منوعات

خطاب ثورة الملك والشعب: والموجة الثالثة من خطاب القيادة الإقليمية

خطاب الملك محمد السادس لثورة الملك والشعب هذه السنة هو تعبير عن الموجة الثالثة من خطب القيادة الإقليمية، إذ توجهت الموجة الأولى إلى تحديد معالم الريادة والقيادة الإقليمية، ورسم خطاب الملك في القمة المغربية الخليجية محددات الموجة الثانية من خلال بسط خيارات المغرب في التعامل مع القوى الدولية التي تعمل على إعاقة إشعاعه وإدخاله ضمن مخططات التقسيم لإضعافه، وجاء خطاب الموجة الثالثة يتوج هذه القيادة من خلال الانتصاب لمخاطبة الإقليم من موقع القيادة والريادة، ومحاورة الضفة المتوسطية الشمالية حول التحديات التي تعاني منها المنطقة، والدور المركزي الذي يقوم به المغرب من أجل ضمان استقرارها وتنميتها.

مقومات خطاب القيادة الإقليمية في الموجة الأولى ركز على النموذج الديمقراطي والتنموي داخل المغرب، وصلابة الجبهة الداخلية ودرجة جاهزية وتعبئة الرأسمال البشري المغربي لرفع تحدي الالتحاق بالدول الصاعدة. مقومات تعتمد في الأساس السياسي، على انهاء الصراع في الداخل على السلطة، وإجماع الفاعلين السياسيين حول الملكية، وصيانة الاختيار الديمقراطي، كما ترتكز في الأساس التنموي على تثمين الرأسمال البشري، ومحورية العدالة الاجتماعية فيه، وتصحيح أعطاب النموذج السابق، واستعمال الذكاء الاستراتيجي في التقاط الفرص لتقوية هذا النموذج، وضمان توسعه وامتداداته، كما تعتمد في جانب آخر، مقومات استراتيجية أخرى أظهرت قوتها التحديات التي برزت في المنطقة، ودور المغرب في الإجابة عنها: الدين، والأمن. أي النموذج المغربي في إشاعة إسلام وسطي معتدل مجدد ومواكب للتطورات، ونموذج مقاربة أمنية استباقية في محاربة الإرهاب وتفكيك خلاياه، قبل أن يصل إلى مراحل تنفيذ مخططاته التخريبية.

خلاصة الموجة الأولى من خطاب الريادة والقيادة الإقليمية هو جبهة داخلية قوية بالاختيار الديمقراطي، ومغرب آمن مستقر، ونموذج تنموي يراعي إحداث قدر مهم من التوازن الاجتماعي، ونموذج ديني وأمني برز الطلب الخارجي عليه بشكل كثيف سواء على المستوى الإفريقي أو العربي أو الأوربي.

الموجة الثانية من خطاب الريادة والقيادة الإقليمية، توجه إلى مخاطبة القوى الدولية التي تعمل على إعاقة تطور هذا النموذج، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمعن في توظيف نزاع الصحراء ، وتستعمل ورقة حقوق الإنسان بشكل انتقائي وغير موضوعي لإضعاف المغرب، وتمارس قدرا غير قليل من الابتزاز السياسي ضد مصالح المغرب الاسترتيجية، وتتعامل سياستها الخارجية بازدواجية منافقة (التحالف الاستراتيجي من جهة، وإنتاج مخططات التقسيم من جهة مقابلة). خطاب الموجة الثانية اتجه إلى بسط خيارات المغرب في وجه القوى التي تعيق قيادته الإقليمية: خلق كتلة صلبة مع دول الخليج والأردن، تتفاوض بشكل جماعي مع الولايات المتحدة الأمريكية لتحصين استقرارها ومواجهة المخططات التي تستهدفه، والإعلان عن استقلاله في تحديد شركائه الاستراتيجيين (روسيا وغيرها) لتحصين نموذجه وريادته الإقليمية.

أما الموجة الثالثة، فكانت معالمها مختلفة، لئن الخطاب فيها توجه إلى أكثر من مخاطب: توجه إلى أوربا والدول التي تسعى لإعاقة تمدد المغرب في عمقه الإفريقي، ليذكر الجميع بأن القوة التنافسية للمغرب تكمن في تتعدد عناصرها، فتشمل المقوم الديني الذي يربط إفريقيا تاريخيا وحضاريا بصلات روحية لا يمكن أن ينافس المغرب فيها، وتشمل النموذج التنموي المغربي القائم على مساعدة إفريقيا للنهوض التنموي بدل استغلال ثروتها والتعامل معها كسوق استهلاكية، وتضم أيضا دور المغرب في مساعدة إفريقيا على تحقيق الأمن والسلام سواء بخبرته الدينية، أو الأمنية، أو بمساعدتها على النهوض ووضع المواطن الإفريقي في صلب التنمية.

كما توجه هذه الموجة من الخطاب إلى أوربا التي تضغط على المغرب حقوقيا بخلفية تعامله مع المهاجرين وتمعن في الضغط عليه ليكثف من جهوده لحماية الضفة المتوسطية الشمالية ومن مخاطر الهجرة والإرهاب والجريمة العابرة للحدود والتجارة في البشر. الخطاب واضح، فالمغرب لم يختر الانتقال من دولة للعبور إلى دولة للإقامة استجابة لهذه الضغوط، وإنما اندرج ذلك ضمن رؤية استراتيجية للقيادة الإقليمية، ولذلك فهو لا يحتاج أن يتلقى الدروس من دول لا تقدم معشار ما يقدمه المغرب للمهاجرين الأفارقة .

أما المخاطب الثالث في هذه الموجة الثالثة، فهم المغاربة وعموم المسلمين في أوربا، وهذه المرة يصدر الخطاب من الشرعية الدينية للقيادة الإقليمية (إمارة المؤمنين) ليصحح مفهوم الإسلام، ومفهوم الجهاد، وضوابطه، وأنه لا أحد يملك حق إعلانه إلا أمير المؤمنين، وليعلن الحرب على التطرف والغلو والإرهاب، ويكثف لأول مرة من استعمال النصوص الدينية ليثبت خروج الجماعات الإرهابية عن الدين وتنطعهم عن مقاصده السمحة، ويثبت في المقابل سلمية الإسلام، ورسالته العالمية في التعايش والرحمة، ويستدل بتجربة الحضارة الإسلامية في إذكاء روح التعايش والتسامح مع الأقليات الدينية.

المخاطب في الموجة الثالثة أيضا هو المسلم في أوربا الذي يعاني من موجات الكراهية والحقد والعنصرية، تدعوه القيادة الدينية إلى التحلي بالصبر وترسيخ صورة التقاليد الإسلامية العريقة والقائمة على قيم الرحمة والحوار التعايش والتسامح، وعدم الانجرار إلى خطاب العنف والغلو والتطرف.

المخاطب في الموجة الثالثة كذلك قيادات أوربا السياسية والمدنية والدينية، يكشف لها الخطاب الملكي أهمية القيادة الروحية الممثلة في إمارة المؤمنين في تأطير المغاربة المسلمين المقيمين في أوربا وكافة مسلمي أوربا بالإسلام الوسطي المعتدل القادر وحده على تحصين الأجيال القادمة، والإجابة عن التحدي الإرهابي التي تواجهه أوربا.

يريد الخطاب أن يبعث برسالة واضحة لأوربا يقول لها: ليس البديل هو إلصاق التهم بالمسلمين عند أي تهديد إرهابي، ولا إقامة علاقة مطردة غير متيقن حولها بين الهجرة والإرهاب، ولا بعث موجات الإسلاموفوبيا والكراهية والعنصرية للمسلمين، ولا سياسات ا