منتدى العمق

الصحافة الوطنية: التكرار والرتابة قاعدة والمهنية استثناء

يعرف المشهد الإعلامي الوطني عموما، والإلكتروني والإذاعي خصوصا، في العقدين الأخيرين طفرة غير مسبوقة على مستوى الكم والقوانين المؤطرة والتكوينات المعتمدة في الكليات، من إجازات مهنية وماسترات،زاحمت المعاهد الرسمية والخاصة التي احتكرت الميدان لسنوات عدة .
هذا التزايد على مستوى الكم، لم ترافقة جودة المضامين في الغالب الأعم، وإن كانت بعض الجرائد الإلكترونية والإذاعات الخاصة، غيرت من معالم الاعلام الوطنيب اعتمادها الموضوعية في التناول والأصالة في المواد المنشورة، وقدر عال من المهنية ، في الوقت الذي تعتمد فيه عشرات أشباه المؤسسات الإعلامية عليها ، ويتلقفون موادها دون احترام لأبسط مقومات أخلاقيات المهنة.

الرتابة والتكرار وبعض من المهنية، سمة الإعلام الوطني باختلاف مرجعيته الإيديولوجية وخطه التحريري، وحسبنا تصفح صحيفة وطنية أو صحيفتين لا سيما الالكترونية منها لتكتشف أن الاخبار ذاتها تحوم من حولنا مع تعديل بسيط في الصياغة ، فيصبح السبق الصحفي في خبر كان، وفرق ثوان معدودة، دون أن يعي هذا الغشاش، وفي الغالب يعي ويتعمد النقل مع التصرف أنه ضيع مجهود صحفي “مهني”، يحترم نفسه ونبل مهنة المتاعب، وأساء لنفسه ومصداقية مؤسسته الإعلامية أولا و أخيرا.

للأسف هناك نفس كتاب الرأي، نفس الوجوه، ونفس التيمة، و”الخبرء”والمحللين” وكأن البلاد تعاني أزمة كتاب وكتابة على المنابر الإعلامية، في الوقت الذي يعج فيه الإعلام البديل بآلاف الأقلام الشابة، الجادة المثقفة الواعية، التي إماتنتظر الفرصة المواتية، وإما تخشى مقص الرقابة، وكثرة الخطوط الحمراء، على عكس الفضاء الأزرق الذي يعتبر أكثر رحابة في التطرق للانشغالات الحقيقية لأبناء الشعب، لا المواضيع المبتذلة.

الجنس بالأساس، والمخدرات، والقتل، والإسلام فوبيا، ومؤخراالعلمنفوبيا إن صح التعبير.. مواضيع دسمة في قوالب المختصر، والمختصر الموضح، والمقال الإخباري، ونادرا ما نصادف الأجناس الصحفية الكبرى(الحوار/ الاستطلاع/التحقيق) فهل بغيرهذه الأجناس وتلك المواضيع تستحق صحافتنا صفة السلطة الرابعة ومهنة المتاعب أم لا؟ سواء كانت حزبية أم غير حزبية حتى لا نقول مستقلة، لا سيما وأنها استحقتها عن جدارة في سنوات سابقة ليست بعيدة.

خلال سنوات خلتبعد الاستقلال وقبل موجة الإعلام الالكتروني، ورغم أن الترسانة القانونية لم تكن مشجعة، لعبت الصحافة الورقية الحزبية أدوار طلائعية، تجاوزت الأدوار التقليدية (الإخبار والتثقيف والتوعية) إلى ما هو أهم في ضل قبضة أمنية حديدية، ومعها كان لها بالغ التأثير في صناعة القرار السياسي وتوجيه التحركات الاجتماعية للمواطن المغربي، في محطات تاريخية عديدة مصيرية كتلك التي حملت فيها “جريدة المحرر” لسان حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مسؤولية انتفاضة الدار البيضاء الكبرى في 20 يونيو سنة 1981، التي اعتبرها وزير الداخلية السابق البصري انتفاضة “كوميرا” حيث عمل على تسديد الخناق على الصحافة الوطنية بقوة القوانين الجائرة التي استمرت حتى مطلع التسعينات حين عرف الوضع السياسي انفراجا مهما .

وزير الداخلية كان من حقه توقيف الجريدة أو المطبوع الدوري إن مست ثوابت الأمة المغربية الدينية، والسياسية، كما أعطي للوزير الأول – قبل دستور 2011- سلطة المنع بقوة التعديل الذي طال التشريع القانوني للحريات العامة في المغرب سنة 1960، بموجب الظهيرالملكي 28 ماي من نفس السنة.

لقد تزامنت هذه التعديلات مع إقالة حكومة عبد الله ابراهيم، وهو ما تم تداركه في قانون الصحافة والنشر الحالي الذي نشر بالجريدة الرسمية في عددها ليوم 15 08 2016، بعد مصادقة البرلمان عليه بالإجماع في 26 يوليوز من السنة الجارية.

القانون الحالي 88.13 المتقدم عموما على سابقيه، وإن لم يستجب إلى كل تطلعات الإعلاميين، إلا أنه سحب من الحكومة سلطة منع أو ايقاف صدور أي صحيفة مغربية أو أجنبية إلا بقرار قضائي، كما اعترف لأول مرة بالصحافة الإلكترونية، وورد خاليا من العقوبات السجنية أو السالبة للحرية فيما يتعلق بالنشر، ويضم العديد من المكتسبات الأخرى المضيئة، وهي قفزة نوعية سيكون لها دون شك ما بعدها وخطوة إصلاحية تحسب لحكومة ذ عبد الإله بن كيران ووزيره في الاتصال السيد مصطفى الخلفي. وحدها العقوبات المالية الباهظة تبقى نقطة سوداء في هذا القانون(…)

نتمنى أن يكون نساء ورجال الإعلام في الموعد مع مثل هذه الأوراش الكبرى التي تعرفها بلادنا، وواعون بقدسية الرسالة، وخطورتها، ونبل المهنة، ومدركون أيضاللحجم الذي أصبح يحتله الإعلام في حياتنا، حتى لا يفسدوا علينا ذوقنا ويضيعوا وقتنا ويموهوننا عن انشغالاتنا الحقيقة اليومية أو قضايانا المصيرية الكبرى، في ظل ارتفاع نسب الأمية عند فئة ، وغياب الحس النقدي بالنسبة لفئة ثانية.