وجهة نظر

مظاهر ومخاطر التغلغل الصهيوني في المحيط العربي والإفريقي

من خلال التصريحات والزيارات وحجم التطبيع المباشر بين دولة “إسرائيل” والدول الأخرى العربية والإفريقية، اتضحت أكثر معالم شبكة أخطار الحركة الصهيونية وأهدافها في المنطقة وأطماعها في الموارد العربية التي تقع في كثير من الدول العربية المجاورة والإفريقية، ومحاولة إسرائيل المستمرة و الحثيثة في التأثير على المفاصل الحيوية في الوطن العربي،، يأتي على رأسها مصر، وذلك من خلال ملف سد النهضة، وتقليص حصة مصر في المياه، وتطويق حلفاء مصر التاريخيين التقليديين وتحويلهم لأعداء، وتأتي زيارة نتانياهو الأخيرة لزعماء إفريقيا بتاريخ 4/7/2016 في نفس السياق ولإتمام عقود مشتركة بين إسرائيل ودول حوض النيل.

حقيقة لقد أدرك الكيان الصهيوني منذ أن أنشئ له كيان على أنقاض سكانها الفلسطينيون الأصليون وأرضهم عام 1948 بأنه يعاني من عزلة ومقاطعة عربية إسلامية، شكلت له عقدة وهواجس أمنية عديدة، وبأنه غرس دولته في بيئة عربية معادية، ترفض هذا الكيان الغاصب. لذا وضع الخطط والاستراتيجيات من أجل الخروج من هذا المأزق، فاتجهت أنظار هذا الكيان ليمد نفوذه نحو بيئات أخرى خارج الإطار العربي، والمتمثلة في إفريقيا، محققاً من وراء ذلك عدة أهداف؛ منها كسب مزيداً من الشرعية بناء على نظرية الأمر الواقع، و توسيع دائرة علاقاته والخروج من أزمة العزلة، وأيضا كسب أصوات جديدة في معارك الأمم المتحدة التصويتية، إضافة إلى خلق عداء بين هذه الدول الإفريقية وبين الدول العربية، وخاصة دول الحوض من أجل تطويق العالم العربي، والسيطرة على مصر والتحكم في موارد مياهها التي تعتبر شريان الحياة للشعب المصري، واستخدم الكيان الصهيوني عدة حجج وذرائع منها؛ أنه يمثل خط الدفاع الأول للغرب في محاربة الإرهاب والتصدي لجرائم الإبادة الجماعية وأنه يحمل رسالة إنسانية تقدمية تنموية يهدف لتنمية وتقدم الدول الإفريقية الفقيرة. وقد كان له عدة بوابات عبر من خلالها للنسيج الاجتماعي الإفريقي حيث مهد أرضية علاقاته بأن هناك قواسم مشتركة بين تاريخ الكيان وبين تاريخ الشعوب الإفريقية، حيث كرس الخطاب الإعلامي والسياسي الصهيوني منذ نشأته على الربط بين تجارة العبيد والاضطهاد ومحرقة اليهود لكسب معركة القلوب والعقول الإفريقية.

وقد ظهرت العلاقات الصهيونية الإفريقية فور إنشاء دولة الكيان الصهيوني قبل وبعيد استقلال الدول الإفريقية، إلا أن هذه العلاقات شهدت تراجعاً وصل حد القطع بسبب حرب 1967 وحرب أكتوبر 1973، فقد قطعت الدول الإفريقية علاقاتها مع الكيان تعاطفاً ودعماً للعرب، بينما عادت هذه العلاقات وتوطدت فور دخول مصر في اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني عام 1979، وسقطت موانع الخجل والتردد لدى الأفارقة عندما دخلت منظمة التحرير الفلسطينية في سلام مع الكيان عام 1993 باتفاقية أوسلو، وتلاها الأردن باتفاقية وادي عربية عام 1994.

أدوات وأهداف الاختراق:

1-إقامة علاقات للخروج من مأزق العزلة والمقاطعة العربية والإسلامية التي يواجهها منذ تأسيس كيانه، وخلق مواقف افريقية داعمة لسياسات الكيان، وكسب المعارك التصويتية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية.

2-ضمان الوصول إلى منابع أو مناطق المصب لكي يضمن اكبر حصة مياه، حيث حدد ديفيد بن جوريون أهمية المياه للكيان العبري قائلاً: “إن اليهود يخوضون معركة شرسة مع العرب، وهي معركة المياه، وعلى مصير تلك المعركة يتوقف مصير الكيان ، فان خسرناها فلن نكون في فلسطين أبداً”.

3- فتح أسواق جديدة، وإقامة مشاريع ومصانع في إفريقيا بأيدي عاملة رخيصة، ويشترط الكيان من الدول الإفريقية قيام هذه الدول بتخصيص مشاريع تنموية يكون الكيان مسيطر عليها، ويقوم أصحاب المشاريع من الأفارقة بشراء المعدات والمنتجات من الكيان ومستوطناته.

4-التنقيب والبحث عن المعادن وصناعة وتصدير الذهب والألماس والثروات التي تخبئها جبال إفريقيا.

5- الدخول عبر بوابة المساعدة في تطوير الزراعة وإقامة مشاريع الري وشق الطرق وإقامة الكباري، وحتى الدول التي تعترض شعوبها على الدور الصهيوني، فانه وتحت عنوان الشركات متعددة الجنسيات” يعمل الكيان بكل ثقة وأريحية.

6- مساعدة الشعب الإفريقي من الناحية الطبية الصحية وتوفير الرعاية الصحية لمصابي الايدز وكثير من الأمراض التي تعاني منها الشعوب الإفريقية.

7- تقديم المساعدات والاستشارات الأمنية والعسكرية للجيوش وكسب جانب القيادات، فطبقاً لإحصاءات وكالة التعاون الدولي الصهيونية (مشاف)، فإن إجمالي الأفارقة الذين حضروا دورات تدريبية داخل الكيان خلال المدة 2002 ـ 2009 قد بلغ 3284 متدرباً، وعدد الذين حضروا تدريبات صهيونية داخل بلدانهم 4670 متدرباً، كما بلغ عدد الخبراء الصهاينة الذي دخلوا إفريقيا لمهام استشارية بلغ 191 خبيراً صهيونياً. وفي عام 1997 وصل عدد المستشارين الصهاينة في إريتريا إلى 650 شخصاً، عملوا بأجهزة الأمن والاستخبارات ومحطات للتجسس على اليمن والسودان.

8- إن تصدير السلاح يعتبر تجارة هامة ومصدر قوة للدولة المصدرة، وقد سجلت حركة صادرات الأسلحة الصهيونية لإفريقيا ارتفاعاً كبيراً في السنوات القليلة السابقة. حيث تشير الأرقام إلى أن عام 2014 بلغت نسبة الصادرات 318 مليون دولار. علماً بأن منحنى قيمة الصادرات في صعود كبير منذ سنوات. حيث يعتبر الكيان من بين أحد أكبر عشرة دول مصدرة للسلاح.

(الجزء الأول ويتبع باقي الأجزاء)

محاضر جامعي- كاتب ومحلل سياسي- فلسطين- غزة