الدورة التشريعية الخريفية .. الحكومة تقود التشريع والبرلمان يكتفي بالمصادقة

كشفت حصيلة الدورة التشريعية الخريفية للبرلمان المغربي عن هيمنة واضحة للمبادرات الحكومية على العمل التشريعي، حيث تم تمرير 38 مشروع قانون مقابل 4 مقترحات قوانين فقط. هذه النسبة تعكس بشكل جلي التوجه الذي يجعل من الحكومة المحرك الرئيسي للعملية التشريعية، بينما يرى البعض أن هذه الهيمنة تعود إلى تركيبة دستورية وسياسية ترسخ دور السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية.
ويرى مراقبون أن هيمنة الحكومة على العمل البرلماني ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج لتركيبة دستورية وسياسية تعزز دور السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية. هذا التوجه يعكسه بوضوح تمرير 38 مشروع قانون مقابل 4 مقترحات قوانين فقط خلال الدورة الخريفية الأخيرة.
ورغم أن رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، وصف حصيلة الدورة التشريعية بـ “الغنية”، إلا أن الأرقام تتحدث عن هيمنة حكومية واضحة. فالأغلبية الساحقة من النصوص المصادق عليها كانت مشاريع قوانين مُقدمة من الحكومة، بينما لم يتم قبول سوى عدد قليل من مقترحات القوانين التي تقدمت بها المعارضة أو حتى بعض نواب الأغلبية.
من بين أبرز النصوص التي تمت المصادقة عليها، قانون المالية لسنة 2025، الذي استحوذ على نقاشات مستفيضة كعادته، ومشروع قانون الإضراب الذي طال انتظاره منذ 1962. ورغم أهمية هذين القانونين، إلا أنهما كانا بمبادرة حكومية، مما يطرح تساؤلات حول مدى تأثير البرلمان في صياغة القوانين التي تهم المواطنين.
في هذا السياق يرى الباحث في العلوم السياسية، عمر وقاد، أن النظام السياسي والدستوري المغربي يعطي للحكومة دورا محوريا في العملية التشريعية، موضحا أن الحكومة تملك حق المبادرة باقتراح القوانين، كما تتمتع بأغلبية برلمانية في غالب الأحيان، مما يسهل عليها تمرير مشاريعها التشريعية، مضيفا أن الحكومة تتحكم أيضا في جدول أعمال البرلمان، ولديها القدرة على عرقلة أو تأخير مقترحات القوانين المقدمة من المعارضة.
وأشار وقاد، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، إلى أن “العقلانية البرلمانية”، وهي مجموعة من الآليات التي تهدف إلى ضمان فعالية العمل التشريعي، تعزز في الواقع هيمنة الحكومة على العملية التشريعية، كما لفت إلى أن ضعف المعارضة وتشتتها التنظيمي يقلل من قدرتها على التأثير في التشريع، مستشهدا بمبادرة المعارضة الأخيرة بشأن ملتمس الرقابة في 2024، والتي لم تحقق التأثير المأمول.
وأكد المتحدث، أن التركيبة الاجتماعية والسياسية في المغرب تساهم في إضعاف دور البرلمان، حيث تعاني الأحزاب السياسية من ضعف تنظيمي، كما أن ارتفاع نسبة الأمية ونقص الوعي السياسي لدى جزء كبير من المجتمع يحد من فعالية العمل التشريعي، مضيفا أنه غالبا ما يتم التركيز على التوافق بين الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، على حساب النقاش العميق والتعددية في وجهات النظر.
وفي كلمته خلال الجلسة الختامية، أعاد الطالبي العلمي التأكيد على أهمية النصوص التشريعية التي تمت المصادقة عليها خلال هذه الدورة، مشيرا إلى أن قانون المالية لسنة 2025 ومشروع القانون التنظيمي الخاص بحق الإضراب يعدان من أبرز الإنجازات. وأوضح أن الأخير، رغم الجدل الذي أثاره، يعد خطوة مهمة لتلبية انتظارات المجتمع المغربي، خاصة بعد عقود من الانتظار.
وأكد العلمي أن المسؤولية الجماعية تقتضي توفر البلاد على نصوص تشريعية تنظيمية، مشيرا إلى أن الدورة التشريعية الحالية كانت فرصة لتعزيز الإطار القانوني الذي ينظم العديد من الجوانب الحيوية في المجتمع.
اترك تعليقاً