العقوبات البديلة نحو الأنسنة

غير بعيد عن موعد دخول قانون العقوبات البديلة 43.22 حيز التنفيذ، تبدأ الإستعدادات من أجل العمل به، هذا القانون الذي يعد علامة فارقة في الترسانة القانونية و منعطف متميز في التشريع المغربي، و خطوة جريئة نحو التجديد في العدالة الجنائية، حيث أثار ضجة كبيرة نظرا لرؤيته المختلفة و انقسم إلى أربعة أصناف :
1-العمل من أجل المنفعة العامة، من خلال تقديم خدمات اجتماعية دون مقابل مادي، في مجالات متعددة.
2-المراقبة الإلكترونية، و تتمثل في وضع سوار إلكتروني يتيح تتبع تحركات المحكوم عليه، مع تحديد الأماكن التي يسمح له فيها بالتنقل.
3-تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، كمنع الشخص من إرتياد أماكن معينة أو إلزامه بحضور جلسات للعلاج و التأهيل.
4-الغرامة اليومية، تتجلى في أداء مبلغ مالي بشكل يومي، بدل العقوبة السجنية وفق ما يحدده القاضي.
ويطبق في الجنح التي لا تتجاوز خمس سنوات، باستثناء حالات العود و طبعا مع التحفظ على مجموعة من الجرائم، تلك المتعلقة بأمن الدولة و الإرهاب ،الإختلاس أو الغذر و الرشوة أو استغلال النفوذ أوتبديد الأموال العمومية، أيضا غسل الأموال و الجرائم العسكرية،الإتجار الدولي في المخدرات، الاتجار في المؤثرات العقلية، الإتجار في الأعضاء البشرية و الاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص في وضعية إعاقة.
إضافة إلى ذلك فمجموعة من المقتضيات التي جاء بها قانون العقوبات البديلة، مرتبطة بتدخل مكتب المساعدة الاجتماعية، من قبيل إجراء الأبحاث الاجتماعية قبل النطق بالحكم القاضي باستبدال العقوبة الحبسية بالعقوبة البديلة، أو في إطار التأكد من صحة المعلومات التي يدلي بها المحكوم، بالإضافة إلى مجموعة من الأدوار المرتبطة بتنفيذ تدابير العقوبات البديلة، وإنجاز تقارير بشأنها.
مما يوضح خيار الأنسنة الذي ينهجه قطاع العدل بالمغرب، وهو ما يخرجه عن إطاره التقليدي و يسير به في منحى معصرن، يتقاطع فيه الاجتماعي والنفسي بالقانوني في نفس الآن، و الإهتمام بهذا الجانب يرتقي بالخدمة المرفقية عامة، و يحدث أثرا إيجابيا و الأنسنة بمفهومها العام وجدت لجعل المرفق و النصوص القانونية في خدمة الإنسان.
إذن فالحديث عن قانون 43.22 ، يستدعي معه التطرق للمقاصد العامة، و الأهداف الرئيسية الكامنة وراء هاته الخطوة التشريعية الجديدة، و نجد أبرزها أنسنة نظام العقوبات و إعادة الإدماج، و عدم التركيز على الردع فقط و إنما نهج سياسة الإصلاح و التقويم، من خلال تأهيل الجناة وضبط سلوكهم، بالإضافة إلى ترسيخ العدالة التصالحية، وهي في عمقها محاولة لتعويض المجتمع، بطريقة ذكية عن الأضرار التي تسبب فيها الجناة.
و من جانب آخر فتطبيق هذا القانون، راجع إلى التخفيف من حدة الإكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، وكذا الحد من عبء التكاليف المادية الناجمة عن العقوبات الحبسية، في خطوة تتجاوز العقاب التقليدي و تتطلع للتحديث و الانفتاح على رؤى متجددة.
أما فيما يخص الإنتقادات التي قد تطال هذا القانون، أو حتى محاولة تقييم هذا التشريع فهي مسألة صعبة و غير ممكنة في الوقت الحالي، خصوصا و انها تجربة تحتاج لوقت كافي من أجل الحكم عليها، و ادراك مكامن الخلل و الإشكالات أوالاكراهات المرتبطة بها.
لكن أهم نقطة في نظري ،و كما هو معروف أن أي جديد تشريعي يجر معه مجموعة من علامات الإستفهام لدى كافة أفراد المجتمع، فإذا كان هناك سهر على تنظيم الدورات التدريبية لفائدة المكلفين بتطبيق الأحكام، و اللقاءات التواصلية مع المسؤولين القضائيين بغية تجاوز الصعوبات المرتبطة بالتنزيل، ففي المقابل لا يمكن غض الطرف عن المتلقي ألا وهم مكونات المجتمع(المواطنين) ، فهل يعد أمرا سهلا التقبل الاجتماعي لهذا التشريع الغير مسبوق؟
مما يستدعي معه رفع الوعي بشأنه، والعمل على التأطيرو التعبئة المجتمعية و الإعلامية، من اجل التعريف بهذا القانون و أهدافه و الغاية منه، و إقناع المواطن بأن سن هذا القانون لا يعد تساهلا مع الجناة أو تجاوزا عن أخطاءهم، بل هو رؤية متجددة لها أهداف إيجابية، و هو ما يجب معه استغلال هاته الفترة السابقة لدخوله حيز التنفيذ، سواء من خلال الندوات و اللقاءات التلفزية و الإذاعية، وأيضا على منصات التواصل الاجتماعي، باعتبارها تستقطب شرائح مهمة من المجتمع، فالغاية من القوانين بصفة عامة هي تنظيم السلوك المجتمعي، و تحقيق التوازن بين مصالح الأفراد و حماية الحريات و الحقوق و حل النزاعات، دون تأجيج الصراعات أو إحداث شرخ ما وهي مسألة مبنية على ثقة المواطن في العدالة و القوانين .
اترك تعليقاً