أخبار الساعة

مصطفى العادل يكشف كيف يتحدث الجسد بلغته (حوار)

حاوره الصحافي المتدرب سفيان شعو – العمق المغربي

1- كيف يمكنكم تقريب الصورة أكثر عن مفهوم لغة الجسد؟

– بخصوص علم “لغة الجسد” عند أغلب الباحثين في هذا المجال هو علم يقوم على دراسة الحركات التي يقوم بها بعض الأطراف مستخدمين أيديهم وأقدامهم وأعينهم وحتى نبرة صوتهم لإرسال الرسائل وفي التعبير عن المشاعر، وبشكل عام فلغة الجسد هي نوع من التواصل غير اللفظي، لأن التواصل يمكن أن نقسمه إلى نوعين، هناك التواصل اللفظي ثم التواصل غير اللفظي، التواصل اللفظي هو ذلك التواصل الذي نستعمله في الكلمات باستعمال اللغة المنطوقة، ثم التواصل غير اللفظي فيه أنواع ومنه لغة الجسد، وبالتالي فلغة الجسد هو جزء من التواصل غير اللفظي وتنضاف إليه لغة الإشارات وهي دراسة تندرج ضمن علم السيميائيات، ويؤكد الخبراء بأن لغة الجسد هي الأقدم والأكثر استعمالا في العالم والتي نتناقلها نحن والآخرين من أجل التواصل، وبالتالي فإن استطاع الطرف الآخر فهم ما نقوله بأجسادنا، واستطعنا نحن بدورنا فهم لغة جسده، فنحن نملك إذن صندوقا من الأدوات الفعالة للغاية التي يمكننا توظيفها في علاقتنا مع الآخرين.

2- كثير من علماء النفس والسيميائيات، يؤكدون على أن للغة الجسد دور مهم في التواصل اليومي داخل المجتمع، ما هو تعليقكم على هذا، وإلى أي حد تستطيع لغة الجسد فعلا أن توصل المعنى في تواصلاتنا اليومية وتنوب عن اللغة المنطوقة؟

– على الرغم من أن لغة الجسد هي المحدد بين الكلمات واللغة الأدق التي يتواصل بها الإنسان، ويعبر بها عن حاجياته فليست الوحيدة التي نعتمدها في إرسال رسالتنا إلى الآخرين ثم استقبالها ومن هذه الوسائل التي يستعملها نتحدث عن لغة الجسد، أما أهميتها ودورها في إنجاح التواصل الإنساني فيكمن من خلال مساهمتها في نقل الرسالة إلى الآخر وتعزيزها وتثمينها وتتم عملية فهمها، علماء النفس أدركوا هذه الأهمية التي تلعبها لغة الجسد في كل رسالة تواصلية ومنها الدراسة التي كشفت عن وجود ثلاثة عناصر في أي رسالة حاصلة من أي تواصل في لغة الجسد، دراسة “ميرابيان” هذا الذي وصل إلى النسب الثلاثة الشهيرة وهي 55% ثم 38% ثم 7%، حيث تمل إشارات وإيماءات الجسد المختلفة يعني الإيماءات وإشارات الجسد كاليد والرجل والإيماءات التي تظهر على وجوهنا، فحينما نتواصل تمثل نسبة 55%، فيما يمثل الصوت من حيث النبرة ودرجات التغير وارتفاع وانخفاض ما نشعر به في صوت الآخر تمثل 38% ولا يبقى سوى 7% للكلمات ذاتها، يعني أن هذا النوع من التواصل تندرج ضمنه حركات الجسد المختلفة ثم نبرة الصوة وبالتالي تمثل لغة الجسد 93% من نسبة التواصل اليومي، وأنا شخصيا عندما وقفت عند هذه المعطيات استغربت كثيرا لأن كل الدراسات التي اهتمت بالتواصل الإنساني واهتمت باللغة لم تعطي لهذا النوع من التواصل حقه بل كل الكتب التي نراها الآن وكل الدراسات التي تنظم حولها المحاضرات والمناظرات هي حول اللغة الملفوظة وبالتالي لغة الجسد من العلوم الحديثة، وفي الحقيقة جاء الوقت للاهتمام به نظرا لأهميتها. وبالتالي إذا كان الكلام لا يشكل سوى 7% من التواصل اليومي فإن باقي الرسائل نرسلها لاشعوريا، وأقصد بلا شعور لأننا حينما نتحدث عن لغة الجسد نقول تلك اللغة التي تفضحنا عندما نتحدث، لأن إشارتنا وحركاتنا غالبا ما تكون لا شعورية فتفشي ما نود إخفاؤه عبر حركة من حركات الجسد المتعدد أو نبرة الصوت كذلك، وبالتالي فكل جزء من الجسم باستطاعته أن يكشف عن طريق حركة بسيطة لا إرادية حالتنا النفسية أفكارنا رغباتنا مشاعرنا ما نخفيه ما نحاول ألا يراه منا من يستمع إلينا، تقوله لغة الجسد ونحن غالبا نجهل هاته الأشياء ولا نلقي لها بال.

3- عندما نتأمل الخطابات الإعلامية والسياسية تحديدا، نجد توظيف كبير للغة الجسد، فنجد أغلب النجوم والمسؤولين مثلا يستعملون حركات متعددة، لماذا في نظركم هذا يتم توظيف لغة الجسد بشكل كبير؟

– في الحقيقة إذا تحدثنا أولا عن الجانب الإعلامي نتحدث عن مجال متطور الآن نظرا لما وصلت إليه وسائل الإعلام من أهمية وما وصلت إليه من وسائل تكنولوجية بصفة عامة وبالتالي فهي التي تقود العالم الآن، وتستطيع أن تغير العالم في دقيقة وأن تقربه كما يقال إلى قرية صغيرة وبالتالي فالإعلام وصل إلى هذه الدرجة من السيطرة والقوة والتأثير، بالتالي فالخبراء يبحثون عن الأشياء التي تكون من خلال توظيفها أكثر تأثيرا ومن هذه الأشياء نجد الجسد أو توظيف الجسد في الوسائل الإعلامية وبالتالي فالتأثير والتحكم هو الأهم التأثير والتحكم في مشاعر الناس حينما نقدم مثلا منتوجا تلفزيونيا في الإعلام نحاول أن نؤثر ونصل إلى لاوعي الإنسان من خلال ذلك المنتوج وبالتالي ألجأ إلى الاعتماد على الجسد، والكل الآن يسر في هذا الاتجاه حتى الهواتف النقالة ومواقع التواصل الاجتماعي صار المجتمع إعلاميا بشكل كبير لذلك نلجأ إلى توظيف الجسد، أولا لأن الجسد ثمين بالنسبة للطرفين الذكر والأنثى، فاعتماد الجسد الأنثوي مثلا مؤثر وملفت للنظر بالنسبة للذكور والعكس.

4- إذا تأملنا في الدراسات التي أجراها مجموعة من الباحثين والمهتمين بهذا الشأن نجد على أن لغة الجسد تخلف حسب الجنسين، فنجد اختلاف لتوظيف الجسد بين الرجل والمرأة، كيف يمكنكم تفسير هذا، خاصة في وسائل الإعلام والإشهار، ما هو تعليقكم على هذا؟

– حسب دراسات أجراها الباحثين والخبراء للغة الجسد توصلوا إلى نتائج جد مذهلة في ما يخص الفرق بين المرأة والرجل في لغة الجسد حتى إنهم أكدوا بأن المرأة حسب أغلب الباحثين ومنهم مثلا ” الآن وباربارا بييز ” في كتابه “المرجع الأكيد في لغة الجسد” ثم “جيمس” في كتابه “الدليل الكامل في لغة الجسد” بينوا أن المرأة تتسم وتتميز بحدة الملاحظة أكثر من الرجل وهو ما يسمى عند هؤلاء الخبراء ب”حدس المرأة”، وهذا راجع إلى كونها سريعة الالتقاط وفك شفرة الحركات والإشارات الشفوية أي أن المرأة باستطاعتها أن تقرأ لغة الجسد أكثر من الرجال، هذا في ما يخص دراسة الخبراء لتوظيف لغة الجسد عند المرأة وعند الرجل، أما الإعلام لماذا يهتم مثلا بتوظيف جسد المرأة جسد المرأة أكثر من توظيف جسد الرجل وهذا يظهر لنا من خلال ما نشاهده في الشوارع وفي وسائل الإعلام حتى الإعلانات التي نشاهدها في الشارع نرى النساء يأخذ حيزا كبير في إعلانات الشركات هم من يظهرن في أغلب المواقع إلى غير ذلك، لقدرة النساء على إرسال الرسائل الجسدية أكثر من الرجال، وهنا نستحضر دراسة أجراها بعض الخبراء في جامعة “هارفارد” حيث قدموا رجل و امرأة في مسرحية لا صوتية صامتة وهما يتحاوران وبعد ذلك طلبوا من الرجال والنساء تفسير ما كان يدور بينهما وتوصلوا إلى أن النساء استطعن قراءة الموقف بدقة في 87% بينما أحرز الرجال 42% فقط وبالتالي فالمرأة لديها هذا الحس وهذه القوة في قراءة الرسائل، قراءة لغة الجسد وإرسالها أيضا، حتى أن الخبراء يقولون بأن المرأة تستطيع أن ترسل ضعف أربع مرات ما يرسله الرجل من حركات الجسد من خلال استخدام جميع عضلات الوجه والإيماءات الوجه في إرسال الرسائل كما أنهم يستطعن إرسال والتعبير عن ستة مشاعر في عشر ثواني، وهذه النسبة الكبيرة التي تتميز بها النساء تبين قوتهم في إرسال الرسائل وفي التعبير عن المشاعر أكثر من الرجال ثم في قراءتها أيضا، ثم اعتمد المرأة في لغة الجسد وفي الإعلام بصفة عامة، لأن الإعلام لا يخاطب الجمهور فقط وإنما يخاطب لاوعي الجمهور أيضا، ويقدم له منتوجات كما قال “سعيد لكراد” على شكل موضوع جنسي بامتياز.

5- أغلب النزاعات ربما التي تحدث في علاقاتنا الاجتماعية سببها هو سوء استعمالنا وفهمنا للغة الجسد، كيف يمكننا أن نطور لغة الجسد لكي تصبح لغة فاعلة وهادفة أيضا؟

– أكيد أن هذا السؤال أثار إشكال كبير جدا لأن هناك مجموعة من الأساسيات التي ترتبط بلغة الجسد لا يمكننا أن نتجاهلها كالسياق و الثقافة وهما عاملان يشكلان ربما حاجزا أمام قوة لغة الجسد لأننا عندما نتحدث عن لغة الجسد نتحدث عن لغة عالمية لكن عندما نتحدث أيضا عن الثقافات نعود إلى الوراء قليلا ثم نقف عند هذا العامل الكبير ونقول إننا في حاجة إلى أن نقرأ لغة الجسد كعلم لابد منه من أجل أن تكون لغة عالمية، وبالتالي تصير كأنها اللغة المنطوقة تكون في حاجة لكي تتعلمها كي تتكلم بها مع العالم وفي كل مكان، بطبيعة الحال أكثر الباحثين ذهبوا إلى أن لغة الجسد لغة عالمية، من خلال مجموعة من الأشياء يقولون مثلا عندما نضحك فالعالم كله يعلم أننا نضحك، وعندما نبكي فالعالم كله يعلم أننا نبكي، عندما نرفض يمكننا أن نرفض بإشارة اليد أو بإشارة الرأس عندا نقبل فإننا نقبل عن طريق حركات الرأس مثلا إلى غير ذلك، عندما نرغب في شيء يمكن أن يظهر على محيانا وفي إشارة من إشارات الجسد إلى غير ذلك هذا جانب، ثم هناك جانب آخر هو اختلاف الحركات من مكان لآخر.

6- نستشف من كلامك أن لغة الجسد هي لغة عالمية، هل يمكن فعلا أن تشترك لغة الجسد بين الثقافات أم أن هناك ربما اختلاف؟

– أؤكد مرة أخرى بأنها تتفق على نفس المعنى في نطاق واسع من العالم منها ما هو متعلق بحركة أعضاء الجسد ومنها ما يرتبط بالإيماءات الفطرية كالبكاء والقلق والضحك والفرح والخوف إلى غير ذلك من مشاعر الإنسان، لكن هناك إشارات في كل أنحاء العالم تستخدم في المغرب كما تستخدم في أمريكا كما تستخدم في كل بقاع العالم لكن المعنى يختلف طبعا من مكان إلى آخر حسب الثقافة وعدم فهم هذا المعنى سيجعلك يوما في موقف حرج مثلا من الإشارات التي عرفت انتشار كبير على مستوى العالم انتشار الدائر ورفع اليد وتشكيل الدائرة من خلال أصبوعين وهما السبابة والإبهام وتسمى هذه الإشارة عند الخبراء بالدائرة وتختلف معانيها من دولة إلى أخرى ومن منطقة إلى أخرى، ففي أمريكا وأوربا الشمالية مثلا تعني موافقتهم على شيء معين، ونستعملها في المغرب مثلا للتعبير عن الصفر،في منطقة البحر المتوسط وروسيا من البرازيل وتركيا تشير إلى ثقب وتشير إلى الإهانة الجنسية وإلى الرجل الشاذ إلى غير ذلك، في تونس وبلجيكا والمغرب تدل على الصفر وعدم القيمة ولا تستحق شيئا، وفي اليابان سوف نجدها أن تشير إلى العملة وإلى المال… وبالتالي هذه الإشارة إذا لم نفهمها قد يشكل لنا هذا إحراجا في تواصلنا مع الآخر من ثقافة أخرى، وبالتالي فهذه الحركات لابد من دراستها لتكون عالمية، فلغة الجسد إلى حد الآن هو أمر ضروري لكنه لازال لم يعرف كثيرا حتى في المغرب في أمس الحاجة إلى دراسة هذا العلم لأن إذا نظرنا إلى اللقاءات التي يجريها مثلا مسؤولوا السياسة المغربية مع قادة العالم الأمريكي والأوروبي نجد أن هناك ضعف كبير في الشخصية المغربية، نتحدث مثلا عن جورج بوش أو عن أي شخصية عالمية، نرى دائما أنها في اللقاءات تتميز بشكل كبير جدا وبأضعاف كبيرة في لغة الجسد على العرب والمنطقة العربية ككل.

7- أنت اشتغلت في بحثك على موضع “لغة الجسد”، حبذا لو تحدثت بشكل وجيز عن بعض الإسهامات التي قدمتموها في اشتغالكم على الموضوع.

– لابد أن نوضح بعض الأمور ونقول بأن بحوث في هذا الميدان ما تزال هي الأخرى تحتاج إلى دعم وتحتاج إلى العمل الكثير من أجل تطويرها، الآن صار البحث الجامعي يمر كما تمر السنة، هكذا بدون أن يعطيه الناس اهتماما، وبالتالي لا يعطي أي إشعاع في المستقبل، والذي جعلني أشتغل صراحة في هذا المجال أنني في السنة الجامعية الأولى، درست مادة تكميلية وهي لغة ومصطلحات والمتعلقة بالتواصل اللفظي وغير اللفظي، فمن خلال النسب المئوية التي ذكرناه سالفا، استوقفتني ولم أمر عليها بشكل عبثي واستغربت من هذه النسب، واشتغل في هذا الموضوع وقادني أيضا أحد الأفلام الوثائقية الذي قدمته قناة العربية الفضائية، وهو فلم رائع جدا جعلني أشعر بالمتعة، هذا الفلم يبدأ بقولة رائعة يقول “مشية تنقل لك السلطة ترحيب يوحي بمن يملك القرار إيماءات تستطيع أن تخفي كذبة لغة الجسد يمكن لها أن تخوننا عندما يكون رئيس تحت ضغوط وتكون شخصية مشهورة تحت الأضواء فتش خلف الكلمات فلغة الجسد تخبرك بكل شيء” حين ذاك أدركت هذه أهمية هذا الموضوع وازداد شوقي لهذا الموضوع بقدر ما ازداد فهمي بهذا العلم، فرغبتي في هذا المجال كبيرة كي أشتغل، لأن بحث الإجازة لا يكفي نظرا للواقع الحقيقي الذي نعيشه وتعيشه هذه البحوث الجامعية، فرغبتي هي أن أستمر في هذا المجال وأواصل المسيرة في هذا المجال.

8- كلمة أخيرة

– بدوري أشكركم على فتح هذا الحوار، وإثارة هذا الموضوع لما يكتسيه من أهمية، ما يمكن أن نقوله عن لغة الجسد هو علينا أن نفهم ما تقوله أجسادنا ونفهم أيضا ما تقوله أجساد الآخرين، لأنها في الحقيقة تغني عن الكلمات، وهي الحقيقة التي لم يعد الآن مجالا لإنكارها أو تجاهلها ولغة الجسد تفضح ما نحاول أن نخفيه وتفضح ما يحاول أن يخفيه الآخرين فينبغي أن نركز على لغة الجسد التي نتواصل بها مع الآخرين، وأن نركز وننتبه على لغة أجسادنا في تواصلاتنا اليومية لكي لا تقول عكس ما تقوله كلماتنا.

– في الأخير لا يسعنا إلا أن نتقدم إليك عزيز مصطفى بأحر عبارات الشكر على هذا الحوار الشيق، والذي نتمنى أن يفيد منه القراء من باحثين ومهتمين ومشتغلين على هذا الموضوع الذي هو لغة الجسد، والتي غالبا ما نهملها ولا نلقي لها بال، شكرا لك مرة أخرى ونتمنى لك مسيرة موفقة في القادم من الأيام.