميذة السنة الأولى باكالوريا بثانوية الخوارزمي في بهودة ٬أن حكايتها مع الهاتف المحمول ابتدأت مع أمر طارئ هو جائحة كورونا التي أجبرتها باقتنائه للدارسة عن بعد ومن هنا بدأت رحلة إدمانها٬ إدمان يكاد يصعب على العلاج٬ تضيف قائلة ”نحن دائما نحس بالغربة٬ من جهة نريد التحرر من واقعنا لكننا نصطدم بالعادات والتقاليد التي تقيدنا٬ وغربتنا تكمن في الهاتف المحمول حيث أصبحنا نطل على العالم من شاشة صغيرة ونقارنها بمحيطنا الذي نعيشه‟ .

تؤكد فاتن بنقاية زميلتها في الصف ”هذا الأمر ولد لنا صراعا خطيرا مع أسرنا جعلتنا نشعر أننا لا ننتمي لهذه البقعة الجغرافية‟.

بالقابل فالهاتف الحمول أصبح هاجسا مؤرقا لمجموعة من الأساتذة بهذه المناطق النائية ٬هذه التقنية أضحت سلاحا فتاكا يتم استخدامه لوثيق زلات الأساتذة ولحظات انفعالاتهم.

بحكم تجربتها في التعليم لمدة تزيد عن أربع سنوات تروي الأستاذة فاطمة الرغراغي أستاذة علوم الحياة الأرض عن إقدام تلامذة ثانوية خالد ابن الوليد بمنطقة بني وليد التي تبعد عن مقر عمالة إقليم تاونات بحوالي 25 كلم بتوثيق فيديو يظهر الثانوية والعاملين فيها من أساتذة وأطر إدارية حديقة للحيوانات .

تكتسي المعلومة فهما مختلفا لدى جيل الآباء والأمهات بمنطقة بوهودة والدواوير المحيطة بها كالزاوية والجعفرة وٲحميرو وبني بربر وغيرهم الكثير البعيدة كل البعد عن تعقيدات الهاتف المحمول.

العلاقات بهذه المناطق معقدة ومتداخلة فيما بينها٬ فهي بمثابة شبكة لاسلكية لنقل المعلومات التي تستند على الثقافة الموروثة. بحكم أن المنطقة صغيرة والكل يعرف الكل٬ لذلك تتناقل الأخبار وترويجها عن طريق الأفراد أو الجماعات تصل حد معرفة الدواخل والأسرار الحميمية لبعضهم بعضا وتصبح مادة دسمة يجترونها في أحاديثهم.

تروي الفاعلة الجمعوية السيدة فاطمة الطاهري بحكم أنها ٳبنة المنطقة ٬حادثة عائلية غريبة وقعت ”بدوار الحياينة‟٬ عبر إصرار مقدم الحومة بالحضور في ليلة دخلة أختها ليتٲكد من عذريتها بحجة أنها عادة متجذرة لديهم ٬مضيفة أنها لا زالت هذه العادة الغريبة حاضرة ليومنا هذا في بعض مناطق إقليم تاونات.

ونظرا لحالة الفراغ التي تعيشه المنطقة وانعدام وسائل الترفيه خاصة بالنسبة للنساء٬ لاحظت السيدة فاطمة الطاهري تشكل تجمعات أطلقت عليها مصطلح ”حديث الفرنة‟ على حد تعبيرها٬ الأمر يتعلق بلقاء دوري لطهو الخبز وتبادل حكايات تترى في وٲساطهم٬ غرضها النميمة وإفراغ الكأس من الشحنات السلبية أو تناقل أخبار المناسبات٬ إضافة إلى الزيارات بحثا عن مشورة فلا يكاد يخلوا تجمع من حكيمة معروفة بجديتها تقود الجماعة.

هؤلاء الناس يمكن أن نقول عنهم أنهم خارج الزمن فلا هم قادرين على الحفاظ على تراثهم وأصالتهم ولا هم قادرين على مواكبة الوتيرة المتسارعة للعالم المحيط بهم.

ما يقع لهذه المناطق هو زواج عرفي بين ”الرأسمال التقليدي‟ الذي يتجسد في الآباء بحمولته الضاربة في القدم وبين الرأسمال الحضري الذي يعتبر دخيلا يحاول أن يشق طريقه رغما عن أنف التقاليد تقوده شرائح شبابية تٲمل في تغيير واقعها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *