سياسة

“امتحان دعم فلسطين”.. معتضد: عقيدة الدبلوماسية المغربية لا تخضع للانفعال

مع تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في انتهاك واضح لاتفاق وقف النار، برزت دعوات متزايدة لوقف التطبيع مع إسرائيل، في الوقت الذي يستمر فيه التنديد بالسياسات الإسرائيلية التي تنتهك حقوق الفلسطينيين.

في سياق التصعيد الأخير في قطاع غزة، أدان المغرب، في أول رد رسمي له، الهجوم الإسرائيلي “الوحشي” الذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين.

هذا الموقف المبدئي يعكس، حسب خبراء، ثبات المملكة في دعمها للقضية الفلسطينية، ويؤكد التزامها الثابت بالحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني، ومع ذلك، لا يخلو هذا الموقف من الانتقادات، حيث أشار العديد من المهتمين إلى تأخر صدور هذا البيان، مطالبين بتحرك أكثر سرعة وحسما.

في هذا السياق اعتبر خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن الموقف المغربي من الحرب الإسرائيلية على غزة لا يمكن فهمه بمعزل عن العقيدة السياسية التي تنتهجها الرباط تجاه القضية الفلسطينية.

دبلوماسية هادئة

وأوضح المتحدث، أنه المغرب  ظل ثابتا على موقفه الداعم للحقوق الفلسطينية، سواء من خلال دوره في منظمة التعاون الإسلامي أو عبر ترؤسه لجنة القدس، مما يعكس التزاما مبدئيا وليس مجرد استجابة ظرفية، مؤكدا أن التنديد الرسمي الصادر عن المغرب يأتي في هذا السياق، حيث يجدد رفضه لاستهداف المدنيين وتدمير البنية التحتية، وهو ما يتماشى مع رؤيته الداعمة لحل الدولتين واحترام الشرعية الدولية.

‎ويرى معتضد أن الثقافة الدبلوماسية المغربية في إدارة ملف القضية الفلسطينية تتميز بتوازن دقيق بين الدعم السياسي والمقاربة البراغماتية، خاصة وأن المغرب لا يعتمد على ردود الفعل الانفعالية، بل يتحرك وفق دبلوماسية هادئة تمكنه من لعب أدوار الوساطة عند الضرورة، ما يجعله شريكا موثوقا به على المستويين الإقليمي والدولي، ويعزز قدرته على الدفع نحو حلول عملية بدلًا من الاقتصار على المواقف الرمزية.

‎وحسب المحلل السياسي، فإن التنديد المغربي الأخير هو إعادة تأكيد على أن الرباط تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وليس فقط ضمن سياق عاطفي أو إعلامي، كما أن التفاعل المغربي مع هذا الملف يأتي وفق سياسة متكاملة تسعى إلى دعم الفلسطينيين عبر مسارات متعددة، سواء بالمساعدات الإنسانية أو الدعم الدبلوماسي في المحافل الدولية، وهو ما يعكس فهما عميق لتعقيدات الملف الفلسطيني وتحدياته الراهنة.

ويرى معتضد، أن هذه الخطوة المغربية تندرج ضمن سياسة متوازنة تحاول المواءمة بين دعم الحقوق الفلسطينية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي ومصالح المغرب الاستراتيجية، فهي رسالة دبلوماسية تبرز أن المغرب ليس مجرد متفرج على الأحداث، بل هو طرف فاعل لديه أدوات تأثير حقيقية تمكنه من الحفاظ على خطابه السياسي والدبلوماسي بشكل متزن ومدروس.

وفي حديثه عن توقيت إعلان المغرب عن موقفه من الحرب على فلسطين، شدد المتحدث ذاته، على أن هذا الأمر يجب أن يكون في سياق الحسابات الجيوسياسية التي تحكم سياساته الإقليمية والدولية. وسجل خبير الشؤون الاستراتيجية، أن “المغرب ليس دولة معزولة عن محيطها، بل هو جزء من شبكة معقدة من المصالح والتحالفات، ما يجعله يختار خطواته بعناية وفق تطورات الوضع الميداني وردود الفعل الدولية”، مؤكدا أنه ” لا يرى أن التوقيت كان متأخراً بقدر ما كان مدروسًا لتحقيق أكبر قدر من التأثير دون تعريض المصالح الاستراتيجية لأي انتكاسة”.

‎واضاف قائلا: “من وجهة نظري، المصالح الحيوية للرباط، سواء في ما يتعلق بقضية الصحراء أو الاستقرار الاقتصادي والأمني، تجعلها تتجنب التصعيد غير المدروس في أي ملف دولي، فالسياسة الخارجية للمغرب تقوم على مبدأ تحقيق التوازن بين دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على العلاقات الإقليمية والدولية، خاصة مع القوى الكبرى التي تؤثر في مجريات النزاع في الشرق الأوسط، لهذا، لا أرى أن موقف المغرب ليس وليد ضغط داخلي أو خارجي، بل هو جزء من رؤية سيادية تحكمها اعتبارات استراتيجية بعيدة المدى”.

معادلة دقيقة

‎أما بخصوص إمكانية مراجعة المغرب لعلاقاته مع إسرائيل، اعتبر المتحدث ذاته، أن ذلك مرتبط بعوامل متعددة، أهمها التقييم الدقيق لميزان الربح والخسارة، فمن المعروف أن المغرب لم يقدم على التطبيع بمنطق التحالف الأيديولوجي، بل بمنطق استثماري استراتيجي يهدف إلى تحقيق مكاسب في مجالات الأمن، التكنولوجيا، والاقتصاد، وبالتالي، فإن الرباط ستتخذ قرارات متسرعة أو انفعالية بهذا الشأن، بل ستستمر في موازنة التحديات والفرص وفق منظور طويل الأمد.

ويرى خبير الشؤون الاستراتيجية، هشام معتضد، أن المغرب أمام معادلة دقيقة تتطلب إدارة حذرة للأولويات، فمن جهة، هو متمسك بدعمه السياسي والتاريخي للقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، يسعى للحفاظ على مصالحه الاستراتيجية ضمن بيئة إقليمية معقدة، لذا، فإن الرباط ستواصل سياستها المتزنة، حيث تستثمر في بناء شراكات استراتيجية مع مختلف الأطراف دون التفريط في ثوابتها السياسية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • محمد الله وليه
    منذ 6 أشهر

    دبلوماسية هادئة ههههههه قبح الله سعيكم