سياسة

نتائج الانتخابات الجزئية.. هل تقطف الأغلبية ثمار البرامج الاجتماعية أم تستفيد من وهن المعارضة؟

اكتسح حزب التجمع الوطني للأحرار نتائج الانتخابات الجزئية التي جرت بدائرة فاس الجنوبية، أمس الثلاثاء، لملء المقعد البرلماني الشاغر بعدما أسقطت المحكمة الدستورية النائب عبد القادر البوصيري المتابع قضائيا في ملف فساد مالي وإداري، معززا بذلك تموقع الفريق التجمعي بمجلس النواب، بانتقاله إلى 104 مقاعد برلمانية، بعد انتزاعه لست مقاعد ضمن محطات الانتخابات الجزئية التي جرت خلال السنتين الأخيرتين.

وبعد ظفره بمقاعد برلمانية بكل من دوائر الحسيمة ومكناس وبني وملال وسفي وسيدي سليمان، فاز حزب التجمع الوطني للأحرار، في شخص خالد العجلي، بنتائج الانتخابات المجراة يوم أمس بالدائرة الجنوية بفاس بـ9767 صوتا، يليه حزب العدالة والتنمية بـ3854 صوتا، ثم حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ2642 صوتا.

وفي تفسيره، لأسباب “اكتساح” الحزب الذي يقود الحكومة لمعظم نتائج الانتخابات الجزئية التي جرت خلال السنتين الأخيرتين، قال مصطفى يحياوي، المحلل السياسي وأستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية المحمدية، إن “الأغلبية الحكومية ما تزال قوية، وأن مفعول البرامج الاجتماعية، أصبح ينعكس أكثر وبشكل إيجابي على المزاج الانتخابي عند الشرائح الأكثر قابلية للتعبئة الانتخابية، بالرغم من تداعيات أزمة الجفاف وغلاء المواد الأساسية”.

قوة الأغلبية

وفي نفس الإطار، يسجل يحياوي ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أن قوة حزب التجمع الوطني للأحرار  تتأكد على مستوى اختيار “بروفايلات” المرشحين، وعلى مستوى الحضور في المجالات الحضرية والقروية في وضعية تستدعي إعمال أنظمة الحماية الاجتماعية والتضامن الوطني، لافتا إلى أن” المغرب يعيش واقعا حزبيا يزداد محدودية في قدرة هيئاته على المنافسة الانتخابية وعلى إيجاد مرشحين بإمكانهم التنافس، وهذا يعني أن الامتداد الاجتماعي للأحزاب في إطار مهامها الدستورية يبقى رهينا بزمن وجيز محصور في الانتخابات الاعتيادية”.

من جهة أخرى أشار اليحياوي إلى أن الشروط التي تجرى فيها الانتخابات الجزئية تبقى ذات نسبة مشاركة “ضعيفة”، والتي لم تتعد في آخر انتخابات جزئية جرت على مستوى دائرة فاس الجنوبية بلغت أقل من 8.87 بالمائة من عدد المسجلين، و33,2 بالمئة من نسبة المصوتين خلال انتخابات 8 شتنبر 2021، إذا ما تم استثناء الانتخابات التي جرت في فبراير المنصرم بإقليم سيدي قاسم، وقبلها في الدوائر التشريعية ذات الطبيعة القروية.

ومن ضمن أسباب هذا الاكتساح، يشير أستاذ الجغرافيا السياسية، إلى  أن المعارضة البرلمانية “مفككة وغير قادرة على التنسيق فيما بينها، في وقت أضحت الأغلبية أكثر تماسكا وبإمكانها الدخول للمنافسة الانتخابية بمرشح واحد”، وزاد شارحا: “بمعنى، أن التحالف الذي يترأس الحكومة وأغلبية المجالس الجهوية والإقليمية والجماعية ما يزال باستطاعته الصمود بالرغم من إكراهات التسيير وتباين المصالح فيما يخص توزيع الموارد على المستوى الترابي”.

وحول نتيجة الانتخابات التشريعية الجزئية في دائرة فاس الجنوبية التي أجريت البارحة أكد يحياوي، أنها تدل على عدم قدرة حزب العدالة والتنمية في دوائره التقليدية على استعادة قدراته على التعبئة السياسية داخل التجمعات السكنية الحضرية الكثيفة التي عادة ما كانت ترتفع فيها أعداد أصواته، إلى أكثر من 20 ألف صوت، في حين في تهاوت هذه النسة خلال  الانتخابات الجزئية الأخيرة، إلى أقل من 4 آلاف صوت، بالرغم من حضور بنكيران إلى فاس وتنظيمه للقاء جماهيري لصالح مرشح الحزب.

وأكد أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات، أنه في حال عدم حدوث مفاجآت في ما تبقى من عمر الحكومة، فإن الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها في 2026، “ستكون بدون رهان، على الأقل على مستوى الصدارة، وستغيب محفزات التنافس، وفي الغالب سيتقلص عدد الأحزاب التي بإمكانها أن تشكل القاعدة الصلبة لمجلس النواب”، مضيفا ” وهو ما سيكون سابقة في الحياة السياسية المغربية خلال 25 سنة الأخيرة”.

ضعف المعارضة

من جانبه قال سعيد بركنان، باحث في العلوم السياسية، إن الانتخابات الجزئية، غالبا ما تكون مسرحا سياسيا لتحقيق “انتصارات رمزية”، أكثر مما تساعد أو تساهم في تغيير الخريطة السياسية للبرلمان أو الاغلبية الحكومية، قبل أن يستدرك: “لكن تبقى كذلك في السياق السياسي المغربي مؤشرا لتحديد الاتجاه الانتخابي العام، ولتحديد مدى تأثر الكثلة الناخبة وموقفها من عمل الأغلبية الحكومية بعد مرور سنتين ونصف على البرنامج الحكومي مكنت الناخبين من فهم نوايا الحكومة وأحزاب الأغلبية”.

واعتبر بركنان، في حديثه لجريدة “العمق”، أن نتائج الانتخابات الجزئية في فاس والتي فاز فيها مرشح الأغلبية بفارق أصوات كبيرة، “كانت بمثابة استفتاء سياسي للعمل الحكومي”، مسجلا  أن “الثقة التي منحتها الكثلة الناخبة المغربية لأحزاب الأغلبية الحكومية، لم تتأثر بخطاب المعارضة”.

وأبرز بركنان أن نتائج الانتخابات الجزئية في فاس، تشكل فرصة سانحة لأحزاب المعارضة، من أجل تقوية موقفها الانتخابي استعدادا للمحطات الانتخابية الكبرى المقبلة، عبر مراجعة الخطاب السياسي، خاصة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي خسر السباق مرة أخرى في دائرة كان يفوز فيها بفارق أصوات كبير، بالإضافة إلى حزب الاتحاد الاشتراكي الذي ينبغي أن يراجع اختياراته، لاسيما أن التوجه العام في المغرب ينحو في اتجاه تخليق الحياة السياسية ما يفرض حسن اختيار الاتحاد الاشتراكي لممثليه ومرشحيه بالمؤسسات المنتخبة.

وخلص الباحث في العلوم السياسية، إلى أن الانتخابات الجزئية الأخيرة بدائرة فاس الجنوبية، تشكل محطة سياسية لقياس الوضع الحزبي وخطابات الأحزاب لدى الكثلة الناخبة المغربية التي أكدت ثقتها في أحزاب الأغلبية، مشددا على أن المعارضة ينبغي أن تشتغل على ورش سياسي داخلي من أجل تغيير وتعزيز خطابها السياسي لكسب ثقة الناخب المغربي في أفق 2026.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *