الضربة الصهيونية على إيران.. حرب وجودية ومخاطر إقليمية

لا شكّ أن الضربة العسكرية الصهيونية المفاجئة على إيران، والتي استهدفت أراضيها ومؤسساتها العسكرية والنووية قبيل فجر يوم الجمعة (13 يونيو 2025)، وهو الفعل العدواني الذي أسفر عن اغتيال قيادات عسكرية بارزة وشخصيات علمية ونووية، قد هزّت المتابعين لما يجري في المنطقة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى. ورغم أن البعض يرى أنها كانت متوقعة وأن التحضير لها استغرق سنوات، إلا أنه لا ينبغي التعامل معها بسطحية أو من منظور اختزالي، كما لا يصح حصرها في سياق استهداف دولة شيعية فقط.
ليس من المنطقي أن تظل القوى الحية غير مبالية بهذه الضربة والتطور الخطير، أو أن تنظر إليها كخبر عابر؛ بل يجب التفاعل مع الحدث بجدية تامة، نظراً لخلفيته الإيديولوجية وعقيدته الحاقدة وطبيعته العدائية المدمّرة. وعليه، فإن على جميع الدول المجاورة، وكذلك الشعوب العربية والإسلامية، أن تعي خطورة ما يحدث، وألا تتصرف وكأن الأمر لا يعنيها. فهذه الحرب المسعورة التي يشنّها الكيان الصهيوني ليست سوى حرب وجودية تستهدف المنطقة برمتها.
إن استهداف طهران هو استهداف لآخر ما تبقّى من حصون الكرامة والعزة التي بقيت للأمة العربية والإسلامية؛ فهي من دعمت وساندت المقاومة في فلسطين ولبنان واليمن، في وقت تُركت فيه غزة تقاوم أعنف آلة عسكرية في المنطقة، وتواجه عدوًّا يمتلك أحدث الأسلحة والتقنيات.
إن اللحظة التاريخية تقتضي استرداد الوعي العربي المستلب من قِبَل كيانٍ زرع بذور الهيمنة، وغسل أدمغة الحكام سياسيًا، واستعمر الشعوب ثقافيًا، وهيمن على مقدّرات الدول اقتصاديًا.
كنا نأمل أن تسهم الدول العربية في وقف هذه الحرب، وتُدان الجرائم الصهيونية التي ترتكبها آلة القتل الممنهجة. لكننا فوجئنا بتورّط بعض الدول المجاورة في تقديم تغطية جوية لصالح المحتل، بل وبانخراط لافت من بعض الشركاء في الجريمة، عبر اعتراض الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة التي استهدفت الكيان المعتدي. ومن هذا المنطلق، فإن ما تقوم به الأردن، من اعتراضٍ مباشر للصواريخ الإيرانية، وانحيازها الغريب إلى صفّ الكيان الصهيوني، هو موقف ستدفع ثمنه قريبًا.
إن الصمت على الجرائم الصهيونية، والتغوّل الواسع للكيان في العمق الاستراتيجي للمنطقة، سواء من قِبل دول الشرق الأوسط أو الخليج العربي، لن يؤدي إلا إلى تعجيل نهاية هذه الأنظمة، وبداية مرحلة جديدة لإعادة تشكيل الخريطة الجغرافية والتاريخية للمنطقة.
المعوّل عليه – بعد إرادة الله تعالى – هو توجيه ضربة موجعة إلى عمق الكيان، ضربة قوية تردعه وتحدّ من تمدّده، وإلا فإن الثمن سيكون فادحًا على الجميع، من المحيط إلى الخليج.
وعلى صناع القرار في العالم العربي ونخبه أن يدركوا أن الحرب ليست فقط ضد إيران الشيعية، ولا ضد غزة السنية، بل هي حرب وجودية شاملة تهدف إلى تصفية أي مشروع مقاوم يسعى إلى التحرر من الاستبداد والاستكبار. نحن أمام صراعٍ واضح بين مشروع صهيوني إحلالي يسعى إلى محو كل ما هو عربي وإسلامي، وبين مشروع تحرري يطمح إلى الحفاظ على الكرامة والسيادة والهوية.
إن واجب المرحلة يحتم تحركًا عربيًا وإسلاميًا واعيًا، يتجاوز الانقسامات المذهبية والطائفية، ويجعل من التصدي للعدوان الصهيوني أولوية قصوى. ذلك لن يتحقق إلا بتوحيد الجهود، وتعزيز الحوار، وبناء جبهة متماسكة قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، تمهيدًا لاجتثاث الورم السرطاني الذي يمثلّه الكيان الصهيوني، ووقف توسعه.
وإذا لم يتم التحرّك الآن، فستكون الأثمان باهظة والنتائج كارثية، ولن تنجو من تداعياتها أي دولة أو شعب في المنطقة.
رحم الله شهداء الضربة الصهيونية الغادرة، وأسكنهم فسيح جنانه.
اترك تعليقاً