مجتمع

جرموني: “الكريساج” يغذيه التفاوت الطبقي وعلى الدولة تحقيق العدالة الاجتماعية

قال الباحث السوسيولوجي رشيد جرموني، في حوار مع جريدة “العمق المغربي”، إن المجتمع يعتبر واحدا من الأسباب الرئيسية في ظاهرة “الكريساج”، معتبرا أن من يخلق الإجرام هو التفاوت الطبقي والغنى الفاحش والفقر المدقع في المجتمع.

ودعا المتحدث الدولة إلى إعادة النظر في النموذج التنموي بالمغرب، بحيث يحقق الرفاه لجميع شراح المجتمع وتحقيق نوع من المساواة وتحقيق نوع من العدالة واحتضان هؤلاء “المجرمون” احتضانا حقيقيا.

وفي ما يلي نصر الحوار :

ـــــــــــــ

حاوره الصحافي المتدرب : سفيان شعو – العمق المغربي

– ما تعليقك على ظاهرة “الكريساج” التي أضحت تنتشر في المجتمع المغربي بشكل ملفت في الآونة الأخيرة ؟ 

– بالنسبة لي، التعليق الأولي هو أن الوضعية أصبحت مقلقة جدا في المغرب، خصوصا مع تزامن عطلة الصيف، وهذه ليس المرة الأولى، أذكر أنه ثلاث سنوات متتالية تتصل بي الصحافة من أجل التعليق حول هذا الموضوع، ففي مرحلة الصيف تكثر هذه الظاهرة بشكل كبير وملفت، وتؤشر على وجود توتر اجتماعي ووجود إشكالية تنمية وإشكالية مرتبط بعدم إدماج مجموعة من الناس، وهذه الظاهرة، ربما سنتحدث عنها ولكن نتساءل ربما عن لماذا تكثر في العطلة الصيفية بشكل كبير؟

ربما لأن هناك بعض المجرمين الذين لهم استراتيجيات في عملية الإجرام، بحيث أنهم يقومون بجرائم في فصل الصيف وتكون محدودة، ويقضون طيلة السنة في السجن لكي يعودوا ويخرجوا إلى الحرية في فصل الصيف ليقوموا بهاته الأعمال الإجرامية، لماذا؟ لأن السجن بالنسبة إليهم يوفر لهم مكان، وهو ملاذهم لأنهم يفتقدون ربما إلى المآوى، وهذه المعلومة توصلت إليها من خلال إجراء بعض المقابلات مع بعض المكلفين بأوضاع السحن، إذن هذا هو التعليق الأولي ربما أن هذه الظاهرة أصبحت متكررة وليس للمرة الأولى وهي تتنامى وخطيرة جدا، وهناك مجموعة من الأعمال التي يتعرضون لها الفتيات وبعض الشباب في مقتبل العمر من سرقة ونهب وتحرش إلخ.

– ماهي أسباب تفشي هذه الظاهرة ؟

أعتقد بأنه ليس هناك سبب وحيد ومباشر، بل هناك عدة أسباب مركبة، بحيث يصعب أن نتحدث عن سبب دون آخر، ولكن نظرا لضيق الوقت، فسأقتصر على بعض الأسباب التي أراها والتي توصلنا إليها من خلال دراسات وأبحاث ومعاينات، أظن أن السبب الأول في هذه العملية هو ضعف التنمية في المجتمع المغربي، والمشاريع التنموية لا تصل إلى هذه الفئات التي تعيش الهشاشة والتي ترفضها المدرسة وتخرج من المدرسة، هناك أرقام مقلقة في هذا المجال، ففي سنة 2014، تحدثت بعض التقارير الرسمية للدولة،عن 300 ألف حالة انقطاع عن الدراسة، تصور معي هذه النسبة تخرج من المدرسة وتلتحق بالشارع، جزء منها يذهب إلى الأعمال اليدوية وبعض المحلات التجارية وبالحقول الزراعية، وجزء آخر مع كامل الأسف يلتحق بالعمل الجنسي، وجزء آخر يحترف السرقة والنشب.

إذن هذه النسبة تخرج للمجتمع لكي تحث عن أشياء وقضايا معينة، لأن الجريمة لا تأتي هكذا فهي جزء من المجتمع، فالمجتمع هو الذي يبنيها. واعتقد أن المشكل الأكبر من الدولة، هذه بعض الأسباب لكن لا ننسى أن المديرية العامة للأمن الوطني تحدثت عن 300 ألف حالة إجرام، ولما نتحدث عن عمل إجرامي نتحدث عن كل الأعمال الإجرامية بمختلف أشكالها وأنواعها عن السرقة، الضرب، الجرح، النشب، القتل…إلخ.

لكن هذا الرقم الذي أعلنته المديرية العامة للأمن الوطني هو رقم يبقى ضئيل جدا ولا يعكس الحقيقة، لأنه ليس كل الذين تعرضوا لعملية السطو وعملية الكريساج يبلغون ذلك للشرطة، فمنهم من يبلغ وهي نسبة قليلة طبعا، فأغلب المغاربة حين يتعرض لـ”الكريساج” يذهب إلى سبيله ويقول “دعيتك لله”، بمعنى أن المعطيات التي تقدمها المديرية لا تعكس حجم الظاهرة، فإذا تأملنا كل منا تعرض هو أو أحد من عائلته إلى السرقة، فأنا إحدى أفراد عائلتي تعرضت للسرقة أمام مرأى ومسمع من الناس وفي واضحة النهار ليأخذوا أثمن ما عندها.

من بين الأسباب التنموية أيضا، هناك ضعف الإدماج في سوق العمل، لأن هناك مجالات لا يصلها هؤلاء، فهناك تأخر وهشاشة على المستوى المعرفي والفكري، هشاشة على مستوى التعليمي وأيضا هشاشة على مستوى الاندماج الاجتماعي، وبالتالي يجدون أنفسهم في هذه الحالة لا تعليم ولا تأهيل، وبالتالي يجدون أنفسهم في هذه الحالات.

هناك أيضا أسباب سيدي الكريم مرتبطة بالتحولات القيمية التي نعيشها في المجتمع المغربي، والتي منها تحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي، إلى مجتمع فيه البحث عن اللذة، البحث عن الأشياء الجميلة بأية وسيلة كيفما كانت، وبالتالي مع هذا التحول وهذا الرغبات الإنسانية، يسعون إلى تحقيقها فيلجؤون إلى هذه الطرق السهلة “الكريساج”، تترصد بعض الناس لكي يأخذوا منهم أغلى ما عندهم مثل: الهواتف الذكي الجيدة وغيرها، ويبيعونها في الأسواق.

– ألا يمكن القول بأن للأسرة أيضا دور في إنتاج هذه الفئة الإجرامية، ونحن نشاهد بأن الأسرة أصبحت تنسحب تدريجيا من مسؤوليتها في التربية والتأطير ؟

صحيح أن للأسرة دور وبكل تأكد، إنما دورها يبقى في مرتبة الثالثة أو الرابعة من حيث مستوى المسؤولية، وتبقى المسؤولية الأساس للدولة بمؤسساتها، خاصة المؤسسات التي تهتم بالتأطير والتربية، وبعد ذلك تأتي الأسرة، لأنه في نهاية المطاف فلأسرة تكون ضعيفة المستوى وتعيش الهشاشة والفقر، فلا تجد حيلة لذلك، بالتالي تصبح الدولة أقوى منها، فالواقع لا يتغير، الواقع هو الذي يفرض على الإنسان في بعض الأحيان شروط معينة.

– ما هي بعض الحلول التي تقترحونها للخروج من هكذا وضع ؟ 

دعنا نتكلم أولا عن بعض المقاربات، فالمقاربات الإصلاحيات للسجون فيها مجهود الآن، لكن هذا المجهود يبقى محدود لأنه عموما هناك بعض الحلقات للتدعم و التأهيل والإدماج وإعادة التنشئة، تبقى حالات ضعيفة، لأن هناك إشكالية تطرح: وهي لماذا الذين يدخلون إلى السجن يقومون بأعمال ويعودون إلى السجن سواء الشباب الجانح أو العادين، وهذه النسب تجعلنا نقول بأن المقاربات التي توجد في السجون وما نسمع عنها فإنها تبقى محدودة لأنه ليس هناك إدماج حقيقي وتأهيل حقيقي ما بعد السجن، فقط هناك نوع من العمل الروتيني اليومي الذي يقومون به ولكن ليس هناك متابعة، فالإدماج الحقيقي لا يكون فقط بأن تمنحه شهادة وفقط ولكن أيضا لتوفير شروط مادية حقيقية فهناك الذين يخرجون من السجن لا يملكون شيئا، وبالتالي هنا الدولة ومؤسساتها يجب أن تتدخل في مراقبتهم المستمرة من أجل ألا يعودوا إلى العمليات الإجرامية، إذن هذين المقاربتين تبقى نوعا ما ضعيفة الأداء وأنها محدودة وليس هناك استثمار حقيقي في هذه الفئات.

إذن المقاربات يجب أن تكون في هذا المستوى وهي : إعادة النظر والبحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل، وتطويرها حتى تصبح أكثر مرونة وأكثر دكاء تفاعلية مع الواقع.

والمقاربة الثانية المتعلقة أساسا بتوزيع الثروة بعدالة في المجتمع فلا “حتى حد متيهرب من دار العرس” كما يقولوا المغاربة، نحن من يخلق الإجرام لأن هناك تفاوتا طبقيا كبير جدا، هناك غنى فاحش وهناك فقر مدقع، والمجتمع يذهب إلى أن هناك فوارق جد جد كبيرة.

إذن الدولة يجب إعادة النظر في النموذج التنموي بحيث أنه يحقق الرفاه لجميع شراح المجتمع وتحقيق نوع من المساواة وتحقيق نوع من العدالة واحتضان هؤلاء احتضانا حقيقيا.

– ألا ترى بأن حتى الوصم الاجتماعي يساهم في تكريس هذه الأفعال الإجرامية؟

جيد فعلا هذا مستوى ثالث يمكن الحديث عنه، وهو مستوى سوسيوثقافي مرتبط بالتمثلات وهو ما يسميه السوسيولوجيين بالوصم الإجتماعي “لإيرفينغ لغوفمان”، فالناس عندما يدخل مثلا شخص إلى السجن ويخرج ويريد العمل يسألونه هل لك سوابق قضائية مثلا فإذا أجاب بنعم يقولون له “أنت وجه الحبس” فيبنون عليه صورة نمطية، وكأنهم يحلون محل الله الذي يغفر الذنوب، فتلحقه دائما هذه الصورة النمطية ويجعلونه في وضعية منبوذة، وعند النبذ يكون له ردود أفعال ضد هؤلاء إلخ، وهذه مسألة عويصة وتحتاج إلى نفس طويل جدا، وإلى إعلام خاصة الإعلام المرئي الذي ينبغي عليه أن يؤطر ويصنع النماذج ويغير رؤى الناس، لأن هذه الفئة من المنحرفين هم في آخر المطاف أبنائنا.

– هل من دراسات سوسيولوجية في هذا الجانب ؟

في الحقيقة ليست هناك دراسات في هذا الجانب، ولكن هناك بعض المحاولات مثلا في كلية الآداب بمكناس هناك ماستر حول العنف والجريمة، الذي يقوم به الأستاذ جحاح إلى جانب أساتذة آخرين، عموما فالدراسات في هذا الجانب لا تزال محتشمة، وأظن أن هذه دعوة لفتح المجال، والتعاون مع رجال الأمن، لأنهم يتوفرون على معطيات دقيقة في بعض الملفات ولكن هذا مشكل يمنع الباحثين من إنتاج أبحاث في هذا المجال.

– هل المشكل في الباحث أم في الإدارات التي يتعامل معها ؟

وضعتني في جرح غائر، لأن هناك مشكل الدعم المادي، لأن الباحث لا يمكنه أن يقوم بالبحث بدون دعم مادي، فلكي يقوم الباحث فهو يحتاج إلى ميزانية مهمة، ولهذا تبقى البحوث التي هي مقتصرة على منطقة معينة، فليس هناك أفكار ونتائج قوية، وهذه هي مهمة الدولة فينبغي عليها أن تشجع البحث العلمي، فإشكاليتنا في المغرب هو أن أول شيء نفكر فيه هو المقاربة الأمنية، صحيح أنها مهمة ولكنها لا تحل الإشكال هي وكأنها مسكنات وبالتالي المقاربة التي هي عميقة جدا وهي أنه ينبغي فسح المجال للبحث العلمي والتركيز حول هذه المواضيع، من أجل فهم أصل المشكل، لأن حين نبحث عن الجذور نفهم الإشكاليات، ولما نفهم الإشكاليات نفهم المداخل للعلاج. ونأمل في المستقبل أن يكون الأمر أفضل مما هو عليه.