مجتمع

التخلي عن إحداها “ينغص” الفرحة.. هذه عادات تافيلالت خلال عيد الأضحى

عادات مميّزة تلك التي يتمسك أبناء تافيلالت بإحيائها خلال عيد الأضحى، بعد أن يكون قطاع واسع منهم قد ترك ساكنة المدن التي يقيم بها طيلة السنة “تصحو على فراغ الشوارع لمدة لا تقلّ عن الأسبوع”، وعاد إلى “البلاد” حرصاً على ألا يفوته “الطعم الخاص لدمان العيد بتافيلالت”، وتجديداً للأواصر مع قيم تمثل “حجر الزاوية” يراها راسخة في سلوك أقاربه قاطني القصور التي ما تزال تقاوم عوادي الزمن والمناخ، وقبل ذلك في العبارات التي تطفو على الألسن خلال هذه المناسبة الدينية، مثل “الله يتاوي الخاوة”، “وارحم خالتي عيشة وقديدير والطاهر”، وفق باحثين مهتمين بتراث المنطقة.

في تعقيبه على الموضوع، اختار زايد جرو، كاتب وباحث في تراث جهة درعة تافيلالت، لفت الانتباه بداية إلى خصوصية العيد في قصور وقصبات تافيلالت؛ قائلاً: “في هذه المناسبة يعود المهاجرون صوب ‘البلاد’ أو ‘تمازيرت’ لتصحو ساكنة المدن على فراغ الكثير من الشوارع لمدة تتخطى الأسبوع. ولا تحلو اللمة إلا بحضور هؤلاء الغائبين من الأعمام والأبناء لتجديد صلة الأرحام والترحم على لالة ختي وسيدي ومولاي الذين أصلوا لجملة من العادات المتوارثة في العيد الكبير”.

وأضاف جرو في تصريح لجريدة “العمق”، أن أبناء المنطقة ينظرون إلى العيد “كمناسبة لتجديد الأواصر والقيم التي تمثل نموذجاً في التعايش والتآزر؛ إذ لا تجري على الألسن خلال المناسبة سوى عبارات ‘الله إتاوي الخاوة’ وارحم خالتي الحاجة وارحم عمتي عيشة وخالتي خيرة وخالتي يطو وقديدير وعبيد والطاهر وعبد الرحمن”. مورداً أن من شأن هذه القيم التي تطفو على الألسن خلال “العيد الكبير” دوراً في “صدّ الثقافات المستوردة والهامشية التي أججت التوتر بين الأسر في الآونة الأخيرة نتيجة تراخي دور ‘ناس الخير’ في فك النزاعات بالتراضي والحشمة دون اللجوء للمحاكم”.

“لسلالة الدمان التي تُذبح خلال العيد بتافيلالت أيضاً طعم خاص؛ إذ هو يعيش بما تنتجه الواحة من ‘فصة خضراء أو يابسة’ الكَرط أو ‘علف التمر’ أو الشعير، وهي منتوجات محلية خالية من أي مواد كيماوية مما يجعل طعمه ألذ، فضلاً عن أنه يكون غالباً تحت عناية الأم أو بناتها أو عرائس الأبناء بإرشادات من الأم أو الجدة”، يؤكد الباحث ذاته.

وفي اليوم الأول للعيد، كما يفيد زايد جرو، تتناول الساكنة “فطور الصباح الذي يشبه فطور عيد الفطر، ثم يذهب الرجال للمصلى دون النساء. إنها خصيصة في قصور تافيلالت على خلاف ساكنة المدن؛ فلم أشهد طيلة السنين التي قضيتها بقصر ‘مزكيدة’، وهو من القصور التاريخية الإسماعيلية بالريصاني، امرأة ذهبت للمصلى. أما الأطفال الصغار فهم من أهل الدار لا يجب أن يختلطوا في المصلى مع الكبار حفاظاً على وقار الشيوخ حسب الاعتقاد السائد”.

وزاد الكاتب والباحث في تراث درعة-تافيلالت أنه “فور الانتهاء من الصلاة وذبح أضحية الإمام، يُشرع في زيارة الأعمام والعمات والخالات وعجائز أهل البلدة والأرامل منهن. إثر ذلك يذبح الفيلاليون أضاحيهم، وتستعد نساؤهم لغسل أحشاء الأضحية. أما الأبناء فلكل دوره الخاص؛ فالأخ الأكبر يساعد الأب، فيما يجلب الباقون ماء التنظيف”، لافتاً إلى صرامة اللحظة حيث يُحذر فيها على الابن “تقليل العفة أو الضحك بضحكات تجانب الصواب، وإلا فإنه سيتعرض لكلام جارح لا يرضي الأم وعموم الجمع”.

وتافيلالت تشترك مع باقي مناطق المغرب في ما يتلو الذبح من “‘تشويط الرأس’ واستعداد لـ ‘بولفاف’؛ الطبق المكون من الكبد الملفوف المطهي فوق ‘الجمر’ إضافة إلى القلب والطحال الذي يقدم مرفوقاً بالخبز والشاي”، بحسب الباحث ذاته، الذي استدرك أن المنطقة تتفرد في وجبة الغذاء “المكونة غالباً من عنق الشاة”.

أما في اليوم الثاني لعيد الأضحى المبارك، فغالباً ما تتناول ساكنة تافيلالت طبق “الشكوى” وهو عبارة عن أمعاء الأضحية محشوة بالبيض ومطهية في “الكوشة” أو الفرن الطيني، فيما تتطلع إلى قضاء عشيّة اليوم بساحة ضريح مولاي علي الشريف بالريصاني؛ حيث تجديد الاستمتاع بفنون عيساوة وحركاتهم الأسطورية، وشراء الألعاب والهدايا للأطفال الصغار.

وأضاف زايد جرو أن “أهالي تافيلالت باستثناء الأمازيغ يخصصون ‘رجل الحولي’ أي قائمته الخلفية للبنت المتزوجة، على أن يحملها الأب والأم إليها في ثالث أيام العيد”، مسجلاً أن الرجل وبفعل هذه العادة “يقع إذا كان أبا لأربع بنات فما فوق في مشكلة؛ وكذلك الأمر إذا تأخر عن هذا الدور أو امتنع، إذ تحس البنت المتزوجة بـ ‘الحكرة’ وينغص الفعل فرحة العيد على الأم والبنت التي ينظر إليها أهل الزوج آنذاك كعديمة الأصول، ويتم احتقارها وأهلها حتى الأبد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *