منتدى العمق

الطفل والجنس

لقد استفاض مؤسس التحليل النفسي في موضوع الجنس؛إلا أن الجنس هنا فى معناه الأعم لا يتم حصره في فعل التناسل المتمثل في تلاقح الأعضاء التناسلية لكل من الرجل والمرأة؛بل الجنس هو كل ما ينضوي تحت قطب اللذة ويبلغ مداه في الفعل الجنسي بين الذكر والأنثى؛ولقد أكد فرويد على الجنسية الطفلية التي زكتها بحوث علمية لخصها في كتابه “ثلاثة مباحث في نظرية الجنس” وكذا مؤلفه “الحياة الجنسية”ولذلك دعى للتفكير الجدي في تربية جنسية تستهدف الأطفال بعد مراجعة كل المواقف التي تنكر الجنسية الطفلية وترفع الطفل لمصاف الملاك البريء من كل ميل جنسي.

هكذا وفي رده عن رسالة د.م.فورست عن الشروح الجنسية التي تعطى للأطفال أكد على أن الجبلة الجنسية-النفسية والتأذيات التي تتعرض لها الحياة الجنسية أهم مصدر للأمراض العصابية(الخوف-اضطراب في الشخصية- هواجس-القلق والوساوس- الشكوك….)الواسعة الانتشار وهو ما بينه بتفصيل في كتابه “ثلاثة مباحث في نظرية الجنس” حيث شرح تركيب الغريزة الجنسية والاضطرابات التي يتعرض لها نمو هذه الغريزة وتطورها إلى الوظيفة الجنسية.

يتساءل فرويد عن السبب والغرض من إخفاء الشروح بصدد الحياة الجنسية عن الأطفال بمبررات واهية:

احتواء الغريزة حتى يأتي اليوم الذي تسلك فيه الطرق التي يفتحها أمامهم النظام الاجتماعي البورجوازي.

– الخوف من إيقاظ الاهتمام قبل الأوان.

كل هذا ما يؤدي بالطفل للحكم في المستقبل عن الجنس بكونه شيء دنيء وشنيع بل ويقر بأن الاختلاف يجب أن يكون عن العمر والصورة التي يمكن أن نقدم بها تلك الشروح ولهذا يعتمد على ما وجده في رسالة المفكر الكبير مولتاتولي إلى أسرته الهولندية حيث أنه من الحكمة صون طهارة خيال الطفل ولكن ليس بالجهل؛فالإخفاء يزيد الطين بلة حيث فضول الطفل يؤدي إلى طلب معرفة المزيد في حين لواستجبنا لأسئلته دون إسراف في التفاصيل لما أعاره اهتمام ولتجنبنا ضرام القلب وفساد المخيلة وانزلاق الأطفال إلى الخطيئة ووراء موقف تكتم الأهل جهل نظري وتحشم معهود وإحساسهم هم أنفسهم بالخطأ واعتقادهم بعدم وجود الغريزة الجنسية عند الأطفال حتى البلوغ ونضج الأعضاء الجنسية في حين أن كل وليد يحمل معه إلى الدنيا الجنسية sexualité والأحاسيس الجنسية (هذا مفصل في كتاب ثلاثة مباحث في نظرية الجنس) حيث وجود مناطق شهوية تتولد منها أحاسيس لذية جنسية على غرار الأعضاء التناسلية وهي فترة يسميها هافلوك إيليس havelock ellis بالإيروسية الذاتية قبل أن تضع نفسها في خدمة وظيفة التناسل حيث إعطاء الأولوية للأعضاء التناسلية على سائر المناطق التي تنتج اللذة وهذه الإيروسية تعطلها ضروب شتى من الكف وبالتالي فتح الباب للشذوذ والعصاب مستقبلا وخير دليل هو كون الطفل قبل البلوغ بزمن مديد ينجز معظم الأفعال النفسية للحياة الحبية (المحبة؛التفاني؛الغيرة..)وتصاحب هذه الحالات النفسية أحاسيس بدنية ناشئة عن الإثارة الجنسية.

زبدة الكلام هو أن الطفل مهيأ قبل البلوغ للحب ما عدا إمكانية التناسل؛وكل تكتم في الأمور الجنسية يحرم الطفل من القدرة على التحكم عقليا بأفعال هو مهيأ نفسيا لها ومكيف لها بدنيا ويستدل فرويد بالاهتمام المبكر بالجنس لدى الأطفال بالطفل هانز الصغير ذو 4 سنوات الذي بدأ يهتم مبكر بالجزء التناسلي الذي أطلق عليه “قرقورة”(قرقر تعني بال) وسأل في سن 3 سنوات أمه “ماما ؛هل لك أنت أيضا قرقورة” وأجابته “بالطبع وماذا كنت تظن؟” وكذلك فعل مع أبيه وعندما بصر بقرة تحلب قال” انظري إنها تخرج الحليب من القرقورة” وعندما رأى قاطرة يخرج منها الماء قال “انظري؛القاطرة تقرقر فأين قرقورتها إذن” وقال “للكلب والحصان قرقورة ولكن الطاولة والكرسي لا قرقورة لهما” ومع ولادة أخته في أسبوعها الأول قال “إن قرقورتها لا تزال صغيرة لكنها ستكبر هي أيضا” والطفل هانز ليس شهوانيا ولا مريضا بل إنه لا يرزح تحت وطأة إحساس الذنب وهو الذي لم يسبق أن خوفه أحد ويكاشفنا بسذاجة وبراءة بما يدور في فكره وفي سن متقدمة يسأل الطفل من أين يأتي الأطفال؟ والأجوبة التي تعطى للأطفال تجرح غريزة البحث والتنقيب وتزعزع ثقة الطفل بوالديه ليشرع في الاحتفاظ لنفسه باهتماماته ؛ويستشهد فرويد بطفلة ذات 11 سنة وأختها الصغرى اللتان تجادلتا بخصوص مصدر الأطفال وكيف يأتي بهم اللقلق في قميص من المستنقعات وهو ما تجسد في رسالة إلى خالتهم مالي حيث سألتها عن مصدر ابنيها ولم تتلقى إجابة ما أدى بليلي إلى العصاب نتيجة لأسئلة لاشعورية وأفكار استحواذية تستعاد وتجتر مما يفتح الباب على إمكانية الخبل المبكر.

إن الامتناع عن تزويد الأطفال بالشروح الجنسية من أجل ولصالح “الاستقامة” التي يعلي الجميع من كعبها لن يضلل الطفل على الصعيد الجنسي؛ولا تخويفه في المضمار الديني قد يمنع الطفل من التمرد على سلطة الأهل وصنع فرضيات تخلط بين الخطأ والحقيقة والتهامس بمعلومات الحياة الجنسية بين الأقران بسبب شعور الإثم والرهبة والبشاعة المتمخض عن عدم استجابة الأهل لأسئلتهم وبالتالي فقدان الموقف الصحيح من الجنس.ويعتز فرويد بما كتبته إيما ألشتاين ECHSTEIN للإبنها ذو 10 سنوات دون تشدق أو تضخم في اللغة “المسألة الجنسية في تربية الأطفال 1904” لذلك يحبذ عدم إعطاء الشروح الضبابية للأطفال ومن الأحسن عدم معرفة الأطفال أن الأهل يخفوا الوقائع الجنسية دون سواها؛كما يستحسن أن تقوم المدرسة في برامجها التعليمية الخاص بعالم الحيوان بالتطرق لجميع وقائع التناسل وسن االتمدرس هو أفضل سن لتعليم الطفل كل ما له صلة بالجسد والواجبات الأخلاقية المفيدة للإشباع الغريزة مرحلة بمرحلة ويتواصل بدون انقطاع في المستوى الابتدائي وهذا ما يتم فعليا في فرنسا حيث أحلت محل كتاب التعليم الديني كتاب في المبادئ العامة لوضعية الطفل المدنية والأخلاقية عكس بلدان ذوي التربية الدينية حيث التعنت على أساس مطلب أخلاقي يؤمن بخلود النفس وعدم تشابه الإنسان بالحيوان؛لذلك يرفض فرويد أخيرا سياسة الترقيع البعيدة عن الحكمة ويدعو لتحويل النظام التعليمي برمته لتجاوز العقد الجنسية .

المرجع المعتمد:
سيجموند فرويد؛الحياة الجنسية. الشروح الجنسية التي تعطى للأطفال 1907.