14 مليار درهم للتشغيل.. استثمار في المستقبل أم إعادة تدوير لوعود قديمة؟

في سياق التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه سوق الشغل في المغرب، قدمت الحكومة خطتها الجديدة للتشغيل، معلنة عن تخصيص ميزانية استثنائية تقدر بـ14 مليار درهم برسم سنة 2025، وهو ما يأتي استجابة لمتغيرات عميقة، من أبرزها تداعيات الأزمة الصحية العالمية والأزمات الجيوسياسية، إضافة إلى التحولات المناخية التي أصبحت تمثل عاملا مؤثرا في بنية الاقتصاد الوطني.
وتعتمد الخطة الحكومية المقدمة من قبل يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، على مقاربة تشاركية، شملت استشارات موسعة مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، بهدف بلورة برامج تشغيلية تستهدف مختلف الفئات، بما في ذلك غير الحاصلين على شهادات، وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة على خلق فرص العمل.
ورغم أهمية هذه المبادرة من حيث حجم الموارد المالية المرصودة، يظل التساؤل مطروحا حول مدى كفايتها لمعالجة الإشكالات البنيوية لسوق الشغل، ومدى قدرتها على تحقيق نقلة نوعية في الإدماج المهني، خاصة في ظل تجارب سابقة “لم تحقق الأهداف المرجوة”، فهل ستكون هذه الخطة قادرة على إحداث تغيير فعلي ومستدام في مشهد التشغيل؟ أم أنها ستواجه التحديات ذاتها التي اعترضت البرامج السابقة؟
في هذا الإطار، أكد المحلل الاقتصادي رشيد ساري، أن الميزانية المخصصة لدعم برامج التشغيل، والتي تبلغ 14 مليار درهم، ليست جديدة في إطار قانون المالية لسنة 2025، بل هي إعادة تجميع لمبالغ تراكمت من ميزانيات سابقة لبرامج لم تنجز بعد، موضحا أن هذه الميزانية ليست استحداثا بقدر ما هي امتداد لمشاريع سابقة لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
وفي حديثه عن فعالية هذه البرامج، تساءل ساري عما إذا كانت ستساهم فعليا في الحد من أزمة التشغيل، مشيرا إلى أن الإشكالية لا تكمن في تخصيص الأموال، بل في كيفية إدارتها لضمان خلق فرص عمل حقيقية وتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، مضيفا أن هناك العديد من الميزانيات التي تم تخصيصها سابقا، إلا أن التحدي الرئيسي يبقى في منهجية التنفيذ ومدى فاعليتها.
كما عبر المحلل الاقتصادي عن مخاوفه من أن تكون هذه البرامج مجرد وسيلة لتلميع الصورة، خاصة مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، مما يثير الشكوك حول وجود أهداف سياسية أكثر من كونها اقتصادية وتنموية، مشددا على أن التشغيل في المغرب يعاني من مشكلات هيكلية، حيث تعيش بعض القطاعات، مثل الفلاحة، على وقع “الموت السريري”، وهو ما يتطلب حلولا جذرية بدلا من الاكتفاء برصد مبالغ مالية دون استراتيجية واضحة.
وبخصوص الاستثمارات المعلنة، أشار ساري إلى أن اللجنة الاستثمارية خصصت ميزانيات ضخمة لمجموعة من المشاريع، مع وعود بخلق العديد من فرص الشغل، إلا أن السؤال المطروح هو: هل تحققت هذه الأهداف على أرض الواقع؟ وأضاف أن الحكومة تعاني من غياب الاستماع وبعد النظر في التعامل مع الأزمة، مما يزيد من تفاقم الوضع.
واعتبر المتحدث أن جوهر الإشكال لا يكمن فقط في حجم الميزانية المخصصة، بل في المنهجية المعتمدة لتنفيذ هذه البرامج، متسائلا عن مدى قدرتها على خلق قيمة مضافة وثروة اقتصادية، وعن إمكانية مواكبتها للمقاولات الناشئة، وتأهيل التعاونيات، وتوفير حلول عملية للعاملين في القطاع الفلاحي.
وفي السياق ذاته، انتقد ساري البرامج الحكومية الحالية، مشيرا إلى أنها تفتقر إلى الإبداع في إيجاد حلول ناجعة لأزمة التشغيل، ناهيك عن غياب التواصل مع مختلف الفاعلين وعدم الاستماع إلى الأطراف المعنية ما يعمق الأزمة، ويجعل هذه المبادرات تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة.
وختم ساري حديثه بمقارنة بين البرامج الحالية وبرامج التشغيل السابقة، حيث أكد أن الحكومات السابقة كانت تعتمد على مشاريع تساهم في خلق الثروة وفرص العمل، في حين أن المبادرات الحالية لا تزال تواجه صعوبات في تحقيق الأهداف المنشودة.
جدير بالذكر أن المندوبية السامية للتخطيط أكدت ارتفاع عدد العاطلين في المغرب بـ58 ألف شخص ما بين سنتي 2023 و2024، منتقلا من مليون و580 ألف إلى مليون و638 ألف عاطل، ما يعادل ارتفاعا قدره 4%، وذلك نتيجة ارتفاع عدد العاطلين بـ42 ألف شخص بالوسط الحضري وبـ15 ألف بالوسط القروي.
وأفادت المندوبية في مذكرة إخبارية حول وضعية سوق الشغل خلال سنة 2024، بانتقال معدل البطالة من 13% إلى 13,3% (+0,3 نقطة)، حيث انتقل هذا المعدل حسب وسط الإقامة، من 6,3% إلى 6,8% (+0,5 نقطة) بالوسط القروي، ومن 16,8% إلى16,9% بالوسط الحضري (+0,1 نقطة).
اترك تعليقاً