وجهة نظر

الإمارات وشبابها والمستقبل.. !

الإمارات دولة شابة ومجتمع شاب سواء لجهة مواطنيه أو الوافدين المقيمين فيه، فالشباب هو سمة مميزة للمشهد الاماراتي، لذا ليس مفاجئاً ولا لافتاً هذا الاهتمام القوي بالشباب من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فهم عماد رؤية “البيت متوحد”، التي تمثل حصانة لدولتنا في مواجهة التحديات والتهديدات الاستراتيجية المحتملة.

هناك نسبة لا تقل عن 50% من إجمالي سكان الامارات من فئة الشباب بحسب تصريحات رسمية، ولأن الامارات تصارع الزمن وتمضي في مضمار سباق تنافسي عالمي شرس، فقد اعتادت ألا تترك الأمور لضربات الحظ، لذا كان قرار تعيين وزيرة دولة لشؤون الشباب في أوائل العشرينيات من العمر، وهناك مجلس الامارات للشباب، وأعضائه من الكوادر الشابة المؤهلة علمياً ومهنياً بشكل جدير بالاعجاب والتقدير، بينما يبلغ متوسط أعمار ثماني وزراء اختيروا للانضمام إلى التشكيلة الحكومية الحالية نحو 38 عاماً فقط.
الشباب أيضاً يحظى برعاية استثنائية من القيادة الرشيدة في دولة الامارات، فمعظم الجهود والخطط الحكومية تستهدف الشباب في جوهرها، سواء في قطاع التعليم والبحث العلمي، أو الإسكان، أو توفير فرص العمل، حتى المرور وشبكات الطرق والنقل تستهدف الحفاظ على أرواح الشباب وحمايتهم من حوادث الطرق وغير ذلك.

للشباب إذن في منظومة القيادة الاماراتية موقع ومكانة حيوية، والمسألة تتعلق بالاستثمار في مستقبل الوطن، ووضع الخطط الجادة لرعاية الشباب هو أحد نقاط تميز الامارات في هذا الإطار، حيث لا شعارات رنانة ولا لافتات بلا مضمون، بل عمل مثمر وجاد وحقيقي من أجل بناء المستقبل، الذي يعني في حقيقة الأمر الشباب، فهم المعطى المرادف للمستقبل.

في ضوء ماسبق جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بشأن ضرورة استثمار أوقات فراغ الشباب بما يفيدهم وينمي قدراتهم، وما يسهم في تعزيز مسيرة التنمية، إذ جاءت هذه الدعوة لتعكس إلماماً واعياً بظروف ومتغيرات الشباب من ناحية، ومعطيات الواقع المعاصر من ناحية ثانية؛ فلا خلاف على أن أصعب تحد يواجه المجتمعات المعاصرة هو بناء وفتح قنوات التواصل بين الأجيال، و”برمجة”لغة حوار بين هذه الأجيال من ناحية، وبين الشباب تحديداً والمجتمع من ناحية ثانية.

صعوبة هذا التحدي تكمن في وجود كم هائل من التدفقات عبر شبكة الانترنت، وهي تدفقات تجمع وتنقل الغث والسمين، و الكثير منها يتنافر مع خصوصياتنا الثقافية والمجتمعية، والكثير منها أيضاً ينطوي على دعايات فكرية متطرفة، ومحاولات للاستقطاب وتجنيد الشباب في مجتمعات عربية وإسلامية مختلفة، سواء للانخراط في صفوف تنظيمات الارهاب والتخريب والتطرف، أو على الأقل التعاطف مع فكرها الهدام عبر أكثر من عشرة آلاف موقع الكتروني يتضمن دعايات متطرفة ويروج للفكر العنيف بشكل مباشر أو غير مباشر.

من المعروف أن دولة الامارات رائدة عالمياً في تبني مفهوم الحكومة الإلكترونية والذكية، وخطت خطوات سبّاقة أهلتها للوصول إلى مصاف الدول الرائدة في التحول الرقمي، ولديها قاعدة بشرية ضخمة من مستخدمي الانترنت ووسائل الاتصالات الذكية، ومن هنا تأتي أهمية توفير الحصانة اللازمة لشبابنا في مواجهة خطط الاستهداف والتصيد، التي يحيكها المجرمون والارهابيين ليل نهار عبر شبكة الانترنت، علاوة على أن الامارات بحاجة فعلية لجهود جميع أبنائهم، لاسيما الشباب منهم، من أجل المشاركة في عملية التطوير والتحديث بعد أن تجاوزنا مرحلة البناء وانخرطنا في سباق التنافسية والابداع والابتكار والتميز العالمي في مؤشراته المختلفة.

شبابنا هم ثروتنا الحقيقية، وهذا ليس كلاماً فضفاضاً أيضاً، بل هناك الكثير من الأدلة والبراهين ما يفسره ويمنحه القدر الأكبر من المصداقية والتأكيد، فالجميع يدرك أن تعدادنا البشري من المواطنين قليل مقارنة بالوافدين المشاركين في عملية التنمية الشاملة بالبلاد، ومن هنا نحرص على كل مواطن ومواطنة قدر حرصنا على مستقبل هذا البلد، فالفتاة أو الشاب من المواطنين والمواطنات هم بالنسبة لنا فرع نابت في شجرة المستقبل، وهم نقطة بداية نبني عليها موقنين بأنه إذا لم يكن لدينا “الكم”فلنراهن على “الكيف”، بحيث نستثمر في مواطنينا من أجل تعزيز تنافسيتهم وتأهيلهم لمستويات قصوى من الأداء في مختلف مجالات العمل والانتاج، بما يعوض النقص العددي الحاصل قدر الامكان، فشبابنا هم “القلب النابض”للامارات كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في إحدى “تغريدات”سموه على موقع “تويتر”مؤخراً بمناسبة اليوم العالمي للشباب، حيث قال سموه “نوجه لشباب وطننا التحية ونشد على أيديهم فهم يدركون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم وهم محل رهاننا الدائم”.

الرهان على الشباب فكرة مثالية جميلة تتردد كثيراً في دولنا العربية والاسلامية، ولكنها تغيب في واقع الأمر عند تحليل السياسات ومتابعة الواقع التنفيذي للحكومات، ولكن ما يحدث في الامارات أن الرهان يترجم إلى خطط مدروسة، ويشق طريقه نحو الواقع عبر كم كبير من التوجيهات والتعليمات التي تخص تمكين الشباب، لذا نجد الشباب يتصدرون المشهد الاماراتي في كثير من مظاهره وتجلياته، وتجدهم أيضاً يبرزون في قطاعات عمل اعتاد الجميع أن تشغل بكبار السن مثل السلك الدبلوماسي وغير ذلك، فالثقة والرهان على الشباب الاماراتي مسألة حقيقية وليست شعارات تتردد كما ذكرت، وما يعزز هذه الثقة أن الطاقات الشابة التي تتولى مسؤوليات كهذه قد تم تأهيلها بشكل جاد بعد أن تلقت تعليماً جيداً واختزلت الكثير من السنوات التي احتاجها البعض للوصول إلى مستويات من الوعي والخبرة والكفاءة لتولى مثل هذه المناصب.

ندرك أن أحد أهم التحديات التي تواجه دولتنا في رحلة صعودها للتنافسية العالمية يتمثل في الابقاء على الموائمة الفاعلة والناجحة بين خصوصيتنا الثقافية والقيمية من ناحية ورغبتنا في مواصلة خطط التقدم والتحديث من ناحية ثانية، وهنا تحديداً تكمن أهمية تصريحات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بشأن ضرورة الاعتناء بالشباب في الاجازة الصيفية وغيرها من العطلات، فنحن في سباق مستمر مع الزمن، ونحن في حاجة ملحة إلى تحصين الوعي الجمعي لهؤلاء الشباب، وتوفير روادع فكرية ذاتية قادرة على صد موجات التغريب والعنف والتطرف وغير ذلك مما تأتي به فترات الاشتباك والانخراط في العالم الرقمي.

“من يريد النجاح يحتاج إلى نظرة تفاؤل وأمل بمستقبل أفضل، ولابد أن تكون ايجابيين وأن نتعلم من دروس وتجارب الآخرين”، هذه كانت رسالة صاحب السمو الشيخ محمد زايد آل نهيان لوفد من شباب الامارات، وهي رسالة أمل يحتاجها شباب بالملايين في مناطق شتى من عالمنا العربي والاسلامي، فالأمل بالفعل هو طوق النجاة لملايين يعانون الإحباط واليأس، فلنكن جميعاً ايجابيين، ونتخذ من تجربة الامارات في الاهتمام الفعلي بشبابها قدوة ونموذجا يحتذى.