التربية الجنسية وغيابها في مجتمعاتنا العربية

إن الحديث عن موضوع التربية الجنسية لدى الأطفال لمن المواضيع المهمة ، والتربية الجنسية بمفهومها العام تعتبر من المواضيع المسكوت عنها ، وذلك لما خلفته الثقافة الشعبية والتربية الدينية الغير المبنية على أسس سليمة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالعيب والحرام والأخلاق وخدش الحياء و” لحشومة ” فالخلفيات ذاتها تسببت في غياب التربية الجنسية في هذه المجتمعات وهو ما جعل الشباب والفتيات الذين يتعرضون لمشاكل نفسية أو صحية تتعلق بالجنس والإنجاب يعجزون عن إيجاد حلول مناسبة بدءا بالكلام في الموضوع وطرح المشكلة وصولا إلى إيجاد آذان صاغية ومتفهمة تساعد في العلاج وتقديم الحلول.
الثقافة العربية الإسلامية لا تقبل الموضوعية والحياد ولا التحرر أمام طرح هذه المسائل وهو ما جعل أجيالا متتالية تعيش تحت وطأة أميّة جنسية في غياب التربية الجنسية.وهو ما دفعها أن تخرج عن إطارها الطبيعي الفسيولوجي لترتبط بقيم ومبادئ صاغتها ثقافة كاملة حكمت على العديد من الأجيال بالصمت عن الموضوع كلما غصنا في عمقها وتاريخها نجدها أكثر تشددا في طرح موضوع الجنس.
الإنسان كائن اجتماعي وفسيولوجي في نفس الآن وتظهر عليه تغيرات جذرية خصوصا في مراحل عمره الأولى وهذه التغيرات مرتبطة بتكوينه الشخصي وعلاقته بالمجتمع الخارجي ، وأبرزها ما يظهر عليه في سن البلوغ أي اكتساب القدرة الطبيعية على الإنجاب ويحتاج الطفل في هذه المرحلة التي تقترن بسن المراهقة من يساعده على تحليل وفهم وتقبل ما يشهده جسده من تطورات. وغياب التربية الجنسية في مجتمعاتنا يساهم في تولد بؤرة التوتر والخلاف وصراع الذات على عكس المجتمعات الغربية يجد المراهق ذكرا كان أم أنثى من يساعده في الفهم إمّا في العائلة من والدين أو إخوة أو أقارب أو في المدرسة والمعهد حيث يتلقى دروسا في العلوم الطبيعية ودروسا تربوية وتثقيفية تقرب له صورة دورة الحياة وما يطرأ على الإنسان من تطور بدني ونفسي وعقلي.
فنجده يتقبل الأمر ويفهمه ويكتشف في الآن ذاته جوانب هامة عن جسده وعن مستقبله وصحته الجنسية والإنجابية في سن مبكرة فتتكون لديه مقاربة علمية يفهم من خلالها النشاط الجنسي على أنه مكون أساسي في حياة البشر وهي بداية بناء تربية جنسية يطورها فيما بعد بالتعلم وتبادل الآراء والنقاش مع الآخر ليكتسب ثقافة جنسية ترجّح كفة التحاليل العلمية الموضوعية على الميول الثقافية والأخلاقية.
المشكل عويص بما تحمله الكلمة من معنى خصوصا أن هذا الأمر مسكوت عنه حتى في المدارس كوسط للتنوير وإكساب مهارات تساعد التلميذ تعلم فن الحياة ، فغياب البرامج التربوية التي تهدف بالأساس إلى تربية التلميذ تربية جنسية سليمة يساهم في تضخم هذا المشكل ، وحتى إن وجدت تجدها تدرس بطريقة غير سليمة تتحكم فيها عدة أسباب راجعة بالأساس إلى ثقافة المجتمع وما خلفته الأسطورة أو ربما المفاهيم الخاطئة للدين والتي يغلب عليها منطق العار والنجاسة وقلة الأدب .
هذا التعقيد للمسألة من خلال ربطها بالجوانب الأخلاقية والقيم يجعل الشباب في المجتمعات العربية يعيش علاقة غامضة مع الجسد لأنه لا يفهمه ولا يتفهمه وكلما تقدم في السن يزداد التعقيد لأنه إما يبحث عن المعلومة والمعرفة بالأمور الجنسية بطرق سرية أي بعيدا عن النقاش والتحدث للكبار في السن الذين يمكن أن يفيدوه ويقدموا له المعلومة الصحيحة، فيأخذ أفكارا ومعلومات تكون في أغلب الأحيان خاطئة إما عن طريق أقرانه الذين لا يختلفون عليه كثيرا في التكوين أو بواسطة مصادر أخرى مثل الإنترنت وغيرها والتي تمتلئ بالغث والسمين من المعلومات التي تتضمن أحيانا كثيرة مخاطر يتعرض لها المراهق أثناء تصفحها والاطلاع على مضامينها. غياب المعلومة حول الجوانب الجنسية الأساسية في الحياة وغياب المصادر الموثوقة والصحيحة التي تقدم التفسيرات العلمية للأشياء تجعل الفتاة العربية أميّة جنسيا فاقدة للتربية مما يساهم في تشويه شخصيتها المستقبلية جنسيا والتي غالبا ما يكون لها تأثير كبير على صحتها الإنجابية والنفسية .
كما أن الأمية الجنسية سيف مسلط على رقبة المرأة فمضاره تهددها أكثر من غيرها لأنها الأنثى التي تحمل الجنين وتضعه ثم ترضعه وهي التي تربيه وتغذيه جسديا وعاطفيا وفكريا. المرأة تتضرر أكثر من الرجل منذ سنّ البلوغ لأن التغيرات التي تطرأ على جسدها أكثر حدة كمّا وكيفا من الرجل. ولأنها المطالبة بأن تبدي الطاعة للعائلة وللمجتمع وأن تتقن الخضوع للعادات والتقاليد وهي في موقف حساس تجاه المسائل الجنسية لأنّ شرفها وما تستحق من احترام رهين عذريتها. والسمعة الطيبة للفتاة في المجتمعات العربية لا تقف عند الشرف بل تخضع لمقاييس السلوك واحترام الإرث الثقافي فإذا أطلقت لنفسها العنان وفكّرت وتحدثت وتصرفت بحرية وتساءلت عن تفاصيل جسدها في علاقة بالآخر فإنه سيحكم عليها بالجرأة في ألطف الحالات وبالوقاحة وانعدام التربية في أغلب الحالات، لذا يتطلب منا الاهتمام بهذا الموضوع نظرا لأهميته الكبرى في تكوين شخصية الفرد سواء “ذكرا أو أنثى” منذ السنوات الأولى من مراحله العمرية.
اترك تعليقاً