إفادات وإضاءات في ذكرى ثورة الملك والشعب وذكرى عيد الشباب المجيد

المناسبات والأعياد الوطنية فرصة لتجديد شكر الله تعالى على المملكة المغربية التي شرفها الله وخصها بنعم كثيرة، وعلى رأسها إمارة المومنين الحامية للملة والدين، ففي محكم التنزيل: (وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور).
فالوقوف مع ذكرياتنا ومناسباتنا الوطنية فيه تذكير بجهود المتقدمين، وما بذلوه من غال ونفيس في سبيل تحقيق أمن بلدنا واستقراره، وفي ضمنه بيان وتأكيد على وفاء السابقين في خدمة الثوابت الدينية والوطنية للمملكة المغربية الشريفة، متذكرين في شأن ذلك لآية عظيمة في الحث على العمل والعطاء، وهي قوله جل شأنه: (سنكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين).
فذكرى ثورة الملك والشعب كانت في 20 غشت 1953م، وتم خلالها المطالبة بعودة السلطان محمد الخامس إلى عرشه، وبعدها تحرير الوطن، بفضل النضال والكفاح الوطني.
وهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا تجسد تعلق المغاربة بالعرش العلوي المجيد، كما تؤكد من جهة أخرى على التلاحم القوي بين الملك والشعب في مختلف المحطات التاريخية، وعلى عمق تشبت المغاربة بالثوابت الدينية، وعلى رأسها إمارة المومنين، لتعطي نماذج حية من مظاهر الحب والوفاء من خلال هذه الذكرى ومن خلال ذكرى عيد العرش المجيد، وغيرها من الأعياد والمناسبات الوطنية.
ومن مظاهر الاحتفاء والاحتفال بهذه المناسبة العزيزة ما يقام من أنشطة ثقافية، وعلى رأسها الندوات والمحاضرات والأيام الدراسية، إلى جانب ما كتب حولها مما خطته أنامل الباحثين والمؤرخين، وأذكر على سبيل التمثيل العدد الذي خصص لهذه المناسبة بمجلة دعوة الحق في موضوع: “الذكرى السبعون لثورة الملك والشعب”.
كما أن عيد الشباب الذي يأتي علينا كل سنة في 21 غشت فرصة أخرى للوقوف مع هذه المرحلة المهمة من عمر الإنسان؛ لنطرح على أنفسنا سؤالا عريضا: ماذا قدمنا لثوابتنا الدينية والوطنية؟
ولعلي في هذا السياق، وفي هذا اليوم الوطني أبدأ بالحديث عن العهد المحمدي الزاخر بالعطاءات والمنجزات في البناء الإنساني والحضاري، وهذا ما يدل على الهمة العالية والإرادة الصادقة لمولانا أمير المومنين محمد السادس أعزه الله ونصره، وأكتفي بالتنويه بكتاب “عشرون سنة من العهد المحمدي الزاخر” الذي أرخ لهذه المسيرة المباركة في خدمة الشأن الديني على وجه الخصوص، بما في ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف وعلومهما، إلى جانب المعالم التي أنشئت في عهده نصره الله، وأخص بالذكر “معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات” و”معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية”.
وقد احتفي بهذا الكتاب ضمن الكتاب الجماعي الموسوم: “إمارة المومنين بالمغرب: “التأصيل والخصوصية والأثر” الذي شرفت بتنسيقه، وقد نَظَمَ الكتاب المذكور الأستاذ البدالي المترجي، كما نظم أيضا كتاب “دليل الإمام والخطيب والواعظ” ضمن الكتاب الجماعي الموسوم: “الثوابت الدينية وما جرى به العمل دراسات نظرية ونماذج تطبيقية”
ولعل مما يمكن التذكير به في هذه الكلمة الموجزة بمناسبة عيد الشباب:
أولا: استيعاب مكانة الشباب وقيمته من خلال النصوص الدينية والتاريخية:
فقد دونت السيرة النبوية نماذج كثيرة من إسهامات الشباب في العهد النبوي: ونقتصر من بين هذه المشاهد على ما يلي:
- لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة؛ وأراد بناء المسجد، جعل الصحابة ينقلون اللبن والصخر ويرتجزون، والنبي r ينقل معهم ويقول:
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالُ خَيْبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبِّنَا وَأَطْهَرْ
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
والصحابة يقولون: لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلْ فَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلْ
[الدرة المضيئة من خبر سيد البريئة ص: 165-166]
2-مشهد جمع القرآن الكريم:
فقد جُمِع القرآن الكريم في مصحف بعد أن كان مفرقا في العسب والرقاع والصحف وصدور الرِّجَال في العهد البكري، وتكليف سيدنا زيد بن ثابت بهذه المهمة العظيمة مثال على علو همة الشباب، وحضورهم القوي في نوازل الأمة وقضاياها المختلفة، وإن في قول أبي بكر الصديق لزيد بن ثابت رضي الله عنهما: “إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمك، وإنك كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه“. ما يصدق كبير اعتماد الأمة على الشباب، فما كان منه إلا أن قال: فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. [الجامع المسند الصحيح للبخاري، (6/ 71)].
ثم شرح الله صدره، وسار يتتبع القرآن من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى جمع في مصحف واحد، وهو الذي نسخ منه بَعْدُ نسخ في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فينبغي العناية بفترة الشباب التي هي فترة الفتوة والقوة والإنتاج، قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: ” اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك “. [ السنن الكبرى للنسائي (10/ 400)].
وقال صلى الله عليه وسلم: ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟، وعن شبابه فيما أبلاه؟، وعن ماله؛ من أين اكتسبه، وفيما أنفقه؟، وعن علمه ماذا عمل فيه؟“. [المعجم الكبير للطبراني (20/ 60)].
ثانيا: جهود العلماء الشباب في الارتقاء بالإرث الإنساني والحضاري في مختلف العلوم والفنون:
فالمتتبع لسير العلماء الشباب وتراجمهم من خلال بداياتهم في طلب العلم والرحلة في سبيل تحصيله، ثم بعد ذلك ما بذلوه في التعليم والتأليف يلمس قيمة هذه الفترة الزمنية، وهي من السبل التي تحقق البركة في العمر، وتحقق الحياة الطيبة التي ذكرها القرآن الكريم.
وقد كان لأهل المغرب من ذلك الحظ الأوفى؛ كما هو مدون في سيرهم وتراجمهم.
ولعل مما يمكن الاستئناس به في هذا المقام كتذكير بقيمة هذه الفترة الزمنية في عمر الإنسان عناية كثير من المفسرين بهذا الجانب، ونذكر على سبيل التمثيل بعض المؤلفات في تفسير سورة يوسف الصديق؛ وهي كثيرة جدا، ومنها:
-كتاب الزهر الأنيق في قصة يوسف الصديق للإمام عبد السلام بن عبد الغالب المسراتي القيرواني المتوفى سنة 646هـ، وقبله أيضا الإمام ابن الجوزي (ت597هـ) بنفس العنوان، وكذلك الإمام السهيلي (ت 581 هـ) رحمه الله أحد رجالات مراكش السبعة في كتاب منسوب له أيضا سماه “الزهر الأنيق في تفسير سورة يوسف الصديق”، كما نجد أيضا كتاب “الروض الأنيق في قصة يوسف الصديق”، وكتاب “الأنيق في فوائد قصة يوسف الصديق”.
ثالثا: ما يقام من مسابقات وجوائز تحفيزية للشباب في مختلف الميادين:
وهذا من الأدلة على عناية المغرب بالشباب، من خلال تحفيزه على البذل والعطاء، وتقديم كل ما من شأنه أن يخدم هذا البلد الكريم، فقد خصصت على سبيل التمثيل جوائز ملكية مختلفة؛ لأهل القرآن الكريم والحديث الشريف وللكتاتيب القرآنية وغيرها.
كما نجد مجموعة من الوزارات؛ كوزارة الأوقاف ووزارة الثقافة تخصص مجالا واسعا للعناية بالتراث، من خلال طباعة الأبحاث العلمية والدراسات التي تعنى بتحقيق المخطوطات، ومن خلال تخصيص جوائز تحفيزية للشباب من أجل الإبداع والعطاء.
فنسأل الله تعالى في ختام هذه الكلمة أن نكون ممن يسعى في تقديم ما ينفع هذه الأمة، ويمضي بها قدما إلى تحقيق معالي الأمور، وتحقيق الأمن والاستقرار بتوفيق الله وتيسيره.
حفظ الله مولانا أمير المومنين، وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس وأدام عزه ونصره، وأدامه لهذا الوطن منارا عاليا وسراجا هاديا، وأبقاه ذخرا وملاذا لهذه الأمة، وأقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل المولى الحسن، وشد عضده بصنوه السعيد مولاي رشيد، وفي كافة أسرته الملكية الشريفة.
وارحم اللهم الملكين الجليلين؛ مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأدخلهما برحمتك في عبادك الصالحين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.
اترك تعليقاً