منتدى العمق

دخول عصر نهاية المؤامرة

في وقتٍ ما من تاريخ مغرب-ما-بعد-الإستقلال ساد خطاب بين الطبقة الشعبية المغربية بأن ما اصطُلِحَ عليه “بالمخزن” لا يريد خيراً بهذا الشعب و أنه يفعل كل ما بوسعه لكي يحُد من انتشار التعليم بين طبقاته الدنيا و يحاصر طموحات التواقين للعلم و النبوغ الفكري من بين أبناء تلك الطبقات..

ساد هذا الخطاب قبل الثورة المعلوماتية و الرقمية التي لعبت دور الجيش الفاتح الذي يَغِيرُ على المدينة السَّليبة فيحرر أسراها و يفك أغلال مُعتَقَليها.

مع هذه الثورة التي تزعمتها القنوات الرقمية أولا ، كقناة الجزيرة منذ 1997 التي شكلت لسنوات الرأي العام العربي و المغربي، و من بعدها الهواتف الخلوية التي بدأت في الإنتشار بالمغرب مع بداية الألفية الثالثة، هذه الهواتف المتصلة بالإنترنيت جعلت العالم قرية بحجم كرة المضرب فوق كَفِّ المُتَصفح ،جاعلةً من هذا الأخير الصحفي الراصد و المرصد المتحرك، مُمَكِّنَةً إياه من العديد من السلط، و مانحةً إياه هامشا أوسع للمساهمة و البناء، جاعلةً إياه مسؤولا عن مواقفه و قراراته و اختياراته.

الآن يبدو أن المواطن سيد نفسه فعلا ؛ و المثير للإستغراب أنه أصبح أكثر ارتباطاً بالواقع من خلال عالم افتراضي كالمرآة يرى فيه نفسه و غيره، وأصبح الحال و المآل وجهان لعملة واحدة، يُقَلِّبُها بين يديه كل صباح، بل في كل لحظة، كما يقلب هاتفه المحمول بين يديه عشرات المرات في اليوم.

أكبر الرابحين في هذه الثورة الإعلامية هما السياسة و علم الإجتماع، لكون الإنترنت قدمت خدمات جليلة، و لا تقدر بثمن، لهذين الحقلين المعرفيين و جعلتهما أكثر وضوحا و قربا من المواطنين. بالمقابل أعتقد أن أكبر الخاسرين هم أولائك الذين يعيشون بنَفَسِ التحكم، هم كذلك الحاملين لمشاريع سياسية فاسدة أو فاشلة… فالتكنولوجيا قادرة على فضحهم و إزعاجهم، و من ثَمَّ إرباكهم و إظهارهم على أنهم يقتاتون على جهل الغير و يأسه.

انتشارالتكنولوجيا و توسع سلطة الإعلام البديل لن يكون إلا بدايةً لنهاية سياسة المؤامرة التي كانت تقصي نسبة 95 بالمائة من المواطنين من البلوغ إلى الحقيقة و اتخاذ مواقف بناءً على قِراءَتهم لمعطياتها، و التي كانت ترسم لهم مسالكَ مُحدَّدة سلفا و تُدخِلهم مُربعاتِ تفكير مُتَحَكَّمٌ فيها. بالمقابل سيسمح ذلك الإنتشار و التوسع بانتعاش فكرة الإصلاح و بناء النموذج التنموي المغربي الذي يقوده العدالة و التنمية مع باقي المتشبثين بتيار النزاهة و المصداقية. أقول العدالة و التنمية لأننا نسلم بأنه الحزب الوحيد الذي يقدم لمنتسبيه برنامج تكويني متواصل يقوم على أساس تربوي هو في متناول كافة المغاربة، لكن الفرق يكمن في القدرة على القراءة و الإتباع، و بين الإكتفاء بالقراءة فقط، دون الإمتثال و الممارسة. فوصايا تربوية ، كقوله تعالى ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ”، و الحديثين الشريفين “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإنك إن لم تكن تراه، فإنه يراك” ، و “اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا “، كفيلةٌ بأن تصنع شباب و مواطنون قادرون على صناعةِ نهضةٍ صادقةٍ و حقيقية.

الدار البيضاء،الأحد 28 غشت 2016 الموافق ل 25 ذي القعدة 1437