منتدى العمق

رسالة إلى المشاركين والمساهمين في التعديل الجديد لمدونة الأسرة المغربية

 

بمناسبة تقديم الهيئة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة المغربية تقريرها الذي تضمن العديد من المقترحات الخطيرة والمثيرة للجدل، وبصفتي مواطنا مغربيا وفاعلا في المجتمع المدني، ولأني أعتبر الأسرة هي نواة المجتمع والحجر الأساس في استقرار الأمم وتطورها؛ أوجه رسالتي هذه إلى الحكومة وأعضاء البرلمان والمجلس العلمي الأعلى، وكل من يشارك ويساهم في التعديل الجديد للمدونة، وأيضا هي رسالة إلى كل هيئات وجمعيات المجتمع المدني الداعمة للتعديلات الجديدة.

أيها السادة والسيدات:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسمحوا لي في البداية أن أقدم لكم بعض نتائج الإحصاء العام للسكان بالمغرب لعام 2024 التي أعلنت عنها مؤخرا المندوبية السامية للتخطيط، وهي كما يلي:

  • تباطؤ النمو السكاني بنسبة 0,85 %.
  • اتجاه الهرم السكاني نحو الشيخوخة.
  • انخفاض مؤشر الخصوبة بعدما وصل إلى أقل من طفلين لكل أم مغربية.
  • انخفاض السكان النشيطين وتزايد معدل البطالة، حيث وصل إلى 25,9 %.

واسمحوا لي كذلك أن أذكركم – والذكرى تنفع المؤمنين- بأرقام ومؤشرات تتعلق بالإشكالات الحقيقية التي تواجه الأسرة والمجتمع المغربي، ومن ذلك:

  • ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج، حيث أشار تقرير المرصد المغربي للتنمية الشرية إلى أن النسبة انتقلت من 42% عام 2011 إلى 70 %عام 2019.
  • ازدياد حالات الطلاق منذ سنة 2004 حسب العديد من التقارير الصحفية، حتى وصلت إلى أكثر من 100 ألف حالة طلاق في المحاكم المغربية سنة 2023.

وإذ أضع أمامكم هذه الأرقام والمؤشرات المقلقة، فإني أدعوكم وأدعو كل من يهمه أمن واستقرار، وسلامة هذا الوطن إلى التفكير الجدي والموضوعي في المشاكل والأزمات التي ستطرحها التعديلات المقترحة، وذلك بعيدا عن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة، وتقارير المنظمات والهيئات الدولية، وأخص بالذكر تقرير لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة )سيداو( المقدم بمدينة جنيف في يونيو 2022.

أيها السادة والسيدات:

والآن أتساءل كما تساءل كثير من أفراد الشعب المغربي: هل أنتم بصدد تعديل مدونة الأسرة أم مدونة المرأة؟ وما المقصود بالمرأة؟ أليست المرأة هي الأم والزوجة والبنت والأخت والخالة والعمة…؟

وإذا كان هناك من يستهين بهذه الأسئلة المحيرة التي نطرحها في وقت تتعرض فيها الأسرة للتهميش والتخريب، فإني أقدم إليكم فيما يلي جملة من الوقائع الاجتماعية التي قد تنتج عن تطبيق التعديلات المقترحة لمدونة الأسرة، مع ما تحمله من مشاكل أو إشكالات خطيرة؛ تضر بالمرأة قبل الرجل:

أولا: واقعة تتعلق بعدم دخول بيت الزوجية في التركة

وقد اخترنا واقعة على سبيل المثال تشير إلى أم كان لها ابن وحيد، عانت وكافحت من أجل تربيته وتنشئته، وعندما كبر هذا الابن تزوج واشترى شقة سكن فيها مع زوجته وأمه. وبعد سنوات فارق الحياة، فقامت الزوجة بطرد الأم من البيت، طبقا لمقترح احتفاظ الزوجة ببيت الزوجية لعدم دخوله في الإرث…

هل هذا الأمر يقبل عقلا أو شرعا؟ أليس ما فعلته الزوجة بالأم هو نوع من الظلم الذي يراد أن يرفع عن المرأة؟ أم أن أنصار تعديل المدونة بصدد تغيير شرع الله تعالى الذي أنصف الأنثى والذكر معا، وأعطى لكل ذي حق حقه؟ ما لكم كيف تحكمون؟

ثانيا: واقعة تتعلق بإمكانية عقد الزواج بالنسبة لمغاربة الخارج دون حضور الشاهدين

نفترض أن فتاة مغربية تزوجت بشاب سيء الأخلاق في إحدى دول المهجر، دون علم ولي أمرها ودون حضور الشاهدين العدلين بناء على هذا التعديل المقترح في مدونة الأسرة، وبعد مدة زمنية علم أباها بزواجها من ذلك الشاب، فغضب عليها وطلب من جميع أفراد عائلتها مقاطعتها. فهل كان التعديل المقترح في صالحها أم أنه تسبب لها في المشاكل العائلية، وجلب لها التعاسة والشقاء؟

وفضلا عن ذلك، فالمقترح المذكور مخالف للشريعة الإسلامية؛ لأن جمهور علماء المسلمين يرون أن شهادة العدلين ركن من أركان الزواج، عملا بقوله تعالى:[وأشهدوا ذوي عدل منكم] ،(سورة الطلاق:2(.وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل”، [رواه ابن حبان وصححه الذهبي]. أما المالكية فجعلوه مستحبا عند العقد، ولم يشترطوه إلا عند دخول الزوج بالزوجة.

ثالثا: واقعة تتعلق ببقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها

نختار هنا واقعة تدخل ضمن زنا المحارم، ونفترض أن امرأة مطلقة لها بنت من زوج سابق استندت على التعديلات المقترحة، ولم تتنازل عن الحضانة بعد زواجها من زوج فاسد وغير سوي، فاستغل هذا الأخير غيابها عن المنزل وقام باغتصاب البنت الصغيرة، أو استغلالها جنسيا…

هل هذا هو الإصلاح والتعديل الذي يحمي حقوق النساء والأطفال؟ كيف تقبلون بأن تعيش ابنة رجل مع رجل آخر دون موافقة المعني بالأمر؟

ونفس الإشكالات يطرحها مقترح تخويل الأم الحاضنة النيابة القانونية عن أطفالها، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعليم المحضون وتمدرسه، أو سفره بعيدا عن والده، أو في مسألة اختيار الزوج المناسب…

إن الشريعة الإسلامية لا تجيز هذا العبث، وذلك واضح من خلال الحديث النبوي الصحيح الذي أجاب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة سالت عن الأحق بحضانة ولدها، فقال لها:” أنت أحق به ما لم تنكحي”. [رواه الإمام أحمد وأبو داود].

رابعا: واقعة تتعلق باعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة بين الزوجين

الواقعة هنا تتعلق بزوج تتيح له ظروف عمله مساعدة زوجته في الأعمال المنزلية بشكل يومي كإعداد الطعام والنظافة والعناية بالأطفال وغير ذلك، أو نفترض أن هذا الزوج كان يستعين بخادمة لتساعد زوجته في الأعمال المنزلية، ويؤدي لها في المقابل أجرة شهرية، لكن بعد علمه بالمقترح المذكور أعلاه تراجع عن أدواره في مساعدة الزوجة، أو استغنى عن الخادمة.

فهل جاءت المدونة هنا لتسعد المرأة وتصلح أحوال الأسرة أم لتجعلها مكانا للنزاع والشقاق؟ أين هي حقوق الرجل المغربي وكرامته؟ وماذا يراد لمستقبل مجتمعنا ووطننا؟

إن في تعاليم الإسلام ما يحقق العدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أفراد الاسرة الواحدة، ويبعدها عن الانحلال والتفكك الذي يسببه طغيان المصالح المادية التي تكرسها التعديلات المقترحة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة والعملية لإكرام المرآة، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالنساء خيرا”، )متفق عليه(، وهو صلى الله عليه وسلم الذي كان يعين زوجاته في أعمال البيت، قالت عائشة رضي الله عنها: “كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم”. [رواه الإمام أحمد في مسنده].

أيها السادة والسيدات:

إن الوقائع كثيرة لا حصر لها، ومنها هذه الوقائع السابقة الموجودة في مجتمعنا المغربي التي لا ينكرها إلا جاهل أو من يفتقر للضمير الإنساني والحس الوطني، ويتغنى بالحداثة التي قال عنها الملك الحسن الثاني رحمه الله في كتابه ذاكرة مللك:” إذا كان المقصود بالحداثة، القضاء على مفهوم الأسرة وعلى روح الواجب إزاء الأسرة، والسماح بالمعاشرة الحرة بين الرجل والمرأة، والإباحية مما يخدش مشاعر الناس…فإني أفضل أن يعتبر المغرب بلدا يعيش في عهد القرون الوسطى على أن يكون حديثا”.

إن مسؤوليتكم التاريخية تفرض عليكم وضع تعديلات تؤسس الأسرة والمجتمع على أساس متين وموافق للشريعة الإسلامية، فإما أن تتداركوا هذه الانحرافات وتبعدوا الأسرة المغربية عن الشقاق والنزاع، وتحرصوا على ضمان تماسكها، وتماسك المجتمع واستقراره، والتعاون على الخير، وإما أن تخالفوا أحكام الشريعة الإسلامية، وتواصلوا الاستجابة للاتفاقيات الدولية التي تحمل أفكارا منحرفة ومتطرفة جعلت الدول الغربية  تعاني من ويلاتها، وهي تجني ثمارها المرة منذ عقود، بعدما اختفى مفهوم الأسرة وارتفعت ظواهر الإجهاض والتفكك الأسري، والعزوف عن الزواج، وانتشر الشذوذ، وتزايد عدد أبناء الزنا أو الأطفال غير الشرعيين…

وختاما، وحتى لا اطيل عليكم، فإني ألتمس منكم أن تتخذوا كل الإجراءات القانونية التي تسهم في عرض التعديلات الجديدة المقترحة لمدونة الأسرة على الاستفتاء الشعبي، طبقا لما جاء في الدستور المغربي. قال تعالى: . )سورة هود:88 (.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *