مجتمع

“إرهاب نفسي”.. مأساة انتحار تلميذة أسفي تكشف “ثغرات” الامتحانات المدرسية

أعادت قضية انتحار إحدى التلميذات، صباح أمس الاثنين، بمدينة أسفي كأسلوب احتجاج على طردها خارج المؤسسة التي كانت تجتاز فيها امتحان البكالوريا بعد ضبطها في حالة غش، وسحب ورقة الامتحان منها، (أعادت) الحديث عن الامتحانات المدرسية وظروف اجتيازها التي أصبحت مصدر قلق للعديد من المتعلمين وأولياء أمورهم.

وتعرف منظمة الصحة العالمية الانتحار بكونه عملا مأساويا يدل على اليأسِ، وتتطلب الوقاية منه إيلاء مزيد من الرعاية والاهتمام بالمجتمعات وفيما بين أفراد الأسرة ومقدمي الرعاية وغيرهم، مشيرة إلى أن من شأن اتخاذ الإجراءات الفعالة في الوقت المناسب من قبل جميع أصحاب المصلحة أي الحكومات، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجتمعات، والأسر، والأفراد، أن يخلق الأمل ويحد من السلوك الانتحاري.

وبحسب متتبعين، فإن حالة أسفي ليست الأولى والتي لن تكون الأخيرة في ظل الأجواء التي تمر فيها الامتحانات المدرسية التي تغفل عدة جوانب، منها البيداغوجي المرتبط بطبيعة الأسئلة والنفسي الذي يفرض على المسؤولين مواكبة المتعلمين قبل هذه المحطة وبعدها، فضلا عن الجانب الحقوقي الذي ينبغي أن يستحضر كون الممتحنين تلاميذ وليسوا مجرمين، وفق تعابيرهم.

إرهاب نفسي 

وفي هذا السياق، قال الخبير التربوي، مصطفى الشكري، إن حادثة أسفي تضعنا جميعا أمام حقيقة مفادها أن التلاميذ يواجهون خلال فترة الامتحانات ضغوطات هي أقرب من الإرهاب النفسي، مشيرا إلى الطريقة التي تدبر بها الامتحانات والتي تفزع المتعلمين إلى جانب غياب العناية الأسرية واستقالة الأسر من الشأن التربوي الراجع لأسباب اقتصادية واجتماعية، وغياب المواكبة النفسية للمتعلمين واجتياح الرقمنة.

وأشار الشكري في تصريح خص به جريدة “العمق” إلى أن الغش ممارسة “منبوذة وغير مقبولة” قيميا وأخلاقيا، وقبل ذلك دينيا وتربويا كيفما كانت أسبابها ومبرراتها ودواعيها وظروفها ومستوياتها والجهات التي تصدر عنها.

وقال إنه في ظل منظومة تربوية تغيب فيها الحكامة ويغيب فيها مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن الرهان على محاربة ظاهرة الغش فقط بالجانب التقنوي هو رهان فاشل، إذ أظهر الواقع أن الظاهرة لا تزال منتشرة بل زادت تطورا وتقنية واكتسب الغاشون مناعة باستعمال وسائل متطورة، مشيرا إلى الحاجة لمقاربة مجتمعية متكاملة يكون فيها الجانب العقابي هو جزء فقط بعد استكمال الجانب التربوي.

أما الأستاذ الجامعي، هشام فتح، فقد تحدث عن السبب الذي دفع التلميذة إلى الانتحار وهي ظاهرة الغش التي يمكن معالجتها من منظورات متعددة ومتشابكة في الآن ذاته من قبيل المنظور النفسي والاجتماعي والقانوني، والبيداغوجي الذي يغفل عنه الكثيرون.

وقال فتح في تصريح لجريدة العمق: “إن هذا الجانب البيداغوجي لا ينبغي أن نغفل عنه، لأن الامتحان هو لحظة تتويج لمسار تعليمي ولحظة تقويمية حاسمة، بالتالي يجب ان نوليها الاهتمام الذي تستحق من خلال إعادة النظر في طبيعة الأسئلة التي يجب أن تستهدف الجانب التفكيري التحليلي لدى المتعلم بدل التركيز على أسئلة تخاطب الذاكرة”.

وأوضح ضمن تصريحه إلى أن من بين المشاكل التي تدفع المتعلمين إلى الخداع والتحايل هي أسئلة الامتحانات التي غالبا ما تكون ذات طابع ذاكراتي، مضيفا أن كل الأسئلة التي تستهدف الذاكرة تكون وراء التحايل من أجل استذكار المعلومات وتلبية الغرض والتوافق مع الجواب المطلوب، في الوقت الذي ينبغي أن تكون أسئلة الامتحانات خاصة ذات التوجه الأدبي أسئلة تستهدف التحليل.

وخلص المتحدث إلى أن ما سبق ذكره يجب أن يكون مع مراعاة أحوال المتمدرس أثناء لحظة الاختبار، بالنظر إلى العوامل النفسية التي تعترضه، مما يستدعي تكييف وتليين العقوبات الزجرية استحضارا للسياق العام التي تميز الامتحانات بصفة عامة والمدرسية منها خاصة.

منظومة “فاشلة”

وفي تعليقه على هذا الموضوع، أشار عبداللطيف بوغالم، وهو أستاذ بمديرية مراكش ومهتم بالشأن التربوي، إلى أن التلميذ بأخطائه وزلاته يبقى خلال الامتحانات في فترة من أصعبِ الفتراتِ في مساره الدراسي.

وقال بوغالم في تصريح لجريدة العمق إن التعامل بمنطق العقوبات الزجرية مع المتعلمين في حالات الغش دون استحضار مراحلهم العمرية وحالاتهم النفسية يهدد سلامتهم، ويجبرهم على التفكير في العقوبات أكثر من تفكيرهم في تمرير الامتحان والحصول على درجات مشرفة.

وذكر عضو جمعية آباء تلاميذ ثانوية الخوارزمي التأهيلية بمراكش أن من بين الأسباب المقلقة التي تلقي بهؤلاء التلاميذ إلى الهلاك هي التعامل معهم كأنهم مجرمون، وهو ما يدل على فشلنا كمربين وكمدرسة وكمجتمع في القيام بالواجب التربوي بعيداً عن التلقين والاستظهار، على حد قوله.

وقال أيضا إننا في حاجة إلى تربية متوازنة تجعل التلاميذ والطلبة مقتنعين بعدم جدوى الغش والضرر الذي يلحقه بالمجتمع وضربه لمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين، مشيرا في الوقت نفسه إلى ضرورة رجوع الوزارة إلى خبراء واستشاريين وأطباء نفسيين قبل صياغة بعض المذكرات والمراسلات التي تستهدف التلاميذ والأساتذة على حد سواء.

من جانبه ربط رئيس الفرع المحلي بأسفي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، عبدالرحيم حنامى،  حادث انتحار التلميذة بالمنظومة التعليمية التي وصفها بـ”الفاشلة” والتي تستحضر دائما جانب العقابي والزجري كحل لمحاربة ظاهرة الغش في غياب المواكبة القبلية أو البعدية للتلاميذ.

وحمل الحقوقي في تصريح لجريدة “العمق” المسوؤولية لمركز الامتحان الذي تعامل بطريقة “سادية” مع التلميذة، والذي كان من الممكن أن يتعامل بطريقة اخرى في هذه الحالة من قبيل سحب الهاتف وسحب الورقة والاحتفاظ بالمعنية التي تنحدر من وسط قروي داخل المركز والاتصال بولي أمرها بدل طردها من القاعة لتواجه مصيرا مجهولا.

وطالب الحقوقي ذاته بفتح تحقيق قضائي وإداري في الموضوع وترتيب الجزاءات في حق المسؤولين الذين تسببوا في هذه الفاجعة، منتقدا الظروف التي تمر فيها الامتحانات والطريقة التي يتم التعامل بها مع التلاميذ، وقال إنها تزرع الرعب في نفوس التلاميذ عوض طمأنتهم ليجتازوا هذه الاختبارات في ظروف تحترم إنسانيتهم، وفق تعبيره.

وقال إن عدم دراية الممتحنين بطبيعة العقوبات التي تنتظرهم في حالة إقدامهم على الغش يفاقم المشكل ويدفع “الغشاشين” إلى الاعتقاد بأن مستقبلهم في مهب الريح، داعيا إلى تحمل الوزارة مسؤوليتها في توعية المترشحين للامتحانات المدرسية بالقوانين المؤطرة لهذه العملية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ أسبوعين

    يجب إعادة النظر في تلك القوانين وبشكل مستعجل