مجتمع

أجكان .. أو حينما يفرض الرعاة الرحل قانون الغاب بإقليم تارودانت

لم يكن كلام ساكنة هذه الدواوير شيئا سهلا بالرغم من حجم معاناتهم وآلامهم التي يتجرعونها صباح كل يوم وكأن القدر حكم عليهم أن يتعايشوا مع استفزازات الغريب، الحديث إلى أي ضيف طل عليهم لا يمكن أن يتجاوز عبارات الترحيب والضيافة ثم إكرامه بما جاد الله من فضله الواسع عليهم.

جماعة “تابيا” بقيادة آيت عبد الله التابعة لدائرة اغرم عمالة تارودانت تضم عشرات الدواوير المتناثرة بين فجاج الجبال وبعضهم في الهضاب، لا يتجاوز كل دوار منهم عشرات المنازل الطينية القديمة. طريق الوصول إليهم جد صعبة، وهي غير معبدة؛ حجاراتها المتناثرة طول الطريق حادة وقاسية قسوة الزمان عليهم، فالسيارات الخفيفة لا يمكن لها ولوج دواوير جماعة “تابيا” التي تعني الوسط.

جماعة تتميز بشيخوخة الساكنة فلا تجد في معظم الدواوير غير الطاعنين في السن، أما الشباب فهاجروا طلبا لحياة أفضل في غياب أبسط متطلبات شروط العيش الكريم.

الضمان والحماية قبل الكلام

دوار ارييض كان نقطة الانطلاق لمعرفة حقيقة اعتداءات الرحل على ساكنة قرية “تابيا”. الحسين رجل في عقده 60 أو يتجاوزه بسنوات، سألناه عن موضوعنا فرفض الإجابة عن أسئلتنا دون إعطائه ضمانات لحمايته بعد رحيلنا لأن الرعاة الصحراويين كما وصفهم سيبحثون عن سبب تواجدنا وسيعنفونه لا محالة إذا اشتكى منهم للزوار كيفما كان نوعهم وصفاتهم وألقابهم.

يرجع الحسين سبب الهجومات والاعتداءات اليومية الروتينية إلى سكان اشتوكة آيت باها اللذين خصصوا لهم ما يتعدى 20 إقامة لسكنهم وأغنامهم، مما جعل جبال جماعة أتابيا قريبة لرعيهم طول اليوم دون احترام أراض وممتلكات الغير.

تخريب مصادر العيش

لا تتعدى مصادر عيش القرية، ما جنوه من أشجار الأركان واللوز الذي لا يستفيد منه أصحابه غير ربع واحد مما سيجنيه العامل الذي يستحوذ على ثلاثة أرباع أخرى من المحصول، ولا يمكن لصاحب الحق أن يتفاوض على أكثر من الربع حتى لا يغتصب العامل الغريب كل شيء في تحد للقانون الوضعي، وأعراف الساكنة القروية المغلوبة على أمرها.

ولا تتوقف الاعتداءات عند هذا الحد بل تتعداه إلى الدخول لأراضيهم ورعي أغنامهم في محاصيلهم الزراعية والعبث بالأوراق المثمرة، وشجيرات الصبار التي كانوا يستفيدون منها في أحايين كثيرة، إلا أن كل ذلك أصبح الآن ضربا من الخيال.

كما لا يتردد الرعاة في استغلال المخزون المائي الخاص بالساكنة، بل يصل حد إفراغ “المطفيات” بالمحرك الآلي وترك مصير العائلات في المجهول للبحث عن من يعيد ملأها بمئات الدراهم هم في حاجة إليها إن وجدت، في حين تتسم الفرشة المائية بالندرة، حيث صرفت الساكنة عليها أكثر من 70 ألف درهم للبحث عن الماء دون جدوى.

استراتيجية فرض قانون الغاب

يعمل الرعاة الرحل وفق خطة استراتيجية لا يمكن لهم الخروج عنها أو خرقها ولو لساعة واحدة، ينضبطون في مراقبة جميع منافذ الطرق في أقصى أعالي الجبال ويتواصلون فيما بينهم بالاتصالات الهاتفية كلما أحس أحدهم بتحركات تثير الشكوك وتهدد رعيهم واحتلالهم لأراضي الغير.

لا يمكن الاقتراب منهم للحديث معهم لأن السمة الطابعة على تصرفاتهم وتواصلهم مع أي كان هي الحدة والميل للشجار، كما أن في اتحادهم وخبرتهم بشعاب الطريق وممرات الجبال جعلهم يستأسدون على الساكنة القروية ويحتجزون أيا كان فيهم عند نهيهم لهم بالدخول إلى أرضه والاعتداء عليها.

من عامل تارودانت إلى الشيخ

الحسين الذي يملك وعائلته مئات الأشجار من الأركان واللوز ورثها من آبائه وأجداده يصرخ ملء فاه، أنها ضاعت جميعها، كما أن 6 مطفيات حفرها أجداده أفرغها الرعاة الرحل ولم يتبق له إلا مناجاة الرحمان، بعد عشرات الشكايات والوقفات الاحتجاجية المتكررة التي طالبت عامل عمالة تارودانت بالتدخل لوقف أفعال تعود إلى قانون الغاب إلا أن طلباتهم لم تجد صداها منذ عشرات الشهور حتى أصبحوا يتعايشون معها.

وبات شيوخ القرية في حديثهم يسخرون من كل الشكايات والتعرضات التي وجهوها إلى عامل تارودانت الذي أرسل لهم أحد أعوان السلطة نيابة عنه، متأكدين أنه لا يعرف أين يتواجدون.

حكاياهم المتداولة

لم تتوقف اعتداءات الرعاة الرحل عند الاعتداء على المغروسات والماء بل وصل إلى الاعتداء اللفظي والجسدي. بأمازيغية حزينة كان شيخ يسرد واقعة اعتداء الرعاة الرحل عليه وهم ملثمين، حيث يقول “وأنا عائد من السوق الأسبوعي أنزلوني من فوق دابتي واعتدوا علي ضربا وأخذوا كل الأغراض والمشتريات التي أحتاجها مدة أسبوع … لم يرحموا كبر سني ولا قلة حيلتي وفقري. الغريب أن قيمة ما اغتصبوه مني لا يتجاوز 80 درهما وعندما أردت التبليغ عنهم عند السلطات تتطلب مني ذلك يوما كاملا ومبلغ 150 درهم واجب التنقل، وفي النهاية ضاع حقي ولم استرجعه إلى الآن”.

في مقابل ذلك يسخر آخر من أحد أجوبتهم عندما أمرهم بالابتعاد عن أرضه، وسألوه “هل المستوطنون يطردون أصحاب الأرض؟” في إشارة إلى أن الساكنة هم المستوطنين.

تصل الاعتداءات على الساكنة إلى فرض الحصار عليهم ومنعهم من الخروج في مشهد خارج عن المألوف تجرمه الطبيعة البشرية والقانونية، كما أن حرمة المقابر تنتهك دون حسيب أو رقيب أو احترام لرب العباد حيث معظم الشواهد حطمت وهدمت بأظلاف الجمال والبهائم.

تاريخ ومعطيات

مجموعة من الدواوير التي تم قمنا بزيارتها، اكتشفنا على إثرها أن جماعة “تابيا” تضم 12 مؤسسة تعليمية فقيرة التجهيزات والأطر التربوية، منها مدرسة ابتدائية واحدة بدوار “اد بيوسف” فتحت أبوابها سنة 1998 تضم أربع حجرات دراسية لا يستغل منها غير حجرة واحدة يدرس فيها تسع تلاميذ وتلميذة فقط من ستة مستويات مختلفة يدرسهم معلم واحد.

كما يتواجد بجماعة تابيا مدرستين قرآنيتين وداخلية بناهما ويمولهما المحسنين، وتجمع عشرات الطلبة من مختلف الأعمار المتوافدين إليهما من الدواوير المتناثرة على أطراف دائرة إغرم يحفظون القرآن ويتدارسونه بينهم طيلة أيام الأسبوع.

أما في المجال الصحي فلا تعرف الجماعة شيء اسمه طبيب أو ممرض ومعهم تغيب بناية مركز صحي، كما أن سيارة الإسعاف التي تعود ملكيتها للجماعة تقابلها صعوبة الطريق غير المعبدة مما يحتم على كل حالة خطرة الاستسلام لما كتب لهم القدر.