مجتمع

حكاية وردة.. من فسيلة بحقول بني ملال إلى سفيرة للجمال تبحث عن مثواها الأخير (فيديو)

ينهمك البائع في إزالة الأشواك من سيقان الورد، تمسك أنامله الورد ببراعة، قبل أن ترتبه بعناية وتناسق في باقات يعرضها أمام متجره، ما يضفي على المكان جمالا يجلب الزبناء ويشد أنظار المارة.. هنا تلتقي وتتآلف وردات بأشكال وألوان متنوعة، قادمة من بقاع مختلفة، لكل واحدة منها قصة، وهذه قصة وردة انطلقت من حقول منطقة أولاد مبارك ببني ملال وانتشرت في أرجاء المملكة، وحتى خارجها، بحثا عن مثواها الأخير.

شكلت وردة قادمة من بني ملال جزءا من باقة متنوعة، اختارها زبون صادفته جريدة “العمق” عند بائع الورد في “مارشي سونطرال” بمدينة فاس، ليتخذها جسرا يمرر عبره قسطا من مشاعر الحب والحنان والعطف إلى ابنته، بمناسبة عيد ميلادها، لم تفلح الكلمات في إيصاله.

بالنسبة لهذا الزبون، فإن الوردة “رمز للتعبير عن المشاعر تجاه إنسان آخر كما نستعملها في مجموعة من المناسبات مثل الأعراس، للتعبير عن شعورنا وفرحنا وارتباطنا الوثيق بالشخص الذي نهدي له هذا الورد”. لكن سفيرة الجمال هاته تقطع رحلة لا تخلو من كفاح قبل أن تؤدي مهمتها الدبلوماسية.

البداية من بني ملال

هنا في حقول الورد بمنطقة أولاد امبارك بضواحي بني ملال، يتفقد مصطفى ضحوك، وهو أحد المستثمرين في زراعة الورد بالمنطقة، بعض ضيعاته، ويراقب سير العمل. يقطف وردة ويتفحصها بعناية، قبل أن يخبر العمال ببعض المهام التي يتوجب عليهم إنجازها قبل نهاية اليوم.

وفي تصريح لجريدة “العمق”، يقول ضحوك، إن زراعة الورد تمر بعدة مراحل، تنطلق الأولى في شهر نونبر من كل سنة عندما يتم قطع فسيلة تسمى “عود النسر”، ثم غرسها، قبل أن تنطلق عملية التطعيم بعد شهر ونصف من الغرس، لتحديد نوعية الورد المطلوب.

وبعد قطع الفسيلة وغرسها وتطعيمها، يستمر الفلاح في العناية بالنبتة لفترة تمتد لسنة، عن طريق السقي والتشذيب ومحاربة الأمراض والحشرات وإزالة الأعشاب الضارة. ليتوج هذا المجهود بوردات مختلفة الأشكال والأنواع والألوان، بحيث تنتج المنطقة قرابة 3500 نوع من الورد تتميز بزهاء 250 لونا.

بعد أن تنفرج سبلات الورد تاركة المجال لبتلاتها كي تتفتح وتستعرض جمالها وأناقتها بزهو، يشرع الفلاح في قطفها بحذر من شجيرات شائكة، لتبدأ الوردة رحلة جديدة لا تخلوا من عناية واهتمام. يتم جمع كل مائة وردة في حزمة متناسقة، مع الحرص على حماية أجزائها الحساسة من أي ضرر، قبل غطس كل حزمة في حمام ماء، لإنعاشها قبل أن تأخذ طريقها في اتجاه الأسواق.

“مارشي النوار”

تغادر الوردات الحقول والموطن الذي ترعرعت فيه عبر شاحنات مغلقة تحميها من العوامل الخارجية، وتحفظها من أي شيء قد يخدش جمالها. وغالبا ما يتم نقلها ليلا لتجنيبها حر النهار. عند وصولها للأسواق تجد الوردة البائع في استقبالها. يتلقفها بحذر وعناية كأم تمسك برضيعها حديث الولادة.

هنا في متجر بائع للورد في “مارشي سونطرال” بالدار البيضاء تتجاور الوردات القادمات من بني ملال مع مثيلاتهن من مواطن مختلفة، تشكلن مجتمعات باقات متنوعة، تضفى جمالا على المكان، وتشد إليها أنظار المارة، وتغويهم بشرائها، موفرة لهم جسرا تعبر فوقه مشاعرهم إلى قلوب من يحبون.

بعيدا عن هذا المتجر، يتحرك ادريس زنيبلا بهمة أمام متجره بأحد أحياء مدينة فاس، يباشر عمله وثغره متألق بابتسامة كأنه يستمدها من الورد الذي يكتنف المكان. يحكي هذا البائع لـ”العمق” أن بضاعة الورد تصل إلى المدينة بعد منتصف الليل، قبل أن يستقبلها بمتجره صباحا ما بين الساعتين السادسة والثامنة.

وعن طقوس استقبال الورد، يقول زنيبلا وهو رئيس جمعية باعة الورد بفاس، إنه يحرص على رشه بالماء وتركه قليلا ثم ترتيبه، بعدها “نقوم بتشذيبه وإزالة الأشواك، ووضع سيقانه في الماء لينتعش”، مشيرا إلى أن نضارة الوردة تصمد في فترات البرد ما بين 15 إلى 20 يوما.

أما في أيام الحر، يسترسل المتحدث، فإن أقصى ما تصمده نضارة الوردة هو أسبوع، منبها إلى ضرورة وضع طرف ساقها في الماء مع الحرص على تغييره كل يومين أو ثلاثة أيام، كما نصح بوضع قليل من السكر أو ملعقة من جافيل أو دواء الأسبرين، مشيرا إلى أن الوردة كائن حي تذبل إذا أهملتها.

وتمر الوردة بكل هذه المراحل، بحيث يتناوب على العناية بها الفلاح ومن ينقلها والبائع، لتتمكن في الأخير من أداء مهمتها الدبلوماسية باعتبارها سفيرة للجمال وجسرا للمشاعر النبيلة، وتختلف هذه المهمة باختلاف لون الوردة، بحسب ما أوضح بائع الورد ادريس زنيبلا، وهكذا ترمز الوردة الحمراء إلى الحب والبيضاء إلى السلام والصفراء إلى الغيرة والوردية إلى المحبة.

عندما تستقبل عروس باقة مشكلة من وردات مختلفة من أحد أقربائها في يوم زفافها، حتما لا تعرف أن كل وردة خاضت رحلة طويلة من الكفاح والعناية لتصل إليها بكامل نضارتها، وتتولى مهمة إضفاء مزيد من البهجة على الحفل، وتترك انطباعا لطيفا وساحرا في نفسها، لكن بعد ذلك بأيام لا بد للوردة من أن تذبل وتندثر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *