منوعات

طارق يكتب عن الشوباني: الزهد أم المواطنة ؟

مع واقعة الحبيب الشوباني الأخيرة، لا بد من الوقوف الموضوعي على جزء من الإشكاليات التي يطرحها سؤال الإلتزام الأخلاقي للفاعل السياسي؟

وهو ما يفترض مغامرة التحرر قليلا من وثيرة النقاش أو الأصح الجدل الذي يطبع مرور مثل هذه القضايا داخل وسائط التواصل الاجتماعي .

فإذا كانت هذه الوسائط قد غدت بلا منازع سلطة رقابية نافذة ،فإنها في المقابل تحمل في طبيعتها الجوهرية الكثير من فخاخ الانجرار وراء الانتقائية أو السهولة او التعميم أو الشطط في توزيع الإتهامات،و المؤكد أنها كغيرها من وسائل التواصل معرضة للسقوط في الإستراتيجيات المتقاطعة للإستعمال السياسي و مناورات التصفية والحروب المستمرة بين الفاعلين .

هذه السلطة الرقابية ،تشتغل – في مفارقة واضحة -بحدة أكبر كلما تعلق الأمر بفاعل سياسي يزاول مهمة انتدابية أو تدبيرية ،وبحدة أقل في حالة رجال السلطة أو التقنقراط، وداخل الحلقة الأولى فإن الحدة تزداد بشكل تصاعدي كلما ارتبط الأمر بفاعل سياسي ينتمي إلى منظومة حزبية بخلفية قيمية وأخلاقية واضحة في الخطاب وفي الممارسة.

في الحالات الواضحة للقضايا التي تكيف جنائيا كملفات للفساد ،سواء تعلق الأمر بالرشوة أو السرقة وخيانة الأمانة أو تضارب المصالح أو استغلال النفوذ أو التسريبات المخلة بالتنافس …،نبدو أمام حالات مدرسية لفساد مدبري الشأن العام،سواء كانوا منتخبين أو رجال سلطة أو مسيرين عموميين،تقتضي بعد التحري والإثبات موقفا أخلاقيا قطعيا و تفعيلا طبيعيا لآليات المتابعة القانونية والقضائية.

الإشكالية تطرح عندمايتعلق الأمر بحالات رمادية، لايمكن تكييفها كقضايا فساد من الناحية القانونية والجنائية ،لكنها تثير شبهة أخلاقية وسياسية !.

إنها لاترتبط بمجال القانون لكن بمجال الأخلاقيات ،إذ لايمكن بصددها تحريك مساطر المتابعة القضائية ،لكنها تشكل مسا مباشرا بالنزاهة الأخلاقية الفاعل العمومي.

وهنا فإن مجال الشبهة،الموجود بين الاستقامة و الانحراف، يظل أكثر غموضا و اتساعا و صعوبة في التحديد.
ذلك ان هذا التحديد يرتبط بطبيعة الشبكة المرجعية التي نقرأ من خلالها كل حالة على حدى ،وهي شبكة تختلف باختلاف تفضيلاتنا القيمية وتقديراتنا الخاصة كحزب أو نقابة أو جمعية أو منظمة إدارية .

لذلك تجد بعض الأحزاب نفسها مظطرة إلى الاتفاق على مدونات دقيقة للسلوك ،تفترض عقوبات تنظيمية و مساطر للاستماع والدفاع ،و هيئات للتحكيم ،فيما لا تجد أحزاب أخرى حرجا في تفادي مثل هذه القواعد و الأعراف و التقاليد التنظيمية ،بالنظر للتفاوت في طبيعة تمثلها لحضور الشرط الأخلاقي في ممارستها السياسية.

في كثير من المرات يدعونا التفكير في هذا الموضوع، إلى طرح سؤال ضروري حول ما المطلوب بالظبط من الفاعل السياسي ،على مستوى التزامه الأخلاقي، هل يفترض فيه الزهد و التعفف في ممارسة بعض من حقوقه المكفولة بالقانون، أم يجب عليه فقط ممارسة مواطنته الكاملة بلا أدنى تمييز سلبي مع باقي الأفراد من جهة ،ولا مواطنة امتيازية في الجهة المقابلة،بدون “دروشة”من جهة ولا استغلال للنفوذ من جهة أخرى ؟.

وهل يمكن أن لا يحق للفاعل السياسي ما يحق لغيره من المواطنين؟