توجيه جديد لتقييم التعليم الابتدائي بالمغرب.. نحو تبسيط وتقليص العبء على التلاميذ

يواصل المغرب تنظيم امتحانات جهوية في نهاية المرحلة الابتدائية، رغم أن هذه الامتحانات لا تمثل سوى 25% فقط من المجموع النهائي للنقط المحصل عليها من طرف التلميذ. هذه الممارسة التي تثقل كاهل ميزانية الدولة وتستنزف موارد بشرية ومادية كبيرة، تثير نقاشاً مستحقاً حول فعاليتها الحقيقية. نهاك تأثيرها النفسي على الأطفال، وتكاليفها اللوجستيكية والاقتصادية، وملاءمتها التربوية في ظل التحولات الكبرى التي يعرفها مجال التربية والتعليم.
حيث يعاني التلاميذ، ولا سيما الذين ينتمون إلى الجيل ألفا المولود بعد 2010، من ضغط نفسي كبير جراء هذه الامتحانات. فالتركيز على الامتحان الإقليمي على مدار السنة الدراسية يُغَيِّب التعلم التدريجي وتنمية الشخصية وبناء الثقة بالنفس، مما ينتج التوتر والقلق والإرهاق الذهني، على الرغم من الوزن النسبي المحدود لهذه الامتحانات.
من المفترض أن تكون السنة السادسة من التعليم الابتدائي مرحلة انتقالية ومراقبة تساعد التلميذ على التكيف مع متطلبات التعليم الثانوي، حيث تتعدد المواد وتتنوع أساليب العمل ويزداد الاستقلال. علاوة على ذلك، في هذا السن، الذي يمثل بداية مرحلة المراهقة لدى الغالبية من التلاميذ، يمر الطفل بتغيرات هرمونية وعاطفية عميقة، مما يستدعي أن يكون هناك تقارب ودعم تربوي يعزز الجوانب الوجدانية والاجتماعية، ويواكب حاجته للتكيف مع هذه التحولات الطبيعية. غير أن التركيز على الامتحان الإقليمي يحرف هذه المهمة الأساسية، ويحول التقييم إلى حاجز بدلاً من أن يكون أداة دعم تربوي للانتقال السلس.
إضافة الي ذلك، أن تنظيم هذه الامتحانات يشكل عبئا ماليا كبيرا على الدولة، بحيث تتضمن تجهيز مراكز الامتحان، تعيين المراقبين والمصححين، ضمان أمن الامتحانات، ومعالجة النتائج. بالإضافة إلى التأثيرات الاقتصادية غير المباشرة، مثل اضطرار العديد من الآباء والأمهات إلى التغيب عن العمل لمرافقة أبنائهم خلال فترة الامتحانات. وهو ما يمثل خسارة اقتصادية يصعب تقديرها لكنها ليست ضئيلة، ما ينعكس سلباً على الإنتاجية الوطنية.
ومن بين الأثار السلبية العميقة لهذه الامتحانات، أنها تشجع الأسر على اللجوء إلى الدعم المدرسي الخصوصي منذ التعليم الابتدائي. حيث بات العديد من الآباء يلجأن إلى الدعم المدرسي الخارجي كخيار دائم لمواكبة أبنائهم دراسياً، ما يعمق ظاهرة الاعتماد على الدروس الخصوصية منذ سن مبكرة، ويفقد التلاميذ تدريجياً حس الاستقلالية والتعلم الذاتي. وتتحول هذه العادة إلى ممارسة مستمرة ترافقهم في التعليم الإعدادي والثانوي التأهيلي، مما يؤدي إلى فقدان استقلاليتهم في التعلم، ويزرع ثقافة التحضير للامتحان أكثر من بناء الكفاءات الحقيقية.
كما أن هذا الوضع يضاعف من حدة الضغوط الملقاة على كاهل أساتذة القسم النهائي من التعليم الابتدائي، حيث ينشغلون الأساتذة بالتحضير لامتحان شكلي لا يمثل سوى 25% من النتيجة العامة، بدلاً من التركيز على إرساء قواعد تعليمية قوية تمهد وتضمن انتقال تربوي سلس نحو التعليم الإعدادية. الثانوي.
علاوة على ذلك، بأن غالبًا ما يتجاهل التقييم جهوي في نهاية المرحلة الابتدائية خصوصيات كل مؤسسة تربوية، مما يخلق شعورًا بعدم العدالة لدى بعض التلاميذ الذين يواجهون مواضيع لا تعكس واقعهم التعليمي، وهو ما يؤدي إلى تراجع ثقتهم في منظومة التعليم العمومي ويطرح تساؤلات جدية حول فعالية هذا النوع من التقييم. لا سيما أن التوجهات الراهنة تسير نحو اعتماد مشروع تربوي لكل مؤسسة، يكون منسجماً مع بيئتها السوسيو-اقتصادية، ووفقاً لآفاق المنظومة التربوية المغربية
من جهة أخرى، تتجه العديد من الدول المتوسطية مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال إلى إلغاء الامتحانات الوطنية أو الجهوية في نهاية المرحلة الابتدائية، معتمدة على التقييم المستمر الذي يجري داخل المؤسسات التعليمية. هذا الأسلوب يوفر تقييماً أكثر عدلاً ومرونة ويخفض التكاليف اللوجستية، ويوفر استقراراً أكبر للتلاميذ والأساتذة والأسر.
في هذا السياق، يتم تقييم مكتسبات التلاميذ في السنة السادسة من الابتدائي والثالثة إعدادي، ليس فقط من خلال لجان وطنية، بل أيضاً من خلال لجان دولية. ومن بين الهيئات الوطنية المشرفة: المركز الوطني للامتحانات والتقويم التابع لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وكذلك لجنة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمغرب. وعلى المستوى الدولي، تشارك عدة هيئات مرجعية مثل اليونسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، والبنك الدولي. وهذا قد يكون قياساً لتقييم كفاءات التلاميذ بدل الامتحانات الوطنية المكلفة نفسياً ومادياً.
ومن الجدير بالذكر، أن هذه الرؤية تندرج في إطار توجه دولي واضح نحو إلغاء الامتحانات النهائية في المرحلة الابتدائية، مع تبني ممارسات تربوية قائمة على البساطة والمرونة، وتقليل أعباء المواد الدراسية والاختبارات على التلاميذ. ذلك أن هذه المرحلة تعد أساسية ومفتاحية في التعليم، ويجب أن تهيئ التلميذ بشكل ملائم للمرحلة الثانوية القادمة، وذلك من خلال مناهج وتقويمات أكثر توازناً وإنسانية بأقل كلفة مادية.
اترك تعليقاً