وجهة نظر

الاعلام .. الحكومة والاصلاح

استطاع المغرب بمقاربة ارادية واستباقية تجاوز مطبات الربيع العربي الذي تفاعل معه الشباب المغربي بصيغة حركة عشرين فبراير، واستطاع تجاوز ارتدادات الخريف التي تجلت في محاولات نسف الاغلبية الحكومية من الداخل عقب خروج احد مكوناتها من الحكومة.

هذه المقاربة اتخذت مداخل متعددة ومتكاملة كان مركزها مرتبطا بالاستماع الى نبض الشارع والتفاعل مع هموم الشعب، من خلال اعتماد اصلاحات دستورية وُصفت في حينها بغير المسبوقة، بمنهجية جديدة، وتنظيم انتخابات سابقة لاوانها بجرعات اضافية من النزاهة والشفافية والديمقراطية، التزم الجميع بنتائجها، ومكنت تيارا اصلاحيا وازنا في المجتمع من تولي قيادة الحكومة وبالتالي المساهمة في انجاز مهمة الاصلاح خلال هذه المرحلة.

ولا شك أن الاعلام لعب دورا كبيرا في نقل صورة ما كان يحدث في الشارع، وأوصلت بصيغة من الصيغ ما كان يدور خلف الستار الى الرأي العام تشخيصا وترويجا وتسويقا، ما مكن المواطنين من تكوين اعتقاداتهم وتشكيل اتجاهاتهم ومواقفهم ازاء ما يقع من احداث وسياسات وما ترتب عنها من ردود افعال.

ويمكن القول بأن وسائل الاعلام التقليدية والجديدة او البديلة، ساهمت بالقسط الوافر في انضاج ردود فعل المغاربة اثناء تفاعلهم مع الحراك العربي ومغربته، كما ساهمت في تسليط الضوء على مناطق الظلام في المشهد السياسي وكشفت اشخاصا وتنظيمات على حقيقتهم وفضحت المستور في علاقاتهم واهدافهم غير المعلنة.

وكان مأمولا من وسائل الاعلام مواصلة لعب الدور نفسه بالانخراط في مسار ما بعد الدستور والانتخابات، لكن الراصد لتحولات المشهد الاعلامي سوف لن يجد صعوبة بالغة في اكتشاف المحاولات الحثيثة لاستقطاب بعضها واستيعاب اخرى او اطلاق مبادرات اعلامية جديدة ظاهرها الاعلام والصحافة وباطنها سياسة الضرب تحت الحزام وسياسة التضبيب والتضليل.

ولم تكن وسائل الاعلام العمومية هي الاخرى بمنأى عن هذه الادوار التي تقوت خلال فترة الارتداد، فانخرطت قنوات الاعلام العمومي وخاصة القناة الثانية في جوقة معاكسة تيار الاصلاح مستغلة الدعم العمومي واتساع مجال الحرية وتحلق المغاربة حولها رغبة في متابعة اخبار البلاد، لتمرير مواقف سياسبة في قالب الاخبار والتقارير الصحفية.

ويجد الحديث عن دور الاعلام في مواكبة ودعم خيار الاصلاح الديمقراطي سندا له في الكثير من الدراسات التي اكدت وجود “علاقة ارتباطية بين حرية وسائل الإعلام والقدرة في الوصول إلى المعلومات، وبين توافر مؤشرات الحكم الرشيد المتمثل في الاستقرار السياسي وحكم القانون، والفاعلية الحكومية وانخفاض مستوى الفساد”، ودراسات اخرى كشفت وجود علاقة قوية بين الديمقراطية وحرية الإعلام، واخرى ذهبت الا انه لا يمكن أن يتحقق الاصلاح الديمقراطي دون توفير ضمانات وشروط مناسبة تفرز إمكانية إدارة النقاش الحر بين الاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة داخل المجتمع في جو من تكافئ الفرص.

لذلك كان تعامل الحكومة مع قطاع الاعلام حذرا الى ابعد الحدود، ليس بخلفية الانهزام قطعا ولكن بخلفية استيعاب التداخلات التي يتميز بها، فجرت مختلف المبادرات الاصلاحية في اجواء بحثت عن المشترك وراعت المستقبل، ولم تهتم بمحاولات النسف ولا بمحاولات تهريب النقاش الى مساحة الهوية او الايديولوجيا، مما انعكس على جودة النصوص التشريعية اساسا التي تعهدت الحكومة باخراجها، والا فانه لا تفسير للتصويت عليها بالاجماع في البرلمان الا كونها قد حققت مستوى عال من طموح الجميع، في انتظار تصديق ذلك أثناء التطبيق.