منوعات

أحمد الريسوني يكتب: نازلة طنجة في إثبات النسب من الزنى

قضت المحكمة الابتدائية بمدينة طنجة مؤخرا بإثبات نسب طفلة ولدت من علاقة سفاح بين رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زوجية، وذلك بناء على طلب الأم. وقد اعتمدت المحكمة على نتائج الخبرة الطبية التي أكدت الأبوة البيولوجية بين الطفلة والمدعى عليه.

كما قضت بالتعويض لفائدة الأم المدعية بسبب الأضرار التي لحقتها…

شاهد تفاصيل الخبر: سابقة بالمغرب .. قاضي يقضي بنسب طفل مولود خارج إطار الزواج لأبيه البيولوجي

وهذا الموضوع سبق لي أن عالجته منذ 25 سنة، في أطروحتي للدكتوراه (نظرية التقريب والتغليب)، التي نوقشت سنة 1992، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. وفيها عرضت رأيي مفصلا ومعززا بالأدلة الشرعية. وعرضت رأيي آنذاك على شيخنا العلامة القاضي محمد الرافعي، وعلى الصديق المحامي الأستاذ مصطفى الرميد.

ومضمنه أن وَلَـد الزنى ينسب لأبيه إذا أقر بزناه بأم المولود، وأن الولد منه، ولم ينازعه في ذلك زوج للمرأة الشريكة في الزنى إن كانت متزوجة. وهذا هو قول بعض علماء السلف كالحسن البصري وابن راهويه وغيرهما. وهو القول الذي اختاره ونصره ابن قيم الجوزية. ومما استدل به ابن القيم: الحديث الصحيح في قصة الرجل الصالح جريج (من بني إسرائيل) الذي اتُـهم زورا بالزنى بامرأة أتت بمولود من غير زوج لها. فطلب منهم جُريج إحضار المولود “فمسح رأس الصبى وقال: من أبوك؟ قال: أبى راعى الضأن…”. والشاهد أن الصبي الذي أنطقه الله وصف الراعي الذي زنى بأمه بأنه أبوه. قال ابن القيم: “وهذا إنطاق من الله لا يمكن فيه الكذب”.

وأما جمهور الفقهاء قديما، فقد أثبتوا نسب ولد الزنى لأمه دون أبيه، لكون بُنوّته لأمه معلومة قطعية، بخلاف نسبته للأب، ففيها ما فيها من شكوك وتنازع. فلذلك عنهم لا ينسب ولد الزنى للزاني.

لكننا اليوم عموما، وفي هذه النازلة تحديدا، أصبحنا أمام معطى جديد تماما، لم يعلمه فقهاؤنا ولم يتكلموا فيه بشيء، ولم يحسبوا حسابه، وهو إمكانية التحقق العلمي الجازم من نسبة المولود، من خلال التحليلات الطبية اليقينية. بمعنى حتى لو أنكر الزاني جملة وتفصيلا، فإن الكلمة تكون للخبرة الطبية متى كانت قطعية الإثبات. وأما في خصوص نازلة طنجة، فالزاني معترِف ومدان قضائيا بزناه، والخبرة الطبية أثبتت قطعا أنه هو أبو المولودة موضوع الدعوى. فعلاقته بالمولودة خرجت من دائرة الشك ودخلت دائرة اليقين.

ومن القواعد الفقهية المقررة في مسألتنا أن “الشارع متشوف لإثبات النسب”. بمعنى: حتى حين يكون إثبات النسب متأرجحا بين أسباب قبوله وأسباب رفضه، فهذه القاعدة تكون سببا مرجحا لتصحيحه وقبوله.

فلذلك أرى أن حكم المحكمة بإثبات النسب في هذه الحلة حكم صحيح سديد. وكذلك لو حكموا بالنفقة للبنت، فهي مستحَقة وتابعة ضرورةً للحكم بثبوت النسب.

وأما الحكم للأم الزانية بالتعويض فهو مستغرب؛ إذ كيف يكافأُ شخص على فعل مجرَّم هو شريك فيه على التساوي مع الشريك الآخر. أما ما أصابها من ضرر مزعوم “فعلى نفسها جنت براقش”. ولذلك فهي مثل شريكها مستحقة للعقوبة لا للتعويض.

نعم، لو اغتُصبت المرأة وأكرهت على الزنى، لكان جبر الضرر وجيها. أما أن تزني برضاها، ثم يُـحكم لها بالتعويض فهذا غير مفهوم عندي!

تعليقات الزوار

  • جاسم ابو نواف
    منذ 7 سنوات

    إذن أرسل اخواتك وبناتك وقريباتك ومحارمك إلى الجامعات ليحلو المشكلة التي تتحدث عنها..

  • عبد اللطيف الريسوني
    منذ 7 سنوات

    موضوع اثبات حكم الحاق الولد بابيه الزاني بالدليل العلمي , قرار علمي وليس فقهي , لانملك التشكيك فيه , الذي اثار انتباهي هو : هل يمكن اعتبار الزاني ابا ؟ بمفهوم الابوة في الشريعة الاسلامية ؟ وبالتالي تترتب عليه احكام واجبات الابوة ؟ لان الامر لا يمكن اختزاله في السبب في الحمل , لان للابوة قدسية لايمكن ان نضفيها على الزاني , لاننا عندما نفعل نكون في حالة تجاوز امور هي من صلب العقيدة , باعتبار الزنى من الكبائر التي تترتب عليها احكام الشرع القطعية

  • عبدالرحيم شمشاطي
    منذ 7 سنوات

    .هل يمكن التوسع قليلا في مسألة الإكراه لنميز بين ما هو مباشر وماهو غير مباشر لأن العديد من الاكراهات لايمكن الوقوف عليها ولا تعرفها إلا المعنية بالأمر.

  • مصطفى الزراولي
    منذ 7 سنوات

    طيب يا أستاذ ماذا سيستفيد المولود بعقوبة الأبوين ؟ ثم ماذا سيستفيد المجتمع من عقوبة الأبوين ؟ المجتمع تغير رأساً على عقب فلا علاقة له مع المجتمع البدائي القبلي الذي كان سائداً وقت نزول القرآن .. لا شك وأن لكل حكم علة فإن انتفت العلة انتفى الحكم .. وأنتم متخصصون في فقه المقاصد .. فماذا نقول اليوم عن التسري بالجواري والزواج بالصغيرة (أقل من القاصر) وماذا عن أم الولد وعن ملك اليمين بلا حدود ؟ ثم هل كان في الماضي الشباب والشبان يذهبون للمدارس والجامعات حتى ما بعد سن 25 سنة .. فماذا يفعلون خلال العشر سنوات بعد البلوغ .. لا يمكن أن ننصحوهم بالصيام على الدوام .. اطرحوا يا أستاذ بدائل مقبولة تساير إكراهات العصر .. علماً أنه في نظري الخلف أكثر "خلقاً" من السلف في مسألة الزواج بواحدة فقط دون التعدد وملك اليمين .. مع التحية

  • منال من طنجة
    منذ 7 سنوات

    المحكمة حكمت ببنوة الطفلة وليس النسب وعليه حكمت بتعويض الام وليس بنفقة الطفلة !!!!!!!

  • علي ادريوش
    منذ 7 سنوات

    الريسوني يغلط الناس فالحكم يتكلم عن البنوة بدليل انه رفض الطلب بخصوص طلب النفقة لأن لا وجود للنسب فحكم بالتعويض انطلاقا من ف 77 ق.ل.ع فالفرق كبير بين النسب والبنوة

  • علي ادريوش
    منذ 7 سنوات

    اعد قراءة الحكم فهو لم يثبت النسب وإنما البنوة لذلك رفض طلب النفقة وحكم بالتعويض لدى لا تغلط الناس بقراءتك المغلوطة للحكم

  • علاء الدين
    منذ 7 سنوات

    بالنسبة للمقصود بمسألة التعويض في هذا المقام هو تعويض الزوجة على ما أنفقته على البنت .

  • د.عادل خالد
    منذ 7 سنوات

    يا استاذ. ما دليلك على قاعدة فقهية تصفها بالمقررة وهي " ان الشرع يتشوف لإثبات النسب" وتبني عليها مخالفة رأي جمهورالفقهاء في نازلة اثبات البنوة لإبن السفاح. وحتى بعض الفقهاء الذين ذكرتهم كان رأيهم في نازلة إقرار الاأب..وهل تصدق قصة جريج.التي تصفها بالحديث الصحيح وهي من الإسرائيليات

  • د.عادل خالد
    منذ 7 سنوات

    السلام عليكم . هل من الإجتهاد أن تضرب.صفحاً على حديث صحيح رواه مسلم " الولد للفراش" وعن رأي جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة في عدم نسبة ابن الزنا لأبيه..وتعتمد على قصة من الإسرائيليات تصفها بالحديث.الصحيح... .ويعض آراء ترجع الى نازلة أخرى وهي وهي إقرار الزاني .... والسلام عليكم ورحمة الله

  • عبد العلي
    منذ 7 سنوات

    تحياتي للشيخ الجليل استنباط في محله

  • محمد بشري
    منذ 7 سنوات

    المعدوم شرعا كالمعدوم حسا