منتدى العمق

نحو حماية اجتماعية متكاملة: من “راميد” إلى ورش الحماية الأشمل

بداية، لا يمكن إنكار الأهمية الكبرى التي يكتسيها نظام المساعدة الطبية “راميد” في تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحصول على الخدمات الصحية للمواطنين. فهذا المشروع الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس نصره الله يهدف إلى تمكين الفئات المعوزة والهشة من الولوج إلى العلاجات والرعاية الصحية دون عوائق مالية.

لكن تصريح رئيس الحكومة عزيز أخنوش في سياق لقاء تليفزيوني حول الحصيلة المرحلية للحكومة على القناة الأولى واستهزائه بهذا النظام واختزاله إلى “بطاقة للمرور فقط من حارس المستشفى” وادعائه بأنه “ملي كتاخد الراميد وتقول فالمستفشى بغيت شي حاجة كيقول لك سير جيب الخيط” يعتبر تصريحا غير مسؤول ومثيرا للجدل لعدة اعتبارات:

  1. المفارقة أن السيد أخنوش نفسه كان وزيرا في الحكومة السابقة التي أطلقت هذا المشروع، مما يجعل تصريحه متناقضا مع مسؤوليته التضامنية في التجربة الحكومية المسؤولة على تنزيل نظام المساعدة الطبية، ويشكك في مصداقيته.
  2. التصريح يتجاهل تماما الجهود والاستثمارات الضخمة التي بذلتها الدولة في هذا الورش، والتي تجاوزت 6 مليار درهم حسب بعض التقديرات.
  3. هناك العديد من الشهادات الحية لمستفيدين من “راميد” أكدوا أنه ساعدهم على تلقي العلاجات والرعاية الصحية التي كانت لتبقى بعيدة المنال بالنسبة لهم لولا هذا النظام.
  4. تصريحات السيد أخنوش تتناقض مع توجيهات جلالة الملك نفسه الذي أكد على ضرورة إصلاح هذا النظام وتجويده بدل الاستهزاء به.
  5. رغم بعض الاختلالات والنقائص، لا يمكن اعتبار “راميد” مشروعا فاشلا، بل يجب العمل على تطويره بدل التقليل من شأنه والسخرية منه.
  6. حتى في ظل الورش الجديد الذي يساهم السيد أخنوش في تنزيله حاليًا، لا توجد ضمانات كافية لنجاحه في ظل تردي البنية التحتية للمستشفيات والتجهيزات الطبية، خاصة في المناطق النائية والبعيدة عن المراكز الحضرية الرئيسية.

فمهما كانت إصلاحات نظام التغطية الصحية، فإن تحسين جودة الخدمات الصحية وتوفير التجهيزات والموارد البشرية الكافية لا يقل أهمية. ولا يمكن فصل نجاح أي نظام للرعاية الصحية عن مدى جاهزية البنية التحتية الصحية لتلبية الاحتياجات الفعلية للمواطنين.

لذلك، يجب على الحكومة أن تولي اهتمامًا خاصًا لتحسين حالة المستشفيات والمرافق الصحية، خاصة في المناطق النائية، بالتوازي مع إصلاح نظام التأمين الصحي. فالاستثمار في البنية التحتية الصحية أمر حيوي لضمان تقديم رعاية صحية لائقة للجميع دون تمييز.

من جهة أخرى، قد نتفهم أن ورش الحماية الاجتماعية الجديد الذي أطلقه جلالة الملك محمد السادس نصره الله هو ورش أشمل وأكبر نطاقا من نظام المساعدة الطبية “راميد”. إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنه بديل لمشروع “فاشل” كما حاول وصفه السيد أخنوش ضمنيا في سياق تصريحه. بل على العكس، يجب اعتبار هذا الورش الجديد للحماية الاجتماعية امتدادا طبيعيا وتطويرا لنظام “راميد” في سياق تراكمي وتصاعدي.

فنظام “راميد” كان بمثابة اللبنة الأولى والخطوة الرائدة في توفير الحماية الصحية للفئات المعوزة، وتحقيق مبدأ العدالة في الولوج للخدمات الصحية. أما ورش الحماية الاجتماعية الجديد فهو يأتي ليعزز هذه المكتسبات ويوسع مظلة الحماية لتشمل مجالات أخرى كالتعويض عن فقدان العمل والتقاعد وغيرها.

لذلك، كان من الأجدر برئيس الحكومة أن يستثمر في هذه المنجزات السابقة ويعمل على تطويرها وتجويدها، بدل السخرية والاستهزاء بها. فالمسار نحو بناء دولة الرفاه والحماية الاجتماعية الشاملة هو مسار تراكمي ومتصاعد، لا ينبغي فيه التقليل من شأن أي مرحلة أو إنجاز سابق.

من زاوية أخرى، لا يمكن تجاهل البعد السياسي وراء تصريحات رئيس الحكومة الحالي السيد عزيز أخنوش بشأن نظام “راميد”. فهذا النظام جاء في سياق كانت فيه حكومة حزب العدالة والتنمية هي المسؤولة عن تنزيله.

أما ورش الحماية الاجتماعية الجديد، فقد جاء في سياق حكومة جديدة يترأسها أخنوش باسم حزب التجمع الوطني للأحرار. وقد يكون هناك محاولة من رئيس الحكومة لإبراز أن هذا الورش الجديد أفضل وأشمل من مشروع “راميد” السابق.

لكن مثل هذا الاستغلال السياسي للمشاريع الاجتماعية عبر التصريحات الجدلية والسخرية من الإنجازات السابقة، قد يشوش أكثر مما يساهم في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية بشكل ناجح.

فالمطلوب هو التركيز على المصلحة العليا للمواطنين والاستفادة من الخبرات والمكتسبات السابقة، بعيدا عن الاستقطابات السياسية الضيقة. لا ينبغي استغلال القضايا الاجتماعية الحساسة لأغراض سياسوية وحزبية، بل يجب العمل بشكل جماعي ومتضامن لضمان نجاح هذه المشاريع الحيوية.

وبدلا من التصريحات الجدلية والانتقادات غير البناءة، كان من الأفضل لرئيس الحكومة أن يقدم رؤية واضحة وعملية لكيفية الارتقاء بنظام الحماية الاجتماعية في إطار تراكمي وتصاعدي، مستفيدا من الدروس المستخلصة من تجربة “راميد” دون السخرية منها.

وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري والرئيسي والريادي لجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، باعتباره الضامن الأسمى لهذا المنحى التصاعدي نحو تعزيز الحماية الاجتماعية والرفاه للمواطنين.

فالمبادرة في كلتا الحالتين، سواء بالنسبة لنظام “راميد” أو ورش الحماية الاجتماعية الأشمل، كانت من لدن جلالة الملك الذي أولى اهتماما خاصا لهذا الملف الحيوي منذ توليه العرش المجيد.

لقد كان جلالة الملك هو من أطلق مشروع التغطية الصحية الاساسية سنة 2002 في ظل حكومة التناوب التي قادها الاستاذ المجاهد عبد الرحمن اليوسفي كخطوة أولى نحو تمكين الفئات المعوزة من الولوج للخدمات الصحية. وبعد سنوات من التجربة، أتى نظام المساعدة الطبية راميد ثم ورش الحماية الاجتماعية الجديد ليواصل هذا المسار ويرتقي به إلى آفاق أرحب.

وفي خطاباته الملكية السامية، لم يفتأ جلالة الملك يؤكد على أهمية هذا الورش ويعطي التعليمات لتنزيله على أرض الواقع بما يلبي تطلعات المواطنين ويحقق العدالة الاجتماعية والكرامة للجميع.

لذلك، فإن جلالة الملك يظل هو الضامن والمحفز الأساسي لهذا المسار التصاعدي نحو دولة الرفاه والحماية الشاملة، بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية ضيقة. ويتعين على الجميع، من حكومة وأحزاب ومجتمع مدني، الاستلهام من رؤية جلالته والعمل بجدية لترجمتها إلى واقع ملموس.

في الختام، لا شك أن تصريحات السيد رئيس الحكومة تثير بعض التساؤلات والانتقادات المشروعة، خاصة فيما يتعلق باحترام جهود الدولة وتوجيهات جلالة الملك حفظه الله في هذا الورش الحيوي. ومع ذلك، فإن النية الحقيقية للسيد أخنوش هي الارتقاء بهذا المشروع وتطويره بما يتماشى مع ورش الحماية الاجتماعية الأشمل الذي تم إطلاقه مؤخرًا.

فبدلاً من التركيز على الانتقادات، قد يكون من الأفضل توجيه الجهود نحو صياغة رؤية مشتركة لتعزيز نظام المساعدة الطبية وربطه بالورش الأوسع للحماية الاجتماعية. هذا يتطلب حوارًا بناءً بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والخبراء في هذا المجال.

فالهدف النهائي هو تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للفئات المستفيدة، وضمان حصولها على الرعاية اللائقة دون عوائق. لذلك، قد تكون المقاربة الأنسب هي العمل الجماعي على تذليل العقبات وتجاوز النقائص، بدلاً من المزايدات التي لا تخدم إلا زرع الانقسامات.

في نهاية المطاف، المصلحة العليا للمواطنين هي الغاية الأسمى لهذا المشروع، وهذا ما ينبغي أن يحفز الجميع للتعاون والعمل بروح إيجابية وبناءة لتحقيق هذه الغاية النبيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *