سياسة

“أزمة العطش”..هل تعلق الجزائر فشلها في مواجهة الجفاف على المغرب؟

سلطت المجلة الفرنسية “جون أفريك” الضوء على أعمال الشغب التي اندلعت فاتح يونيو الجاري في منطقة تيارت شمال غرب الجزائر  بسبب العطش، والتي لجأ خلالها المتظاهرون إلى إغلاق الطرقات ومصادرة شاحنات الصهاريج كتعبير عن استنكارهم لتقاعس السلطات العمومية الجزائرية وتوقف مشاريع تزويدهم بمياه الشرب.

وربطت المجلة الفرنسية احتجاجات الجزائر بتصريحات سابقة لوزير المياه الجزائري أدلى بها  على هامش المنتدى الدولي العاشر للمياه، الذي نظم في بالي بإيطاليا في الفترة من 18 إلى 24 ماي المنصرم والتي اتهم فيها المغرب علنا ​​بالوقوف وراء الجفاف المتفاقم في بلاده، والذي أصبح مثيرا للقلق بشكل متزايد.

وأكد المسؤول الجزائري آنذاك أن “إحدى الدول المجاورة، من خلال سلوكها غير المسؤول، أخلت بالتوازن البيئي، مما أثر بشكل خطير على الحيوانات والنباتات على طول الحدود الغربية للجزائر”، دون أن يذكر المغرب صراحة.

وتعليقا على الموضوع، قال أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، محمد سعيد كروك، لـ“جون أفريك”، إن قوة المغرب تكمن في أن “موارده المائية تنبع من ترابه”. بمعنى آخر، لا يجد أي من أنهار أو وديان البلاد منبعه خارج حدود المملكة. وهي ميزة قوية تتمتع بها المملكة، في حين أن ظاهرة الاحتباس الحراري تساهم في ندرة الذهب الأزرق، وهي معضلة ليس المغرب في مأمن عنها.

وقالت المجلة الفرنسية إنه بالرغم من الوضع الإيجابي الذي تتمتع به المملكة المغربية بسبب جغرافيتها وتضاريسها وتوزيع أحواضها، فإن الجزائر ستتأثر بالسلوك المغربي في المنطقة العابرة للحدود، حيث يمكن لببناء سدود عند المنبع من كرف المغرب أن يؤثر منطقيا على تدفق الأنهار التي تعبر الجزائر، وفق تصريح الخبير في ديبلوماسية المياه الدكتور فادي قمير.

وذكر المصدر ذاته، أن هذه ليست حالة استثنائية، لأن البلدان التي تتقاسم أحواض الأنهار غالبا ما تكون مترابطة من حيث المياه. لكن “القوانين الدولية في صالح المغرب وليس العكس”، على حد تعبير الأستاذ محمد سعيد كروك. وفي هذين التحليلين، يجب علينا أيضا دمج الواقع السياسي: وهو الأزمة الدبلوماسية التي غرق فيها البلدان منذ غشت 2021 والتي تمنع أي حوار، تضيف المجلة.

وقررت الجزائر، منذ غشت 2021، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وسحب سفيرها بالرباط، مشيرة إلى أن قطع العلاقات مع المغرب لا يعني تضرر المواطنين الجزائريين والمغاربة المقيمين في البلدين، إذ ستمارس القنصليات دورها المعتاد.

واتهم وزير الخارجية الجزائري آنذاك رمطان لعمامرة المغرب بارتكاب “أعمال غير ودية وعدائية” ضد الجزائر، مضيفا: “لقد ثبت تاريخيا أن المغرب لم يتوقف عن القيام بأعمال غير ودية وعدائية ضد الجزائر”.

في قلب الانتقادات الموجهة ضد المغرب، تتابع “جون أفريك”، تكمن مستجمعات المياه التي تمتد إلى ما وراء الحدود المغربية باتجاه شرق الجزائر. وعلى وجه الخصوص، وادي ملوية الذي يصب في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 14 كلم من الحدود، والذي يستخدم بشكل مكثف لري المحاصيل الزراعية. ويتم تسهيل ذلك من خلال العديد من السدود الموجودة في مجراه، خاصة سدي الحسن الثاني ومحمد الخامس.

وأشارت إلى أن الاستغلال المفرط لهذا النهر الذي تعتبر موارده المائية أقل بكثير مقارنة بالوديان المغربية الأخرى، مثل سبو وأم الربيع ولوكوس، أدى إلى انخفاض تدفق نهر الملوية، لأول مرة، لدرجة أنه لم يعد يصل إلى البحر اليوم. وبات المزارعون في هذه المنطقة الفقيرة وفي منطقة الريف الشرقي يرون أن الوضع يزداد سوءًا من سنة إلى أخرى.

وبما أن نسبة ملئه لا تصل أبدا إلى 30%، فقد أعلنت وكالة الحوض المائي لملوية يوم 5 يونيو عن تنفيذ برنامج واسع لتنمية إمدادات المياه في أفق 2050. ومن المقرر أن تخصص ميزانية تبلغ حوالي 19 مليار درهم لتمويل بناء خمس محطات كبيرة، وتهدف السدود إلى زيادة حجم المياه في الحوض بنحو مليون متر مكعب، بدءاً من الأشهر المقبلة. وهي أخبار جيدة للقطاع الزراعي المغربي، لكنها مصدر جديد محتمل للخلاف مع الجارة الجزائر، تقول “جون أفريك”.

ولفتت “جون أفريك” إلى وجود نقطة اختلاف أخرى بين البلدين والمتمثلة في  عواقب استخدام مياه وادي غير، أحد أطول الأودية في شمال إفريقيا (433 كم)، والذي ينبع من الأطلس الكبير المغربي، بعد التقائه بالأراضي الجزائرية مع وادي زوزفانة. ومع ذلك، فإن وادي زوزفانة يغذي رابع أكبر سد جزائري، وهو سد جورف التربة، الذي تم تشييده في الستينيات وتبلغ طاقته الاستيعابية 365 مليون م3، ويوفر الماء الصالح للشرب لساكنة بشار.

بين الجفاف المتوطن في المنطقة وتقادم المنشآت الهيدروليكية وتشغيل سد قدوسة المغربي (220 مليون متر مكعب) في عام 2021، انخفض تدفق جرف التربة بشكل كبير، لدرجة أنه خلال صيف 2022، أظهرت عدة مقاطع فيديو آلافاً من أسماك المياه العذبة الميتة في قاع السد الجاف.

وانتشرت صور أسماك نافقة في سد جرف التربة في ولاية بشار جنوب غرب الجزائر، وقالت تقارير إنه بسبب موجة الجفاف، بينما قالت مصادر أخرى إن سدا مغربيا قد يكون وراء حجز كميات من المياه المتدفقة إلى السد الجزائري.

وفي العام التالي، حافظت السلطات في المملكة المغربية على مسار المخطط الوطني للمياه 2020-2050. وأعلنت وكالة الحوض المائي بولاية الرشيدية وحدها، عن إنجاز ثلاثة سدود بطاقة إجمالية قدرها 5 ملايين م3. وتم تصميم مشروع سد قدوسة، الذي بلغت كلفته 650 مليون درهم، تنفيذا للاستراتيجية الوطنية الفلاحية، مخطط المغرب الأخضر، التي انطلقت سنة 2008، تشير “جون أفريك”.

كان من المقرر أن يروي هذا السد 5000 هكتار من الأراضي الزراعية وحماية مناطق الواحات من الفيضانات. ولكن أيضًا لتوفير مياه الشرب لسكان فجيج، وهي منطقة صحراوية تنتظم فيها الحياة حسب توفر المياه الجوفية. ومع بداية عام 2024، وعلى مدى مئة يوم، ضاعف سكانها المسيرات والاعتصامات السلمية، خشية خصخصة المياه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *