
تواجه سياسات التعمير والسكنى تحديات متعددة بسبب تعقيد القوانين التي تنظمها، مما يؤثر بشكل كبير على الدينامية الاقتصادية والتنمية المجالية والتنمية الاجتماعية، خاصة داخل المناطق القروية.وحسب مختصين، فإن السياسات المتبعة تعد حجر الزاوية لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، لكن التعقيدات القانونية يمكن أن تعرقل هذه الجهود وتحد من الفعالية الاقتصادية والاجتماعية، وداخل المجال القروي حيث تفتقر المجتمعات غالبًا إلى الموارد والبنية التحتية اللازمة، تصبح هذه التحديات أكثر وضوحًا وتأثيرًا.
و أوضح الخبير الاقتصادي إدريس الفينة، أن مساطر التعمير أصبحت معقدة منذ سنوات، مما جعل القيام ببعض الاستثمارات أمرًا صعبًا، وهو معطى مغاير لما هو معمول به في العديد من الدول التي عملت على تبسيط هذه المساطر ورقمنتها من أجل تسريع الاستثمار في هذا المجال الذي يعد أساس التطور.
تعقيدات الرخص
وأضاف المتحدث ذاته، أن مجال التعمير يشمل باقي القطاعات الاقتصادية مثل القطاع الصناعي، ولا يقتصر فقط على مجال البناء، وهي أمور مرتبطة أساسًا بقوانين التعمير التي تجعل من الاستثمار يسير ببطء، مسجلا أن الحصول على رخصة البناء يستلزم وقتًا طويلًا مع المرور عبر عدة مراحل، في حين أن الرخصة لا يجب أن تتجاوز أسبوعًا على أبعد تقدير.
من جانبه، نبه شاوي بلعسال، رئيس الفريق الدستوري الديمقراطي الاجتماعي بمجلس النواب، إلى صعوبة الحصول على سكن في العالم القروي، وفق الشروط والمساحات الدنيا المفروضة ومدى مطابقتها مع مساحة العقارات الموروثة، أو المكتسبة إضافة إلى التعقيدات التقنية والإدارية والقانونية للحصول على التصاميم والرخص من أجل البناء والإشتراك في الكهرباء والسكن.
ولتجاوز هذه الصعوبات والعوائق التدبيرية، دعا شاوي بلعسال إلى إضفاء المزيد من التبسيط والدعم التقني للبناء في العالم القروي وفق إطار قانوني وتنظيمي ملائم للمناطق القروية والجبلية، والإستفادة من التجارب الناجحة ومن وقائع تدبير زلزال الحوز التي توفقت القطاعات الحكومية المعنية في السيطرة على آثارها والمعالجة التدريجية لمخلفاتها.
وتابع قائلا: “اليوم أمامنا تحديات وإنتظارات لتحقيق نقلة ودينامية لهيكلة وتأهيل المجالات الترابية وتنشيط الحركية العمرانية والسكنية والتي تتطلب منا توفير الأطر الهندسية والتقنية والفنية المُؤَهَّلَة لقيادة وتنفيذ سياسة الدولة على المستوى الترابي، فالجماعات الترابية على إختلاف مستوياتها أُسْنِدَتْ لها مهام عديدة في هذا المجال دون استحضار النقص الحاد في الأطر الهندسية والتقنية، ومحدودية قدراتها وإمكانياتها”.
وأشار الفينة إلى أن التعقيدات الموضوعة أثرت على قطاع البناء والأشغال العمومية، ولعل أبرز ما يوضح ذلك الأرقام المرتبطة باستهلاك الأسمنت، مسجلًا أن استهلاك هذا المنتج عاد لمستويات 2008، وهو تراجع كبير مقارنة بالسرعة التي عرفها قبل سنوات.
وأكد المحلل الاقتصادي أن ساكنة العالم القروي لا تشكل استثناء داخل هذا التحول، إذ أصبحوا بدورهم يجدون صعوبة في البناء بعدما كان يعرف دينامية مرتبطة بتصحيح وضع البنايات، مشيرا إلى أن المساكن الموجودة على مستوى القرى مزرية كون أن عملية البناء تتم إما عبر التراب أو الأحجار غير الجيدة، مما يجعل الساكنة ترغب في تجديد هذه البنايات لتصبح مقاومة أكثر للطقس الخارجي.
ولفت المتحدث ذاته، إلى أن وثائق التعمير أضحت بدورها تطرح مجموعة من الإشكالات، مما يجعل المدن في وضع لا تحسد عليه من حيث التطور، داعيا إلى وضع قوانين جديدة متعلقة بمجال البناء، خاصة وأن منظومة الإعمار بالمغرب أصبحت بحاجة إلى دفعة قوية من أجل الخروج من يد بعض اللوبيات الإدارية التي تم خلقها لتصبح منظمة ومدبرة، إلا أنها اليوم أكبر عائق داخل هذا المجال.
عوائق قانونية
بدورها اعتبرت نعيمة الفتحاوي، عضو المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن العامل القانوني من بين أهم العوامل المؤثرة في مجال التعمير كما في باقي المجالات الأخرى، فعلى الرغم من المكتسبات التي تم تحقيقها فإن هذا الجانب يعرف مجموعة من العوائق، منها تقادم بعض القواعد القانونية وصعوبة تطبيق بعض المقتضيات المتعلقة بالتعمير وعدم ملاءمة ومواكبة قوانين التعمير للمعطيات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة والتطورات المواكبة.
واستعانت البرلمانية، في تصريحها بتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر في أكتوبر 2022، الذي وصف المساطر المتعلقة بإعداد وثائق التعمير بالمعقدة، مسجلًا أن هذه العملية تتسم بالطول والتعقيد، وتفتقد أحيانًا لما يكفي من الوضوح، بحيث إن المصادقة على أي وثيقة تعمير تظل رهينة بإبداء رأي 33 متدخلًا وتتطلب 113 توقيعًا.
وأكدت الفتحاوي أن التعقيدات المسطرية التي يصعب تتبع مسارها أحيانًا تساهم في ظهور بعض الممارسات السلبية وغير المشروعة. ينضاف إلى ذلك أن الوكالة الحضرية مطالبة بإعداد عشرات من وثائق التعمير لتلبية احتياجات الجماعات الواقعة ضمن نفوذها الترابي، غير أنه وبالنظر لمحدودية موارد الوكالات الحضرية وتعقد المساطر، يستغرق إعداد وثيقة للتخطيط الحضري مدة زمنية طويلة قد تمتد لسنوات.
وأشارت النائبة البرلمانية، إلى أن الإشكالات المتعلقة بالتشريعات القائمة المؤطرة لميدان التعمير لا تتمثل في عدم قدرتها على إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعرفها التكتلات العمرانية فحسب، بل إنها تزيد من حدتها بسبب تثاقلها وجمودها وكونها لم تعد تتماشى مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها المجال.
وأضافت: “ما جعلها غير قادرة على التفاعل مع الاختلالات الاجتماعية والمجالية المنتجة لتعمير غير منظم يكرس التمييز والإقصاء الاجتماعي والمجالي وتفشي البطالة والانحراف وكل مظاهر ضعف الاندماج”.
وشددت الفتحاوي على وجوب حل الإشكالات المتعلقة بالملكية العقارية التي أصبحت من أهم الإشكالات المعيقة للتنمية، خاصة وأن الأخيرة تعتبر من بين العوامل الأساسية المؤثرة في السياسة التعميرية، كما تُعتبر الأرضية الأساسية التي تنبني عليها السياسات العمومية للدولة.
وأوضحت نعيمة الفتحاوي أن التوسع العمراني السريع يتطلب إعمار أراضٍ شاسعة لإيواء الساكنة الحضرية المتزايدة نتيجة للنمو الديمغرافي والهجرة القروية، وتزويد المناطق السكنية بما تحتاجه من تجهيزات تحتية وفوقية، وما يستلزمه التعمير من خدمات أساسية كالماء والكهرباء والتطهير الصلب والسائل والحدائق والمناطق الخضراء ومناطق التنزه والراحة والنقل الحضري، ومرافق عمومية ضرورية كالتعليم والصحة والثقافة والرياضة.
اترك تعليقاً