وجهة نظر

عصيد.. انكشاف لعبة “التحريف” باسم الديموقراطية الراقية

انتقد أحمد عصيد، وكثير غيره، الانتقادات التي طالت ابتسام لشكر المتابعة “على إثر قيامها بنشر صورة لها بحسابها على إحدى منصات التواصل الاجتماعي تظهر فيها وهي ترتدي قميصا مكتوب عليه عبارات مسيئة للذات الإلهية وأرفقت الصورة بتدوينة تتضمن إهانة للدين الإسلامي”.

وبما أن القوانين في المغرب واضحة في هذا الصدد، وأن “جريمة” لشكر تابتة لا تحتمل التأويل، فقد لجأ عصيد ومن ذهب مذهبه إلى محاولة تكييف “الجريمة” على أنها تتعلق بالله فقط، وأن البلدان الديموقراطية الراقية لا تحاسب مواطنيها على ما يقولون ويفعلون مما يتعلق بالله. وبناء على ذلك اهتدى ومن سار خلفه ومعه إلى زاوية لمواجهة الانتقادات الموجهة لسلوك لشكر، بالقول إن الله لا يحتاج إلى من يدافع عنه.

وهذه المقولة “الله لا يحتاج من يدافع عنه” هي الشعار الفلسفي الذي يسعى هؤلاء إلى تأطير الجدل القائم في المغرب به حول سلوك لشكر. أملا في أن يجد في العقول والنفوس مدخلا يبرر ذلك السلوك، حين لا يجد المرء إلا أن يقول “نعم الله لا يحتاج لمن يدافع عنه”!

وهذا التحريف المفضوح يريد أن يغطي على أصل المشكلة والذي نلخصه في أمرين. الأول، أن سلوك لشكر لا علاقة له بحرية التعبير مادام يمس بعقيدة ملياري مسلم عبر العالم بشكل حاط لا علاقة له بالنقد والفكر وحريته. والثاني، أن الأمر هنا لا يتعلق بالدفاع عن الله، بل بالدفاع عن حقوق عباد الله في أن تعامل عقائدهم باحترام. فكما هو متعارف عليه عبر العالم وفي جميع الثقافات، فالرأي يحترم، لكن في مذهب المدافعين عن سلوك لشكر، فالعقيدة الدينية، ربما، لا يشملها ذلك الاحترام.

والغريب أن يستدل عصيد بالدول الديموقراطية الراقية فيقول “في الدول الديمقراطية الراقية لا تتدخل السلطات لحماية الله من المجذفين، لأنها تعلم أن الإيمان الراسخ للأفراد لا تزحزحه مزاحات اللادينيين أو الملحدين”. فنلاحظ أولا كيف استعمل كلمة “مزاحات” للتخفيف من حدة المشكلة. والمؤكد أن الغرب، الحاضنة الفعلية لتلك الدول الراقية، لا يُسمح فيه بالمس بمعتقدات المواطنين بطرق استفزازية لا تحرم تلك المعتقدات، وهذا يختلف جوهريا عن حرية انتقاد تلك المعتقدات بأسلوب فسلفي أو علمي رصين، أو حتى برسم كاريكاتيري معبر عن فكرة مخالفة ومنتقدة. بل نجد من يذهب من بين تلك الدول “الديموقراطية الراقية” إلى أبعد من ذلك، فنجد فرنسا، مهد الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان، لا تترد في سن قوانين تمس بالحقوق الأساسية للمسلمين فيها بدعوى حماية علمانية الدولة، فتتحكم في لباسهم وهندامهم و …

والأغرب من كل ذلك أن يمارس عصيد ابتزازا مفضوحا ضد الدولة ومؤسساتها، فيحاول تفسير إجراء النيابة العامة بمتابعة لشكر بمبررات سياسية وأديلوجية وليس بمبررات قانونية، فيقول بوثوقيه غريبة “طبعا مبرر السلطات دائما هو الحفاظ على الاستقرار بمنع “الفتنة” التي يمكن أن تحدث بسبب فتاة ارتدت قميصا اعتبر “مسيئا للذات الإلهية”، ويضيف، “الفتنة المزعومة هي بسبب الهياج العاطفي المفترض أن يحدث من طرف تيار إيديولوجي يعتبر نفسه حارسا للقيم التقليدية ومدافعا عن الله مباشرة، يتحين الفرص لإحداث القلاقل بذرائع ومبررات دينية، وكل هذا من مظاهر الهشاشة والتأخر التاريخي الكبير الذي نعيشه”. وبهذا يحاول ابتزاز القضاء بتسييس المتابعة واتهامه بالخضوع لذلك التيار، وبخوفه منه، آملا أن يتحول كلامه، الذي تناقلته الكثير من وسائل الإعلامي ليشكل ورقة ضغط محتملة، إلى فزاعة يخضع لها ضمير العدالة.

وحتى يمكن لهذا الابتزاز المفضوح يقول إنه “في بلدان الهشاشة تقدم السلطة والتيار المتطرف أنفسهم “حماة لله”، لأن الإيمان أصلا ليس فرديا وليس اختيارا حرا للأفراد، بل هو “نظام عام” محروس ومراقب، وهو محروس ومراقب لأنه في النهاية لعبة سياسية ذات مآرب دنيوية غير شريفة”. وأكثر شيء يكذب هذه التوليفة اللغوية هو حريته هو نفسه في أن يعتقد ما يشاء ويعبر عن أرائه بحرية، ويدافع بحرية عن ابتسام لشكر، إلا أن يكون هو أيضا جزءا معززا لتلك اللعبة السياسية ذات المآرب الدنيوية غير الشريفة؟

إننا أمام خطاب متهافت لا يجد مرجعية فكرية وسياسية وحتى حقوقية واضحة، وكل ما يمتلكه هو القدرة على صناعة الكلام المراوغ للحقيقة حتى وهي منكشفة أمام العالم.

إن آفة النقاش في مثل هذه القضايا في بلادنا هو أنها نقاشات غارقة في الاديلوجية العمياء، لذلك تكون الفائدة منها وفيها ضعيفة إلى منعدمة.

إن متابعة ابتسامة لشكر أمام العدالة ليس دفاعا عن الله، بل تفعيلا للقانون وحماية لحقوق الشعب المغربي، وحقوق ملياري مسلم عبر العالم، في أن تحترم معتقداتهم. والذي نتمناه هو يكون درس متابعة لشكر مفيدا في رسم الحدود بين حرية التعبير وبين التعدي على حقوق الآخرين. وأن يتسلح الجميع، ملاحدة ودينيين ومن بينهما، بالفكر والحجة في التدافع السياسي والاديولوجي، في احترام تام لرأي الجميع، ولحق الجميع في أن يكون ما يشاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *