سياسة

تتزعمه الجزائر .. هل يستهدف “التكتل الجديد” استعداء المغرب ووأد الاتحاد المغاربي؟

بات النظام العسكري الجزائري، متيقنا من عزلته الدولية والإقليمية التي وضع فيها نفسه، بسبب سياسته المبنية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول ولسعيه المستمر لإشعال المنطقة بحروب من خلال دعمه لجماعات “إرهابية وانفصالية”. وللتغطية على هذه العزلة، حاول نظام “الجارة” الشرقية التسويق لتكتل جديد يضم إلى جانب الجزائر، تونس وليبيا اللتين تعانيان من مشاكل داخلية على مستويات متعددة.

ويرى متتبعون أن التكتل الذي تتزعمه الجزائر ذات السوابق في التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الإفريقية، ولد ميتا بسبب غياب دولتي المغرب وموريتانيا من جهة، وبسبب فقدانه لمقومات التكامل بين الدول الثلاث.

وفي آخر لقاء تشاوري لهذا “الكيان الجديد” الذي استضافته تونس، مطلع الأسبوع الجاري، حاول الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، ونظيره التونسي، قيس سعيد، توجيه خطاب طمأنة للدولتين المغربية والموريتانية، للتأكيد على أن التكتل الجديد ليس موجها ضد أحد وأنه ليس بديلا عن “المغربي العربي” وأنه لا نية لهما في إقصاء أحد من هذا التكتل.

وبحسب البيان الختامي للقاء التشاوري، فإن من بين الأهداف المعلنة، هي تكوين فريق عمل مشترك لصياغة آليات لإقامة مشاريع واستثمارات كبرى مشتركة في مجالات وقطاعات ذات أولوية على غرار إنتاج الحبوب والعلف وتحلية مياه البحر وغيرها من المشاريع.

تطرح تحركات الجزائر على هذا المستوى، تساؤلات حول ما إذا كان هذا الكيان الجديد، سيعود بالنفع على شعوب المنطقة؟ وما أسباب إبعاد المملكة المغربية تحديدا؟ وهل يعتبر الكيان الذي تتزعمه الجزائر بمثابة نهاية الاتحاد المغاربي؟.

عزلة الجزائر 

عبدالفتاح الفاتيحي، رئيس مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، قال في تصريح لجريدة “العمق” إن الجزائر تعيش على وقع “عزلة دبلوماسية”، بعد تعدد أزماتها مع جيرانها في النيجر ومالي بسبب تدخلها في شأنهما الداخلي وأدانت الدولتين سلوكها “الأرعن”.

وأضاف الفايتحي، أن الممارسات ذاتها، تكررها الجزائر في علاقاتها مع ليبيا مستغلة أزمتها الدبلوماسية، إضافة إلى أنها لم تتوان لتزايد على تونس بالاعتداد بالمخاطر الأمنية، والتي في كثير من الأحيان شكلت اليد التي توجع الرئيس التونسي قيس سعيد، إضافة إلى إغراء تونس بمنح مالية لشراء ذمتها لتغيير موقف الحياد فيما يتعلق بملف الصحراء.

وقال المحلل السياسي ذاته، إن الغاية من إحداث تكتل بديل، كون التكتل المغاربي التاريخي والذي يوجد مقره بالرباط وله تراكم وافر كان، بالإمكان أن يسرع عملية الإنجاز لو أن الجزائر تعاونت وفق المبادئ التي تأسس عليها ميثاق الاتحاد، والمتمثلة في خلق كيان مغاربي موال للجزائر من دول تعاني هشاشة أمنية.

وأوضح المتحدث ذاته، أن الجزائر “تبتز” تونس وليبيا من مغبة عدم الانخراط. وهي الضغوط ذاتها التي حاولت ممارستها ضد موريتانيا الا أن الأخيرة اختارت احترام مبادئها الأصيلة للاتحاد المغاربي التاريخي، وفق تعبير الفاتيحي، الذي أشار إلى أنه في غياب أسباب موضوعية لخلق كيان جديد، فإن الجزائر لا يمكنها إحداث كيان بديل  من المنتظر أن يصطدم بالحائط”، على حد قوله.

انعدام مقومات النجاح

من جانبه، أوضح المحلل الاقتصادي، محمد جدري، أن اليوم هو زمن التكتلات الاقتصادية ما بين الدول، لكن هذه التكتلات يجب أن تستجيب لمجموعة من المعايير، ومن بينها أن تكون بين اقتصاديات متكاملة وتنعم بالأمن والاستقرار ورؤية مستقبلية واضحة، وتتوفر على رأسمال بشري مهم جدا، بالإضافة إلى توفرها على مجموعة من البنيات التحتية وتأهيل لوجيستي وتنوع في الاقتصاد.

وأشار جدري، إلى أن التكتل الجديد لا يتوفر على هذه المعايير، لأن الاقتصادين الجزائري والليبي يعتمدان أساسا على النفط والغاز، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي تكامل بين هذين الاقتصادين على الأقل.

وأكد المتحدث ذاته، أن مبادرة الجزائر هي رد فعل في إطار سعيها لعزل المغرب عن محيطه الإقليمي، لكن المغرب هو في غنى عن هذا التكتل الجديد، بالنظر للشراكات التي تجمعه بالعديد من التكتلات سواء على المستوى الإفريقي أو على المستوى الدولي، فضلا عن كون الاقتصاد المغربي، يعد اقتصادا متنوعا لا يعتمد على سلعة واحدة بل على قطاعات متنوعة منها الفلاحة، وصناعة السيارات والطائرات واستخراج المعادن والصناعات الغذائية.

ويرى المحلل الاقتصادي، أن الاتحاد المغاربي الذي تشكله الدول الخمس، كان بإمكانه أن يلعب دورا كبيرا لفائدة شعوب المنطقة، لتوفره على واجهتين بحريتين في المحلىيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وله عمق إفريقي ويتوفر على مجموعة من المؤهلات، إذ إن اقتصاديات تونس وموريتانيا والمغرب تختلف عن اقتصاد الجزائر وليبيا، فضلا عن إمكانية تشكيل سوق تروج فيها مختلف سلع الدول الخمس ودول إفريقية وأوروبية.

أمل بعد الآلام 

قال المحلل السياسي التونسي، بشير الجويني، إن كل اجتماع بين قادة الدول المغاربية الذي يعاني من شلل من حوالي 40 سنة هو مسألة إيجابية، خاصة إذا انعكس إيجابا على مواطني المنطقة، وإذا ما تجنب القادة المغاربيون استغلال هذا الاجتماع لمناكفات سياسية بين دول الاتحاد المغاربي.

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح  لجريدة “العمق”، أن البيان الختامي للاجتماع الأخير الذي انعقد في تونس، ولا حتى كواليسه، ليس فيها ما يؤكد أن هذا الاجتماع التنسيقي هو ضد الاتحاد المغاربي أو أنه موجه ضد دولة معينة، وفي كل الحالات ما يربط بين دول الاتحاد المغاربي كبير جدا، ويحتاج لتجاوز بعض العقبات الموروثة، خاصة ما بين المغرب والجزائر، وفق تعبيره.

ويأمل الباحث في القانون الدولي، أن تكون هذه الاجتماعات التنسيقية الفنية التي تتطرق إلى القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدول الثلاث لبنة أولى من أجل إعادة إحياء الاتحاد المغاربي، في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات تحتاج إلى تنسيق المواقف أكثر من أي وقت مضى.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *