مجتمع

لغروس: الصحافة ليست ترفا وتجربة التنظيم الذاتي لن تنجح دون “بروفايلات مصلحة”

شدد محمد لغروس، مدير نشر جريدة “العمق المغربي”، على أن “الصحافة ليست ترفا”، مؤكدا أن نجاح تجربة التنظيم الذاتي للمهنة يبقى رهينا بوجود “بروفايلات مُصلحة”، على حد تعبيره، داعيا إلى ضرورة ضبط الآليات الانتخابية داخل الهيئات المهنية من أجل إفراز قيادة صحافية غيورة على المهنة وملتزمة بأخلاقياتها.

جاء ذلك خلال مداخلة للغروس في ندوة نظمها المنتدى المغربي للصحافيين الشباب بمناسبة صدور دراسة مرجعية جديدة بعنوان “التنظيم الذاتي بين رهان تعزيز حرية الصحافة وتحدي النهوض بأخلاقيات المهنة”.

وقال لغروس في كلمته: “نحن بحاجة إلى صحافيين مهنيين وبيئة تعي أن الصحافة ليست مصدرا للإزعاج، بل ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الديمقراطية، كما تؤكد ذلك الأدبيات السياسية والدساتير، وحتى الرسالة الملكية لسنة 2002 التي شددت على أن لا مجتمع دون صحافة حرة ومسؤولة”.

واعتبر أن غياب هذا الوعي، سواء لدى الفاعلين أو المهنيين أنفسهم، يُبقي الوضع رهينة الفوضى، قائلا: “نعيش حالة من الانتهاك الممنهج لأخلاقيات المهنة، وهناك جهات تستفيق كل صباح بحثا عن خرق جديد”.

وأكد لغروس أن المهنة تحتاج اليوم إلى نماذج يُحتذى بها، لأن “من لا يحمل نية الإصلاح لا يمكنه أن يُصلح”، مضيفا بنبرة انتقاد: “كيف نُعوّل على من اعتاد التحايل والالتفاف على الإصلاح؟ لقد أصبح الرهان على الضمير المهني غير كاف، والأولويات تُحدَّد مسبقا ثم يُبحث لها عن غطاء قانوني”.

وفي السياق ذاته، اعتبر لغروس أن النقاش حول “السلطة المشتركة” لا يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية دون تنظيم ذاتي حقيقي، مشددا على ضرورة استقلال هذا التنظيم عن السلطة التنفيذية، وقال في هذا الصدد: “هل يُعقل أن نُحرم حتى من اختيار من يمثلنا داخل الهيئات المهنية؟ نحتاج إلى عملية ديمقراطية مُحكمة لا تترك مجالا للتأويل”.

وأشار إلى أن المجلس الوطني للصحافة سبق له أن تحدث عن حالات تزوير في وثائق وشهادات صادرة عن مؤسسات، متسائلا عن أسباب عدم الإحالة على النيابة العامة، واصفا التبريرات المقدمة بـ”الواهية”.

وأكد على ضرورة إصلاح آليات انتخاب القيادات المهنية بما يعكس الخيار الديمقراطي للمملكة، مشيرا إلى أن “الإشكال لا يتعلق فقط بغياب الآليات، بل أيضا بندرة الشخصيات الإصلاحية المؤهلة لقيادة التغيير داخل الحقل الإعلامي”.

وأضاف: “لا نزال عاجزين عن تدبير الانتخابات بالشكل الذي يليق بمهنة الصحافة، نحن بحاجة إلى إرساء أبجديات الديمقراطية بتفاصيلها وشكلياتها، بعيدا عن منطق التعيين والامتداد في بيئة تفتقر إلى الشروط السليمة”.

دراسة للتنظيم الذاتي

وشكلت الندوة مناسبة لعرض مضامين ومخرجات الدراسة الجديدة، التي اعتمدت مقاربة تحليلية نقدية لتجربة التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب، مستندة إلى تحليل نظري للتجارب الدولية الرائدة، إلى جانب تتبع تجربة المجلس الوطني للصحافة منذ تأسيسه سنة 2018.

وتضمنت الدراسة شقا ميدانيا تم من خلاله توزيع استمارات بحثية على عينة من الصحافيين المغاربة بمختلف الجهات والتخصصات، لاستطلاع آرائهم بخصوص التمثيلية، الأخلاقيات، الحكامة، والفعالية التأطيرية للمجلس.

من جانبه، أكد سامي المودني، رئيس المنتدى المغربي للصحافيين الشباب، أن الدراسة خلصت إلى أن تطوير التنظيم الذاتي في المغرب يتطلب مسارين متوازيين: إصلاح داخلي يجعل المجلس أكثر ديمقراطية واستقلالية وفعالية، وتحويله إلى نموذج مرجعي على المستوى الإقليمي كبديل ديمقراطي ومؤسسة داعمة لإعلام حر ومسؤول.

واعتبر أن هذه الدراسة تشكل أداة علمية وعملية لفائدة الصحافيين والمشرعين وصناع القرار، من أجل بناء نموذج تنظيمي أكثر استقلالا وتمثيلية، يستجيب لتحولات المهنة ويعزز موقع المغرب في مؤشرات حرية الإعلام.

وأضاف المتحدث نفسه أن “هذه الدراسة تمثل أداة علمية عملية للصحافيين، والمشرّعين، وصناع القرار، والهيئات الوطنية المعنية بحرية التعبير، بهدف بناء نموذج تنظيمي أكثر فعالية واستقلالية وتمثيلية، يُواكب تحولات المهنة ويُعزز موقع المغرب في مؤشرات حرية الإعلام”.

وخلصت الدراسة إلى توصيات رئيسية، من أبرزها مراجعة القانون المنظم للمجلس بما يضمن استقلاليته المالية والإدارية الكاملة وإقرار انتخابات شفافة ودورية لاختيار ممثلي الصحافيين في المجلس الوطني للصحافة، مع تبني نظام تأهيلي قائم على الكفاءة والنزاهة وتحيين الميثاق الوطني لأخلاقيات مهنة الصحافة والنشر لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعي، والأخبار الزائفة، وتطورات الصحافة الرقمية.

كما أكدت ضرورة تفعيل آليات المساءلة والشفافية والتحكيم والوساطة داخل المجلس الوطني للصحافة وإشراك المجتمع المدني الحقوقي والمؤسسات الأكاديمية في تركيبة المجلس المستقبلي.

ومن التوصيات أيضا، تحصين المهنة وإعادة الاعتبار لها، استنادا إلى مطالب المهنيين ومؤسساتهم التمثيلية وهيئاتهم الداعية إلى إعادة الاعتبار لمهنة الصحافة في بلادنا وحمايتها من الدخلاء والمتطفلين والنهوض بصورتها لدى المجتمع، ومن أجل أن يتبوأ الصحافيون المكانة التي تليق بهم في المجتمع إسوة بباقي المهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *