وجهة نظر

سوق الأكباش: المتضررون والمستفيدون

وزير الشغل السابق

تفصلنا أيام قليلة عن الاحتفال بـعيدالأضحىيوم الإثنين17 يونيو وفقا لما تم الإعلان عنه. الاستعدادات جارية على قدموساق ومخاوف  الأسر ذات الدخل المنخفض تتزايد في مواجهةالارتفاع المذهل في أسعار الأغنام وكل مايصاحبها. وعلى الرغممن أن أضحية العيدليست فريضة دينية، فقد اعتادت العائلاتعلى القيام بذلك مع استثناءات تمثل 13% من الأسرالمغربيةحسب تقرير للمندوبية الساميةللتخطيط. لذلك تسعى  بكلالوسائل إلى اقتناءهذا الحيوان العاشب حتى لو كلفها  الأمراللجوءإلى الاقتراض بفوائد ربوية أو بيع مجوهرات الأسرة  أوقطعة أرض. إنها محنة حقيقية في الواقع

وبما أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المضاربين والوسطاء من جميع الأطياف ينتهزون الفرصة من اجل تراكمالأموال والثراء على حساب  محنة الفقراء. فالمعلومات التي يتمتداولهاوتبادلها على مواقع التواصل الاجتماعي،والتصريحاتالصادرة عن المعنيين أنفسهم، تدعو إلى القلق والسخط

أولا، الحكومة عملت على تضليلنا مرة أخرى. حيث أكدتمرارًا وتكرارًا على أن سوق الأغنام مزودة  بما يكفي لتلبيةالطلب،  مستعملة بذلك لغةمُطَمْئِنَة، واتضح أن الأمر ليس كذلكلأن العرض الداخلي  غير كافٍ لتلبية الطلب المقدر بأكثر من 6 ملايين رأس. وهو ما أدى إلى قيام الحكومة بمنح تراخيص استيراد لبعض الوسطاء، مع دعم مالي يصل  إلى 500 درهم عنكل رأس غنم مستورد من الخارج وإعفائهم من الرسوم الجمركيةوضريبةالقيمة المضافة. إن إجراء   من هذا القبيل يعتبر غير  عادلولا مبررله،  إذ يرومتسمينالمستوردين بدلاً من تقديم المساعدةالمباشرةللأسر المحتاجة.

أما بالنسبة للأسعار الحالية، فهي بصراحةتتركنا عاجزينعن الكلام. فعلى عكس السنوات الماضية عندما كانت أسرةمتواضعة قادرة على اقتناء  شاة تكلف ما بين 700 و1000 درهم، أضحى من الضروري  هذه السنة دفع 3000 درهم على الأقللنفس  الذبيحة. فالاسعار  الحالية تتراوح بين 4000 و6000 درهم. أما أولئك الذين يبحثون عن أوهام العظمة والبذخ،  وهم بالطبعأقلية صغيرة جدًا، فيذهبون إلى  حد دفع 10000 درهم وأكثر.

من كان يظن، قبل بضع سنوات، أننا سنلجأإلى السوقالعالمية لشراء أغنام العيد، وهو قطاع كانت بلادنا تحقق فيهالاكتفاء الذاتي عموما. وإذاكان لتوالي سنوات الجفاف تأثيرسلبي على الثروة  الحيوانية والإنتاج الفلاحي بشكل عام،فلا بدمن الاعتراف بأن السياسة الفلاحية المتبعةفي السنوات الأخيرةلم تخدم الفلاحين كثيرًا،خاصة فيما يتعلق بتربية الماشية. تاريخياً، كانت تربية  الماشية ممارسة فلاحية بامتياز إلى درجةأنتوزيعها كان أقل تفاوتًا بكثير من توزيع الأراضي  كما يتضح منالاحصاءات الفلاحيةالمختلفة. وفي ظل هذه الظروف، لعبتتربيةالماشية دورًا في تقليص التفاوتات من خلال تزويد  الفلاحبدخل نقدي يسمح له بتغطية عددمعين من المشتريات وحتىالتعامل مع  سنوات  الجفاف. إذ في كل مناسبات عيدالأضحى، استفاد المزارعون الرعويون من تحويلات  نقدية كبيرة من شأنهاتعزيز سيولةالعالم القروي وتقوية الطلب الداخلي.

لكن مقاومة الفلاحين هذه لها حدود لدرجةجعلت الوضعالحالي يتغير بشكل جذري. وهكذا، مع تهميش الفلاحين، لم يعودواقادرين على إطعام قطعانهم المتواضعة بسبب الزيادة في أسعار ألأعلاف  وكلأ الماشية، إذ وجدواأنفسهم مجبرين علىالتخلص منها بسعرمنخفض لصالح الوسطاء والمربين الكبارالذين يتوفرون على الوسائل الكافية وسهولة الحصول على   القروض والإعانات العمومية. وفي ظل هذه الظروف،  لم يُحرمالفلاح الفقير من تربية الماشيةفحسب، بل أصبح يضطر إلىشراء الأغنام مثله مثل  سكان المدن. إنه تحول اجتماعي عميقللعالم  القروي يتسم« بالبلترة » التدريجيةللفلاحين وإفقارهم. وفي النهاية فإن الأموال التي تصرف  لشراء الأغنام والتي يمكنتقديرها بأكثرمن 16 مليار درهم لا تفيد العالم القروي، ولاتشكلوسيلة لتعزيز النشاط الاقتصادي كما كان الحال  من قبل، بل هيبالأحرى ريع للوسطاءوالمضاربين بالجملة.

وعليه، فنحن لا ندفع فقط تكاليف الخيارات الفاشلة،ولكننانعرض للخطر استقلال بلدنا في مجال حساس  كانت لدينا فيهاتفوق  حقيقي ومعرفة لاجدال فيها. نحن محظوظون لأن لدينافلاحين متجدرين  في التاريخ، فلاحون يكدون ويتوفرون على مهارة وخبرة لا مثيل لها. فلو وفرنا لهم حدا  أدنى من الوسائل،  لتمكنوا من خلق المعجزات  وتمكنوا منً تحقيق  تنمية فلاحيةمرتكزة على الذات وموجهةنحو تحقيق السيادة الغذائية لبلادنا.

لقد حان الوقت لتصحيح الوضع، ووضع صوب  أعيننا هدفناالوحيد المتمثل في تحقيق سيادتناالغذائية وتحسين مستوىمعيشة السكان وفي المقام  الأول الفلاحون الكادحون. لا يمكنناتصور كل  المعاناة الجسدية والنفسية التي تشعر بهاالجماهيرالشعبية وجزء كبير من الطبقةالمتوسطة للحصول على كبشالعيد. إنهاتضحية لا حصر لها تؤثر بشكل كبير على قدرتهم الشرائية اليوم وغدا .

ملحوظة: هذه المقالة عبارة عن تحيين لمقالة في نفس الموضوع نشرت السنة الماضية .

ترجمه للعربية عبد العزيز بودرة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *