منتدى العمق

تأملات سياسية عسكرية من خلال الحرب الباكستانية الهندية

خالد بنشريف

سيخيب ظن الاستراتيجي الأمريكي هنري كيسنجر، صاحب نظرية الإمساك بخيوط بؤر التوتر في العالم والتلاعب بها وفق المصالح الأمريكية؛ إذ إن مستجدات الساحة الدولية تشير إلى أن التحالف الهندي-الأمريكي-الإسرائيلي بات يواجه توازنًا حقيقيًا في القوة من خلال التحالف الصيني-التركي-الباكستاني، المدعوم دبلوماسيًا وإعلاميًا من طرف دولة قطر. هذا التغير في موازين القوى سيربك بلا شك حسابات “الثور الهائج” دونالد ترامب، الذي سيجد نفسه مروضًا رغمًا عنه.

أما الواقع العسكري في غزة، فيؤكد أن العدو الصهيوني لم يحقق بعدُ هدفيه الاستراتيجيين: القضاء على حركة حماس، وتهجير سكان غزة إلى دول الجوار. فعنصريته في محاولة استرجاع الأسرى دون اتفاق مع حماس باءت بالفشل، في وقت تواصل فيه جبهات الإسناد، وعلى رأسها الجبهة اليمنية، توجيه ضربات موجعة لإسرائيل وللولايات المتحدة على حد سواء. هذه الأخيرة تحاول التنصل من مواجهة عبثية، أثبتت فيها إدارة ترامب عجزها عن السيطرة على القوى المناهضة لحليفها الإسرائيلي، الذي يحفر قبره بيده بجدية وغباء.

وقد اتضح أن السلاح الصيني، الذي تمتلكه باكستان، تفوق على الطائرات الفرنسية الصنع التي تستخدمها الهند، والتي سقطت كأوراق الخريف. يضاف إلى ذلك فاعلية منظومة “كورال” الإلكترونية التركية، التي زودت بها أنقرة حليفها الباكستاني، إذ أربكت الطيارين الهنود داخل قمرة القيادة بسبب التشويش الإلكتروني الكثيف، ما أدى إلى شلل سلاح الجو الهندي في أولى المواجهات.

الأكثر إثارة في هذه الحرب، أن الجيش الباكستاني أسقط 25 طائرة مسيّرة من طراز “هاروب” الإسرائيلية، ما يمثل ضربة قاصمة لفخر الصناعة الإسرائيلية، ويؤكد هشاشتها أمام تكنولوجيا التحالف الباكستاني-التركي-الصيني. وهو ما يُرجّح ارتفاع أسهم الصين وتركيا في سوق السلاح العالمي، في حين يُتوقّع أن تتكبد المسيرات الإسرائيلية وطائرات “رافال” الفرنسية خسائر في السمعة والطلب.

ورغم كل هذا، لم يتم حتى الآن استخدام مسيرات “بيرقدار أقينجي” التركية المتطورة، ما يؤكد أن باكستان لا تزال تحتفظ بأوراق استراتيجية قادرة على تغيير مسار الحرب بشكل كلي. ذلك أن الهند، التي لم تستفق بعد من صدمة الهزيمة الأولى، فشلت في قراءة عمق التحالفات التي نسجتها باكستان بعناية منذ سنوات. كما أن الاستخبارات الباكستانية أثبتت فاعلية أكبر من نظيرتها الهندية، خصوصًا في الاستفادة من التقنيات الروسية والتركية التي أظهرت تفوقًا واضحًا، وأسهمت في وقوع الهند في فخ المغامرة، بتحريض أمريكي-إسرائيلي.

ختامًا، يمكن القول إن المغرب، الذي راهن على السلاح الإسرائيلي والفرنسي، قد خاب ظنه، خاصة أن خصمه الإقليمي، الجزائر، يرتبط بعلاقات جيدة مع تركيا والصين، حليفي باكستان. تركيا، تحديدًا، سبق أن عرضت وساطة جدية في ملف الصحراء مقابل مكاسب لجميع الأطراف، لكن “الدولة العميقة” في المغرب لم تستوعب بعد طبيعة التحولات الجيوسياسية ونوعية السلاح الحاسم في حروب اليوم، ما يجعلها اليوم مذهولة أمام ما حققته باكستان من تفوق عسكري استراتيجي، عبر تحالفات رشيدة بعيدة عن الكيان الصهيوني، عدو الأمة الأول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *