وجهة نظر

المهندس الحمداوي كما عرفته

في سنة 2008، اشتغلت تقريبا لمدة سبعة أشهر في الموقع الإلكتروني “لحركة التوحيد والإصلاح”.

هذه التجربة المهمة في حياتي، جعلتني اطلع عن قرب -من خلال مكوثي الدائم في “مقر أبيدجان” السابق- على كل ما أراه أمامي، ودونت الكثير من الأشياء، المتعلقة بأدق التفاصيل، وكأني أقوم باستطلاع صحفي من داخل “الإدارة المركزية للحركة” حيث تجتمع “النخبة الحركية” هناك.

ودونت أشياء، لا تتعلق فقط “بالقيادات” بل بالموظفين، بما فيهم المكلف بالطبخ، كنت أدقق في التفاصيل.

في هذه الفترة كان المهندس محمد الحمداوي رئيسا لحركة التوحيد والإصلاح، وكان مكتبه داخل المقر المركزي، وبجواره “مكتب الموقع الإلكتروني”، فكنا نقضي سويا سحابة يومنا داخل المقر، “رئيس الحركة، وكل الموظفين”.

شخصيا من عادتي لا أتواصل كثيرا، مع قيادات الحركة، أكتفي بالملاحظة فقط، ولا يكون التواصل إلا فيما هو وظيفي صرف.
لكن ما هي الصورة التي تشكلت لدي عن قرب حول “شخصية المهندس الحمداوي”؟

أول ما يواجهك حينما ترى الحمداوي “بسطة الجسم” – بارك الله له في صحته- شكله الخارجي يوحي لك، بأنه كاريزما قيادية. شكله هذا يبعث في الناظر إليه، نوعا من الطاقة الإيجابية، طاقة التواضع والسكينة.

أبرز ما يثيرك في الحمداوي “ضحكته”، فصرامته قد تخيفك، لكن ضحته قد تبعث فيك الارتياح، وهو صاحب نكتة يقترب من بنكيران، وسرعة بديهة منقطعة النظير.

سأقول لكم شيئا، إن الحمداوي هو صاحب تحديات، استطاع بجهد كبير أن يقدم تصوره الفكري للعمل الإسلامي كتابة، ويقدم رؤى في هذا الموضوع، حتى لتظن أنه قد سحب موقع التنظير الحركي من محمد يتيم، وألف كتابا يستحق المراجعة.

الحمداوي، ذاكرة حافظة لأدق التفاصيل، كثير الإنصات، دقيق الملاحظة، منظم التفكير، منضبط العمل. ولذلك هو مهندس، له قيادة إدارية متميزة جدا، ومعروف عليه، أنك لن تهزمه في الالتزام بالمواعيد.

وفي عهد محمد الحمداوي، بدأ الاشتغال ب”المخطط الاستراتيجي” باعتبار أن الرجل مهندس التنظيم، وكنت أرى أن الحمداوي، طموحه سيتجاوز الحركة، لأنه يمتلك مهارات قيادية متميزة، وكان الكثيرون يتساءلون ما هي وجهة محمد الحمداوي بعد انتهاء ولايته على رأس الحركة؟

أن نسمع الآن أن مناضلي البيجيدي في مدينة العرائش يقترحونه ليخوض الانتخابات البرلمانية، فهذا شيء عادي وطبيعي جدا، بل هو الأصل، أن ينفتح الحزب على أبنائه أولا، ممن لم يخوضوا بعد التجربة النيابية، فهذا أمر جيد.

والحمداوي له قدرات لا لكي يكون فقط نائبا برلمانيا، بل يمتلك من القدرة على التطور ليكون رئيس الفريق البرلماني، بل ليكون وزيرا، دون الحديث عن موقعه في الأمانة العامة.

منذ سنوات تأكد لي أن حركة التوحيد والإصلاح هي مشروع سياسي بالدرجة الأولى، وتستثمر الدعوة والتربية والتكوين في هذا المشروع، غير أنها لا تباشر العمل الحزبي اليومي، فالذي يقوم بذلك هو حزب العدالة والتنمية.

ولذلك شخصيا، أن ما يطرحه الكثيرون من “مأزق” تعيشه الحركة، أن الحزب استنزف أطرها، هذا ليس مأزقا، هذه هي وظيفة الحركة بالدرجة الأولى، فهي الخزان الأول لأطر الحزب، ولذلك خُلِقت.

المشكلة هي أن الأطر التي انتقلت إلى العمل في الحزب، استفردت بالمسؤوليات، ولم تمنح الفرصة لأطر الحركة لتكتسب تجربة أخرى، وترجع هذه الأطر إلى أصلها لتفيد الحركة (وتستخدم هذه الحيلة “الأخ في الله” هو للدعوة وللأمة).

ما العيب مثلا: أن ينتقل إطار من الحركة، ليخوض تجربة الانتخابات، فيكون برلمانيا، ثم وزيرا، ثم يرجع مرة أخرى إلى الحركة، ليصبح مسؤولا على القطاع الشبابي مثلا

يعني أن أطر الحركة، لها “دورة إصلاحية”، المشكلة اليوم أن بعض الأطر “تكلّسوا في بعض المواقع”.

المشكلة؛ ليست استنزاف الحزب لأطر الحركة، بل من أصبح إطارا في الحزب، وتقلد جميع المناصب، لا يريد أن يؤول إلى أمه الحركة مرة أخرى، ليترك فرصة لإطار حركي جديد ينتشر في الحزب.

وكم هو جميل أن رئيس الحركة الحالي المهندس عبد الرحيم الشيخي، كان في ديوان رئيس الحكومة، ورجع ليقود الحركة، ويعني هذا أن مساحات “انتشار أبناء المشروع” ليست مقتصرة على الحزب فقط، بل هي أوسع من ذلك في الحركة وجمعياتها، ذهابا وإيابا.

ويمكن أن أقول لكم – بكل تواضع- هذا المشروع لا يعيش “تضخما سياسيا” هو في الأصل سياسي، وإنما يعيش “تضخما في ذوات أفراد” يريدون أن يتضخموا باحتكار المسؤوليات المؤثرة في المسار.